أوهام علمية على صفحات أردنية


تدعي بعض الصفحات الأردنية تخصصها في نقل المحتوى العلمي، إلا أنّها تنشر في بعض الأحيان ادعاءات غير دقيقة ومضللة، تمسّ سلامة وصحة المتابعين لتلك الصفحات، نعرض في هذا التقرير نماذج من هذه الادعاءات.


تشتهر بعض صفحات الأطباء على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتحصد مئات الآلاف من المتابعين، ومن ضمن هذه الصفحات صفحة طبيب أطفال تدّعي في منشور لها بتاريخ 19 حزيران/يونيو 2022، أنّ حليب الأم لا يحتوي على الحديد إطلاقاً، بناءً على تحاليل لم يتم ذكر مصدرها.

وأرفقت الصفحة التي يتابعها ما يزيد على 200 ألف مستخدم، الادعاء بمعلومات صحية حول الرضّع، ما قد يضعف ثقة بعض الأمهات بالرضاعة الطبيعية. ونشرت الصفحة ذاتها الادعاء نفسه في عاميْ 2021 و2020.



بعد البحث في المصادر الطبية الموثوقة، وجدنا أنّ حليب الأم يحتوي على الحديد بكميات قليلة (0.4 ملي جرام/لتر) وفقاً للمكتبة الوطنية للطب، والرضيع قادر على هضم الحديد، وقد يتم منحه مواد مدعمة بالحديد قبل عمر 6 أشهر، وعند الولادة يحتوي جسم الرضيع الصحي على مخزون من الحديد يكفيه من 4-6 أشهر، ويوصي مركز مكافحة الأمراض الأميركي CDC بإعطاء الحديد للرضيع بعد عمر الـ 6 أشهر، والتحدث مع مقدم الرعاية الصحية إذا كانت هناك حاجة لإعطائه الحديد قبل إكمال 6 أشهر أيضاً.


وتوصي منظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية وتؤكد أنّها حق للطفل لما لها من فوائد للرضيع، مثل تحسين عملية نمو الطفل وحمايته من الأمراض المعدية خاصة المعوية. وتوصي أيضاً بالاقتصار على الرضاعة الطبيعية طيلة الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل.


وعلى صفحة أخرى بعنوان “آفاق علمية” تنشر محتوى علمياً، ويتابعها ما يزيد على نصف مليون مستخدم، رصدنا منشوراً بتاريخ 2 تموز/يوليو 2022، يدعي قيام جامعة “هارفرد” بتجربة لمحاولة تبريد كوكبنا والتخفيف من وطأة الاحتباس الحراري، باعتماد تقنية لـ “تعتيم الشمس” وحجب ضوئها عن الأرض من خلال رش مواد كيميائية في الطبقة الثانية للغلاف الجوي للأرض “الستراتوسفير”، ضمن تجربة واجهت رفضاً من قبل علماء مناخ وبيئيين، اعتبروا العملية تدخلاً في النظام المناخي لا يمكن تكهن عواقبه.



فما هو المشروع المذكور في المنشور؟


عند الاطلاع على مشروع جامعة هارفرد، وجدنا أنّ المشروع لا يتعلق بتعتيم الشمس، بل يُدعى “الهندسة الجيولوجية الشمسية“، وهي تقنية تقوم على عكس جزء بسيط من ضوء الشمس إلى الفضاء أو زيادة كمية الإشعاع الشمسي الذي يعود إلى الفضاء، ما يسهم في تبريد الكوكب على حد قولهم، وهي إحدى الحلول المطروحة لمعالجة مخاطر الاحتباس الحراري التي تهدد الحياة على كوكبنا، ويزعم العلماء القائمون على هذا المشروع أنّ هذا الحل سيخفف من الأضرار فقط، ولن يعالج خطر الاحتباس تماماً.


وإحدى التقنيات المستخدمة في هذا الحل هي نثر الهباء الجوي -جسيمات عاكسة صغيرة- في طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي العلوي بعدة طرق منها بالونات (كالموجود في صورة الادعاء)، مثل رذاذ الكبريتات أو ربما كربونات الكالسيوم، في الغلاف الجوي العلوي، حيث يمكن أن تشتت جزءاً صغيراً من ضوء الشمس في الفضاء.


وأطلق على هذا المشروع اسم SCoPEx (تجربة الاضطراب المتحكم فيه في الستراتوسفير). وبعد أن كان يجب إطلاقه في عام 2021، تراجعت مؤسسة الفضاء السويدية التي تدير هذه الرحلة عن إجراء التجربة، وأعلنت في تصريح لها في آذار/مارس 2021 التراجع عن القيام بالتجربة بسبب انقسام المجتمع العلمي، ومخاوف البعض من هذه التجربة، وأكدت على استمرار المناقشات حول حلول الهندسة الجيولوجية.

وأعلنت اللجنة الاستشارية للرحلة تأجيل الدراسات حتى عام 2022 ولكن من دون موعد محدد، وذكر موقع المشروع أنّ الرحلة الأولى لن تطلق أيّ شيء في الهواء، ولكنّها ستكون رحلة تجريبية لمنصة الإطلاق، ولن يتمّ إطلاق أيّ شيء حتى توافق عليه اللجنة الاستشارية للمشروع، على عكس المنشور الذي أكّد أنّ الرحلة ستكون بهدف نشر مواد كيميائية.

على النهج نفسه سارت صفحة “جمعية المهندسين الوراثيين” الأردنية، وهي صفحة متخصصة في الأمور الطبية خاصة خلال جائحة كوفيد-19، وبعد إغلاق صفحتها سابقاً، أنشأت صفحة بديلة لتعاود النشر عليها، ونشرت الجمعية قديماً ادعاءات لا تستند إلى مصادر، وتمّ تكذيبها من قبل وزارة الصحة الأردنية ومن قبل جهات علمية مختصة.شاركت الصفحة بتاريخ 3 حزيران/يونيو 2022 خبراً يتعلق بتطعيم الأطفال ضد كوفيد-19، مدعيةً أنّ لقاح فايزر فشل في وقف الإصابات، وأنّ فاعليته لم تتجاوز حد 12%، مع تسببه في تدمير المناعة والعديد من الأعراض الجانبية.



إلا أنّ منظمة الصحة العالمية أكدت سلامة لقاح فايزر وأنّ نسبة فعاليته ضد كوفيد-19 تبلغ 95%، وذكر موقع فايزر نفسه أنّ فعالية مطعومه للأطفال للقاح كوفيد-19 ما دون سن الخامسة هي 80.3%، أما الادعاء بانخفاض فعالية مطعوم فايزر إلى 12%، فقد ردت على هذا الادعاء منصة Full Fact البريطانية مؤكدةً أنّه غير دقيق، إذ إنّ الرقم يستند إلى دراسة قديمة نُشرت عام 2020، مع الإشارة إلى أنّ فعاليته انخفضت عن 95% بسبب عامل الوقت، إذ توصي منظمة الصحة بجرعة ثالثة بعد مرور 4-6 أشهر على أخذ الجرعة الثانية من اللقاح.


وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلن في التاسع من حزيران/يونيو 2022 حصول الحكومة على لقاح آمن وفعال للأطفال ما بين 6 شهور إلى ما دون الخامسة، والتجهيز لعمليات بدء تطعيمهم بناء على توصيات مركز الوقاية من الأمراض CDC وإدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA.


أما عن اللقاحات المتاحة لتطعيم هذه الفئة فهي لقاحات فايزر بالإضافة إلى لقاحات موديرنا. وذكر موقع CDC أنّ لقاح فايزر الحديث تمّ إعطاؤه الترخيص لكن لم تتمّ الموافقة عليه بعد لهذه الفئة العمرية. أما عن أعراض اللقاح، فالأعراض الخطيرة مثل التهاب عضلة القلب ارتبطت بلقاح mRNA وهي نادرة جداً ورُصدت في الفئة العمرية ما بين 12-39 عاماً


كما أنّ ادّعاء ربط إصابات التهاب الكبد الوبائي عند الأطفال بلقاح كوفيد-19 ردت عليه خدمة تقصي الحقائق في رويترز مؤكدة أنّه خبر مضلل، ونفته وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة عند ظهور الحالات بكثرة هناك.

في بداية عام 2022 قامت الـ FDA بسحب بعض ماركات الحليب من السوق المحلي وحذرت من استخدامها إذا كان الكود المطبوع عليها يوافق أرقاماً معينة، وتمّ رصدها في شركة Abbott Nutrition أما الأخرى فهي Similac وAlimentum وEleCare.


المرض الذي تمّ التبليغ عنه هو Cronobacter sakazakii، وهو مرض بكتيري معوي نادر الحدوث لكنّه خطير ومميت للرضع. ويمكن أن تعيش هذه الجراثيم في الأطعمة الجافة، مثل: حليب الأطفال المجفف.


كما أنّ المصدر الذي وضعه كاتب المنشور نقلاً عن FDA لا يورد التهاب الكبد الوبائي ضمن أعراض الإصابة بهذا المرض البكتيري.


وذكر موقع CDC أنّه تمّ إغلاق ملف هذا المرض في شهر نيسان/أبريل عام 2022، بسبب عدم تسجيل حالات جديدة حالياً، ما يؤكد عدم صحة ما نشرته الصفحة من ادعاءات حول هذا الموضوع.