قراصنة المتوسط

3 مارس 2016

كيف استطاعت شبكة من شركات النقل البحري، ترفع سفنها أعلام دول مثل تنزانيا والتوغو ومولدافيا وسيراليون وغيرها، أن تحول أعمالها التجارية من شحن البضائع والدواجن والأغنام إلى تجارة الحرب من خلال: تهريب البشر وربما الأسلحة.

خلال العامين الماضيين تكررت على سواحل الحلم الأوروبي حالات متشابهة، تمثلت في تكدس المئات من اللاجئين السوريين اليائسين في بواخر مخصصة لنقل البضائع أو المواشي، وترفرف عليها أعلام تمثل دولاً أفريقية أو أوروبية أو جزراً نائية، بينما يختبئ معظم الملاك الحقيقيون لهذه السفن في جزيرة صغيرة على الساحل السوري قبالة مدينة طرطوس تسمّى “أرواد”.

الجزيرة الهادئة التي كان اسمها فيما مضى “مملكة أرواد” لم تعرف سوى مهنة البحر والإبحار، إذ اشتغلت عائلاتها منذ القدم في بناء السفن، وامتد نفوذهم حتى رومانيا واليونان. لكنها اليوم تحولت الى نقطة جذب لشركات تتخصص بتهريب اللاجئين، مثلما غزا أجدادهم أوروبا من قبل بحرب السفن الشهيرة التي جرت قبل الميلاد بين الفينيقيين واليونان في معركة “سالاميس”.

تحقيق: حمود المحمود، دولفين روتر، كتالين براسكريو، جيم بولو ميسوموسي، فريدريك لور، جين تيستيرت، نيكوليا ابوستولو، وشفق تيمور.

صحيفة الحياة: في ليلة الثلاثين من كانون الأول ديسمبر عام 2014، حلقت طائرة هيلوكوبتر تابعة لخفر السواحل الإيطالي فوق سفينة شحن كانت تخترق عباب البحر باتجاه سواحل إيطاليا، دون أن تستجيب لنداء الشرطة بالتوقف والإفصاح عن هويتها.
كانت السفينة المسماة “بلو سكاي ام” تسير وكأنها بلا قبطان، مسرعة تجاه الشواطئ الإيطالية، لدرجة خشيت فيها الشرطة من أن تكون سفينة “كاميكاز” انتحارية تستهدف تفجير الشاطئ.

لكن في اللحظة التي أجرى خفر السواحل عملية الإنزال على ظهر السفينة، أدركوا أنهم أمام شحنة أخرى من تهريب اللاجئين في ظروف غير إنسانية، عبر حشرهم وتكديسهم بلاحراك في أسفل السفينة، ومن غرفها المظلمة، تحركت عيون 768 رجلاً وامرأة وطفلاً كانت تبدو عليهم السكينة حتى لحظة وصول الشرطة، والتي القت ألقبض على القبطان راني سركس الذي كان يقود هذا الحشد الصامت في عتمة الليل.
كان على متن السفينة مالايقل عن ستين طفلاً، وفي زاوية أخرى كانت امرأة تضع مولودها وسط تلك الفوضى التي حدثت بعد القبض على السفينة واقتيادها إلى ميناء غاليبولي. يقول أحد العاملين في منظمة إنسانية بعد صعوده ظهر السفينه للمساعده: “لن ننسى أبداً تلك الليلة العصيبة التي عايشناها”.

وتبلغ التكلفة التقديرية لما دفعه اللاجئون في تلك الرحلة القصيرة ملايين الدولارات؛ فكل فرد يدفع شقاء عمره في هذه الرحلة المصيرية التي تعني له ولأسرته الحياة أو الموت بكل معنى الكلمة، ويتراوح المبلغ عن كل شخص بين 4500 إلى 6000 دولار أمريكي. وهكذا زج المهربون ذلك العدد من البشر الذي يقترب من ثمانمائة شخص على متن السفينة “بلو سكاي ام”، ليضعوا في جيبوبهم مبلغاً إجمالياً يتراوح بين 3.5 الى 4.5 مليون دولار للرحلة. ويخبرنا مصدر في خفر الشواطئ الإيطالية، أن مهربي البشر يفضلون استخدام السفن الكبيرة مثل “بلو سكاي ام” بهدف زيادة الربح وتخفيض المخاطر المحتملة ضدهم، إذ من السهولة بمكان أن يختفي العاملون في السفينة بين حشد البشر اللاجئ على متنها. ويفيد مصدر قضائي إيطالي لمعدي التحقيق أن كل موظف من طاقم السفينة، كان حصل على نحو خمسة آلاف دولار لمشاركته في تهريب البشر عبر “بلو سكاي ام”، بينما حصل القبطان سركس لوحده على 25 ألف دولار، وأفاد للمحققين أن المبلغ استلمته زوجته في طرطوس.
لكن سركس الذي لم يتمكن من الهرب مثل كبير المهندسين علي عاصي عامر الذي فرّ من على متن السفينة، بينما أُدين سركس بتهمة تجارة البشر، وحُكمت عليه محكمة إيطالية الشهر الماضي بالسجن لست سنوات وغرامه 14مليون يورو.

لكن اسم راني سركس يظهر مرة أخرى في تحقيقات أجرتها السلطات اليونانية، حين قبضت على سفينة أخرى تدعى “حداد 1” في أيلول سبتمبر 2015، وكانت السفينة تحمل على متنها خمسة آلاف بندقية، حيث ظهر اسم سركس في التحقيقات باعتباره الوسيط الذي سهل بيع السفينة لرجل في الشرق الأوسط.

اعترف سركس للمحققين الإيطاليين بأن من جنده لعملية تهريب اللاجئين رجل من طرطوس يدعى أبو حيدر، غير أن المصدر القضائي يخبر فريق التحقيق الصحفي بأن سركس هو مجرد واجهة لشخصية كبيرة تقف خلف عملية التهريب.

الشبكة

على مدى أربعة أشهر قام فريق من ثمانية صحفيين يمثلون ستة بلدان عربية وأوروبية (بلجيكا، رومانيا، اليونان، إيطاليا، تركيا، سوريا)، إضافة إلى خبير في تجارة البشر بالتقصي حول مالكي تلك السفن التي تقف وراء تلك الرحلات الخطرة لتهريب اللاجئين، والتي كانت غالباً ماتنتهي إما بالغرق أو القبض عليها خلال سعيها للوصول إلى السواحل الأوروبية. فقد سجل العام 2015 أسوأ حادث من هذا القبيل، حين انقلبت سفينة تحمل 800 لاجئ بعيد مغادرتهم الشواطئ الليبية، ليقضي معظمهم غرقاً.
التقى فريق الصحفيين العاملين على هذا التحقيق بمحققين قضائيين عملوا على التحقيق في سفن التهريب، وحصلوا على سجلات ووثائق تسجيل الشركات من دول متعددة وملاذات الأوف شور، واستطاعوا تصنيف قائمة بحوالي 17 سفينة شحن غادرت تركيا منذ أيلول سبتمبر 2014 وبداية العام 2015، وهي تحمل على متنها لاجئين بطرق غير مشروعه. بعد تحديد أسماء السفن توصلوا إلى الشركات التي تقف وراءها: “ساندي”، “باريس”،” زين”، “فيتريول”، “ميركور1″ و”تيس” وغيرها. وقدر المحققون الإيطاليون أنهم كانوا يلقون القبض على سفن التهريب بمعدل نصف شهري تقريباً خلال تلك الفترة، وكانت كل سفينة يلقى القبض عليها تكشف عن حمولة خفية من مئآت اللاجئين معظمهم من السوريين. وقدر مصدر قضائي إيطالي لمعدي التحقيق أن عدد اللاجئين الذين نقلتهم هذه السفن خلال أربعة أشهر بلغ حوالي ستة آلاف شخص.

infograph (1)
وتكشف التحقيقات أن تلك السفن ومثلها كذلك سفينة “بلو سكاي ام”، كانت تنطلق في الغالب من شواطئ تركيا، وتتبع تكتيكاً يعمل على نقل اللاجئين بقوارب صغيرة للوصول إلى السفينة الكبيرة الراسية قرب مرسين. وكذلك كان التخطيط لمرحلة الوصول إلى الشواطيء الإيطالية أو اليونانية، حيث تتم عملية النقل عبر قوارب صغيرة تخفي اللاعبين الكبار.

استخدم هؤلاء اللاعبون شبكة معقدة لتسجيل السفن تحت أعلام دول أفريقية و أوروبية وجزراً نائية. لكن وثائق التسجيل تكشف أن معظم المالكين كانوا سوريين من طرطوس واللاذقية ينحدر أغلبهم من جزيرة أرواد. وكانت عملية بيع وشراء السفن تتم من قبل تجار متعددين في محاولة لإخفاء المالك الحقيقي. فسفينة “بلو سكاي ام” بيعت واشتريت من قبل مجموعة من رجال الأعمال معظمهم من السوريين المقيمين منذ زمن طويل في مينائي كوستانزا وغالاتي في رومانيا، وبعضهم كان قد تورط مسبقاً بحسب التحقيقات في تهم تهريب الأسلحة والسجائر.

في عام 2011 اشترى رجل الأعمال السوري صالح عماد المقيم في غالاتي برومانيا سفينة “بلو سكاي ام” من أحمد بيطار الحاصل على الجنسية الرومانية، والذي تعود جذوره إلى منطقة “تلكلخ” في سورية. وكان بيطار يستخدم السفينة سابقاً لنقل الأخشاب، بالتعاون مع رجل أعمال سوري آخر يدعى مصطفى طرطوسي مقيم في كوستانزا، ويمتلك أيضا شركة نقل بحري. وفي تشرين الثاني نوفمبر أدين طرطوسي بمساعدة شريك آخر يدعى عمر هيثم بالهروب من العدالة بعد الحكم عليه بخطف ثلاثة رومانيين في العراق عام 2005. وحكم القضاء الروماني عام 2014 على طرطوسي بالسجن لسبع سنوات، بينما كان أحمد بيطار قد خضع للاستجواب حول مدى علاقته بقضية عمر هيثم.
وبحسب الوثائق أيضاً، تعاقد صالح عماد مع رجل أعمال لبناني مقيم في كوستانزا يدعى ميخائيل دباس ليكون وكيلاً لثلاثة سفن هي “بلو سكاي ام” و “بلو سكاي اس” و”بلو سكاي آي”. كما تعاقد عماد مع شركة تدعى “انفو ماركت سي آر ال” لتتابع معاملات السفن الثلاثة. ووفقاً لميخائيل دباس، فإن صالح عماد باع سفينة “بلو سكاي ام” في تركيا عام 2014 من خلال شركة تدعى “بلو سكاي شيبنغ انت س.ا” أسسها في الملاذات الضريبية الآمنة “أوف شور”. ووفقاً لدباس فإن صالح عماد اشترى شقة في كوستانزا بعد تلك الصفقة.

ثم يظهر اسم السوري أحمد حاج حمود (31 ) عاماً باعتباره المشتري المحتمل للسفينة “بلو سكاي ام” من صالح عماد. وقد حصل فريق التحقيق الصحفي على صورة جواز سفره من مصدر في السلطات الرومانية، ثم أكدت وزارة النقل المولدافية للفريق الصحفي عبر الإيميل صحة جواز سفره، بعد أن تعرفت عليه من خلال نشاطات أخرى.
وقد بدأت عملية التهريب على متن “بلو سكاي ام” مباشرة بعد شرائها من قبل حاج حمود. حيث راجع فريق التحقيق الاستقصائي مسار السفينة عبر الرادار من ميناء فارنا في بلغاريا إلى الدرندنيل غرب تركيا ثم إلى مرسين في العشرين من كانون الأول ديسمبر 2014. وهناك تعطل محركها قليلاً بحسب الوثائق، لتعود وتنطلق باتجاه ميناء تاسكو في تركيا وعلى متنها مئات اللاجئين باتجاه اليونان، لكنها غيرت اتجاهها نحو إيطاليا ليلقى القبض عليها.

في القفص

في الأول من كانون الثاني يناير 2015 أي بعد أيام قلائل من القبض على السفينة “بلو سكاي ام”، انطلقت طائرة الهيلوكوبتر التابعة لخفر الشواطئ الإيطالي مجدداً باتجاه سفينة أخرى كانت تجرفها الأمواج نحو الشواطيء، وكانت السفينة تبدو موحشة بلا وقود ولاكهرباء. هبط الحراس من على المروحية حاملين المصابيح الليلية، حيث كان التوقيت يشير للساعة الثالثة صباحاً، وقد بدا النزول على متن السفينة “مغامرة خطرة” على حد وصف أحد حرس الشواطيء.
السفينة الجديدة التي ألقي القبض عليها كان اسمها “عز الدين”، وكانت تتشابه مع “بلو سكاي ام” بأنها هي الأخرى غير مخصصة لنقل البشر، فقد كانت “عز الدين” مخصصة لشحن الدواجن والمواشي، لكن مالكيها قرروا استخدامها لتهريب البشر وحشرهم وسط روائح قاتلة، فالمهم هو جني الأرباح. ويصف أحد حراس الشواطيء ويدعى كورجلينانو كالاربو وهو من أوائل من صعد السفينة، بأنه لايمكن أن ينسى ذلك المشهد الذي شاهده، “لقد كان حوالى 400 لاجئ مضغوطين في أقفاص يبدو أنها كانت مخصصة لنقل الاغنام، وكنت تراهم من خلفهم القضبان وكأنهم مخطوفون أو معتقلون، بينما لاتزال بقايا روث الماشية التي ربما نقلت قبلهم تحيط بهم من كل جانب”. وقد وجد المحققون على متن السفين فقط مائة سترة نجاة كانت مخصصة لإنقاذ اللاجئين الأربعمئة في حال التعرض للغرق.

وبحسب مصدر من فريق المحققين الإيطاليين، فإن السفينة “عز الدين” قدمت من مرسين في تركيا. وقد تتبع فريق التحقيق الصحفي مسار السفينة على مواقع تتبع السفن، فظهر أنها غادرت طرطوس على الشواطيء السورية في 21 تشرين الأول أكتوبر 2014، ثم اختفت عن الرادار حتى الثامن من كانون الأول ديسمبر لتظهر في قبرص، ثم غادرت باتجاه مرسين في السابع عشر من كانون الأول ديسمبر.
وبحسب ما أفادتنا به مصادر التحقيق الإيطالي في عملية السفينة “عز الدين”، فإن طاقم السفينة اختفى بالكامل بين حشد اللاجئين ولم يعثر لأي منهم على أثر، وهو ماجعل التحقيق يواجه طريقاً مسدوداً أمام محاولة المحققين معرفة من كان يقف وراد السفينة وعملية التهريب. غير أنّ بعض اللاجئين على متن السفينة ذكروا أن شخصاً يدعى رامز بهلوان كان مسؤولاً عن تهريبهم من تركيا. وقد استطاع أحد المشاركين في التحقيق الصحفي التواصل مع بهلوان متنكراً على أنه لاجيء يرغب وعائلته بالهجرة على متن سفينة إلى أوروبا. كان جواب بهلوان حذراً، فمرة كان يقول بأن المناخ الشتوي غير مناسب للبحر، ومرة يقول بأنه توقف ولم يعد للعمل على متن السفن منذ أن عاد من تركيا قبل ستة أشهر، لكن ازدياد شكوكه من محاوره مع ضغط الأسئلة، قام بهلوان بعملية حظر “بلوك” لمحدثه على فيسبوك.

لكن اختفاء بهلوان مرة أخرى لم يخفي المالك الحقيقي لسفينة “عز الدين”، فقد استطاع الفريق الصحفي الحصول على وثائق تسجيل هذه السفينة والشركات المرتبطة بها، وتمكن من تحديد شركة (لبادي واي ام) Lebaddi YM التي تعود ليوسف محمد لباده والتي قد تكتب “لبادي”، وكذلك شركة (يوني مارين مانجمنت كو.) .Unimarine Management Co ويمتكلها رجل الأعمال عبدالله ألوف، وكلاهما يسكن طرطوس السورية. بينت الوثائق ارتباط الشركتين بالسفينة “عز الدين”، حيث كان لباده يمتلكها عندما كانت تحمل الاسم “جودي اس”. ولم يتمكن الفريق الصحفي من الوصول إلى لباده لمنحه حق التوضيح، بينما تمكن الفريق من التواصل مع عبدالله ألوف (52) عاماً والذي أكد بدوره أن محمد يوسف لباده هو مالك “عزالدين”، بينما كانت علاقته هو بالسفينة مجرد تأمين إجراءات السلامة للسفينة من خلال شركته.

JPG-Ezadeen---Lebbadi-with-Unimarine (1)

ارتباط شركتي يونيمارين مانجمنت كو ولبادي واي ام بسفينة عز الدين بنفس الفترة الزمنية

واكتشف الفريق الصحفي أن الوف يرأس أيضاً شركة (مصر يوني مارين) Misr Unimarine في الاسكندرية بمصر، ويظهر على موقعها الإلكتروني ملكيتها للسفينة عزالدين، إضافة إلى ملكيتها لسفينة أخرى شهيرة تدعى “نور ام”، والتي كانت السلطات اليونانية قد قبضت عليها في الثامن من تشرين الثاني نوفمبر 2013 وعلى متنها (55) طرداً مليئاً بالذخائر المتفجرة. كانت “نور ام” متجهة إلى ليبيا بحسب لجنة التحقيق التي شكلها رئيس مجلس الأمن الدولي، وقدمت تقريرها في شباط فبراير 2014 لافتة إلى أن تلك الذخائر يشتبه بأنها كانت متجهة لمجموعات “إرهابية” في ليبيا.

Misrunimarine ships Image

أسماء السفن الموضحة باللون الأحمر تعود ملكيتها لشركة مصر يونيمارين لصاحبها عبدالله ألوف

ونفى ألوف للفريق الصحفي ملكيته للسفن “عز الدين” و”نور ام” مكتفياً بالاعتراف بأنهما خضعا لرقابة شركته في إجراءات السلامة فقط من خلال شركته (يوني مارين مانجمنت كو.)، ولم يذكر في اجابته شركة (مصر يوني مارين)، مؤكداً أنَه لم يكن مسؤولاً عما كانت تحمله “نور ام” أو “عز الدين” من شحنات، ولا عن مسارهما ضمن البحر. وهذا خلافاً لما توصل إليه الفريق الصحفي، وما جاء في بيانات السفن من مصدر Lloyd’s List على الأقل، حيث أن شركة (يوني مارين مانجمنت كو.) لصاحبها عبدالله ألوف هي المالك المستفيد النهائي (Beneficial Owner) والمدير الفني (Technical Manager) للسفينة في ذات الوقت، مما يخوله القيام بأعمال الصيانة وقطع الغيار للسفينة، وحتى تقديم الدعم الفني لطاقم السفينة نفسه، و ذلك في الفترة الزمنية التي وصلت فيها السفينة السواحل الإيطالية وهي محملة باللاجئين السوريين غير الشرعيين بتاريخ 1 كانون الثاني يناير 2015.

JPG-Ezadeen-Lloyed-Image

المالك المستفيد النهائي والمدير الفني لسفينة عز الدين هي شركة يونيمارين مانجمنت كو لصاحبها عبدالله ألوف

وربما كان متوقعاً أن ألوف لن يذكر أنه يدير شركات خفية مسجلة في بنما والتي هي إحدى الملاذات الضريبية الآمنة “أوف شور”، ومن هذه الشركات: (داميكو شيبينغ)DAMEKO SHIPPING COMPANY S.A و( دايمارشيبينغ ) DIAMAR SHIPPING & TRADING S.A وشركة (كريست شيبينغ اند تريدينج س.ا) Crest Shipping & Trading S.A والتي تملك سفينة “سكاي هوب” وتحمل علم سيراليون. حيث مُنعت السفينة “سكاي هوب” من دخول المياه الأوروبية منتصف عام 2014 بسبب تعرضها للاحتجاز عدة مرات إثر مخالفات متعدده.

ليس وحيداً

في شهر تموز يوليو 2015 حظر الاتحاد الأوروبي سفينة “جورجيانا اتش” والتي تحمل علم جمهورية توغو من دخول مياهه الإقليمية. حيث تعود ملكية هذه السفينة بحسب المعلومات التي عثر عليها الفريق الصحفي لشركة (جوهر شيبينغ) Johar Shipping والتي يمتلكها حسن جوهر (35) عاماً، وهو رجل أعمال سوري ينتمي لعائلة شهيرة من مدينة طرطوس تمتلك شركات في بريطانيا ورومانيا.
وفي ميناء كوستانزا الروماني نكتشف فرعاً للشركة التي تقدم خدمة إجراءات السلامة للسفنية “جورجيانا اتش” وتدعى شركة (بيا شيبينغ) BIA Shipping، وفي اتصال هاتفي من قبل أحد معدي التحقيق الصحفي أكد حسن جوهر ملكيته للشركة (بيا شيبينغ).
وإلى جانب “جورجيانا اتش” التي حُرمت من دخول المياه الأوروبية، منع الاتحاد الأوروبي أيضاً أربعة سفن أخرى تعود ملكيتها لشركة (جوهر شيبينغ) Johar Shipping بسبب خرقها للعقوبات الأوروبية المفروضة على جزيرة “القرم” الأوكرانية منذ عام 2014. وفي كوستانزا يمتلك حسن جوهر أيضاً شركة أخرى للنقل البحري تدعى (شنار شيبينغ اس آر ال)Shnar Shipping SRL بالشراكة مع ثلاثة سوريين هم: عدنان حسن، فرهاد حسن وعبد الرحمن حسن، وقد تم اعتقال هذا الأخير من قبل السلطات الرومانية في 2014 بتهمة تهريب السجائر من تركيا إلى رومانيا، عندما كان قبطاناً لسفينة تدعى “رانيا اتش” تديرها شركة (بيا شيبينغ) BIA Shipping العائدة لحسن جوهر. وقد قررت المحكمة في تشرين أول اكتوبر 2015 الحكم على عبد الرحمن حسن البالغ من العمر(53) عاماً بالسجن مدة ثلاث سنوات بسبب تهريب السجائر، كما أدين عبد الرحمن بحسب ما أفادنا به مصدر قضائي في كوستانزا بتهمة تهريب البشر لدوره في تهريب اثنين من الأكراد السوريين.

وخلال قيام فريق التحقيق الصحفي بتعقب شبكة السفن المشبوهة ومن يقف خلفها، تظهر روابط على وسائل التواصل الاجتماعي بين “جوهر وحسن مع صالح عماد” حيث يقيم الجميع ويعملون في كوستانزا، ويمتلكون في ذات الوقت شركات في طرطوس واللاذقية ومصر ولبنان ولديهم أعمال في تركيا.

بزنس التهريب

في 26 أيلول سبتمبر 2014 عندما رست السفينة “بلو سكاي ام” على شواطيء كوستانزا. حصل ذلك قبل ثلاثة أشهر من القبض عليها محملة باللاجئين على شواطيء إيطاليا. يومها تعرض قبطان السفينة وكان يدعى عبدلله عسيلي للتحقيق بتهمة التهريب من قبل السلطات الإيطالية. لكن اسم عسيلي لم يظهر على متن السفينة في رحلتها إلى إيطاليا حين قبض عليها، إنما ظهر اسمه في صفقة لشراء سفينة تدعى “عزرا اس” في تركيا. كانت تلك السفينة مملوكة حتى منتصف العام 2014 لخالد جوهر أحد أفراد عائلة حسن جوهر، والتي كانت تمتلك أيضاً شركة (انفو ماركت اس آر ال) Info Market SRL
التي تديرسفينة “بلو سكاي ام” ذائعة الصيت.

وقد ورد اسم عائلة جوهر في قصة سفينة أخرى شهيرة تدعى “لطف الله 2″، وهي السفينة التي باعها أحمد جوهر لشركة تدعى ( آي اس ام جروب ليمتد) ISM Group LTD في طرطوس، ثم اشتراها مطلع العام 2012 رجل أعمال سوري يدعى محمد خفاجي. وبعد امتلاك خفاجي للسفينة بأربعة أشهر، ألقت السلطات اللبنانية القبض على السفينة وهي قادمة من ليبيا وعلى متنها ترسانة من الأسلحة والمتفجرات متجهة إلى سورية. هرب خفاجي ولم يسلم نفسه للسلطات اللبنانية، ونشر بياناً ينفي التهمة وينفي علمه بالحمولة، لكن المحكمة العسكرية اللبنانية أدانته وشقيقه غيابياً في آب أغسطس 2015 بالأشغال الشاقة المؤبدة. خفاجي المتواري عن الأنظار عاد للفت الأنظار مجدداً عندما ألقت السلطات اليونانية القبض على السفينة “الكسندرياتا” التي يمتكلها، واحتجزتها في شباط فبراير 2013 في ميناء فولوس اليوناني، بعد أن عثروا على متنها على ثلاثة شحنات مكونة من: ” 00 بندقية صيد ونحو مليون خرطوش للبندقية، و 2500 مسدس ونصف مليون طلقة ذخيرة” بحسب تقرير للجنة خبراء شكلها مجلس الأمن الدولي حول الحادثة.

JPG-lettfallah-2

الخط الزمني لسفينة “لطف الله 2”

ويظهر اسم الشركة السورية ( آي اس ام جروب ليمتد)، وهي التي باعت سفينة “لطف الله 2” لخفاجي، باعتبارها شركة متخصصة بتسهيل عمل السفن التي ترفع علم سيراليون في سورية، حيث سهلت ( آي اس ام جروب ليمتد ) بيع سفن “لطف الله 2” و “نور ام” اللتين تحملان علم سيراليون، وكلا السفينتين أُوقفتا بتهمة تهريب الأسلحة والذخائر. كما كانت ( آي اس ام جروب ليمتد) تمتلك سفينة “حداد 1″، قبل أن تبيعها لاحقاً لراني سركس القبطان المحكوم عليه بالسجن في إيطاليا بتهمة تهريب البشر.

تحقيقات مفتوحة

في تموز يوليو من العام الماضي، حكمت محكمة في اليونان على سبعة سوريين وأفغاني بتهمة تهريب البشر لعملهم ضمن طاقم سفينة تهريب تدعى “باريس”. وقررت المحكمة سجنهم لخمسة وعشرين عاماً، وتغريم كل واحد منهم مبلغ مائتي ألف يورو. كانت سفينتهم التي يعملون فيها تحمل علم جمهورية كيريباتي وتخفي مالكها الحقيقي. غادرت شواطئ مرسين في تشرين الثاني نوفمبر 2014، لكنها تاهت في عرض البحر، وأطلقت نداء استغاثة بعد نحو 12 يوماً على مغادرتها، حتى تمكن خفر السواحل اليوناني من انقاذها.
اختفى المالك الحقيقي لهذه السفينة وراء كومة من الأوراق، والتواقيع الرسمية، بعد أن قبض مبلغاً يتراوح بين 5 آلاف إلى 7 آلاف يورو عن كل لاجئ على متن السفينة التي زُج بطاقمها في السجن لربع قرن بدلاً عنه.
ذكّرنا مالكي السفن السوريين ممن تواصلنا معهم بقانون “مكافحة الإتجار بالأشخاص” الذي صدر في سورية عام 2010 ولايزال ساري المفعول. وتعمدنا تذكيرهم بفقراته التي تنص أنّ “نقل أو استدراج أو ترحيل الأشخاص لغايات غير مشروعة” يعتبر إتجاراً بالبشر، وأنّ هذه التجارة بحسب القانون السوري، تعتبر “تجارة دولية بالبشر”، حينما تتعدى حدود سورية إلى دولة أخرى.
وبرغم علمهم بالعقوبات الورادة في القانون السوري والدولي، واصلوا نفيهم التورط في الاتجار بالبشر أو علمهم بذلك، بينما تستمر سفنهم التي تشتغل في التهريب تدرّ عليهم سيلاً من الأرباح، حيث يدفع العاملون من طاقم السفن ثمن مخالفة القوانين الأوروبية والدولية، في الوقت الذي يختفي فيه قراصنة البحر المتوسط الحقيقيون في بزات أنيقة وياقات بيضاء.

*أنجز هذا التحقيق بدعم من Journalismfund.eu وبتعاون من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)

EFIJ_PosKleur