main cover

طمي السدود يحبس الماء عن أراضي المزارعين

10 آب 2022 , | رنيم الصقر

يشتكي المزارع مثقال الزيناتي، من رداءة مياه السدود الواصلة إلى مزرعته (30 دونما مزروعة بأشجار مختلفة) في غور الأردن، بسبب "ملوحتها العالية، وزيادة ترسبات الطمي في السدود". ويتهم في الوقت نفسه سلطة وادي الأردن بعدم تقديم معلومات كافية للمزارعين حول المخزون الحقيقي للسدود رغم المطالبات المستمرة بذلك.

أما علي خليوي، (يزرع نحو 40 دونما بالعنب)، فقد تكبد خسارة قدرها ستة آلاف دينار في الموسم السابق بسبب شح المياه.

ولا يختلف الحال بالنسبة للمزارعة (م. ظ) التي تشرف على 20 دونما من شجر الموز. تقول إن سلطة وادي الأردن قلصت من دون إبداء أسباب مقنعة، ضخ مياه السد من ثماني إلى ست ساعات يوميا "وهي مدة غير كافية".

وأمام هذا التقليص، تقول المزارعة: "وصل بنا الحال أن نمد أيدينا على قناة الملك عبد الله بطريقة غير شرعية ونتعرض للغرامات العالية في سبيل إنقاذ محاصيلنا من التلف. المزارع الأردني بين خيارين إما أن يتلف محصوله وهو مصدر رزقه الوحيد، وإما أن يأخذ الماء عنوة بطريقة غير شرعية ويدفع غرامات يصل بعضها إلى ألف دينار".

وفق مزارعين، فإن إتلاف المحصول لا يتوقف عند خسارة الموسم فقط، فالأرض تحتاج من سنة إلى ثلاث سنوات لإعادة إنعاشها. وفي حال طرح محصول كان يعاني قلة الري في الأسواق المحلية لا يتم شراؤه بسبب قلة جودته، مقارنة مع المحاصيل المشبعة بالمياه، أو يتم بيعه بأرخص الأثمان، وهذه خسارة لصاحب الأرض والأيدي العاملة.

يطالب المزارعون الذين التقيناهم بإشراكهم في صنع القرارات المتصلة بالمياه من خلال تشكيل مجلس إداري لمياه كل سد مهمته تنظيم التوزيع بشكل سليم. ولتحقيق ذلك، طالبوا بتزويد المجلس المقترح بمنسوب المياه في كل سد، والكميات التي سيتم توزيعها، والخطط المستقبلية، بكل شفافية وعدم إخفائها عن المزارعين.

التوزيع بعدالة

الوضع المائي الحالي لا يسمح بزيادة عدد ساعات ضخ المياه المحددة من قبل السلطة

هكذا رد مساعد الأمين العام لسلطة وادي الأردن للأغوار الشمالية والوسطى ماجد الخريسات، على شكاوى شح المياه.

وبالنسبة للتوزيع، يقول خريسات إنه يتم بعدالة على المزارعين كل حسب حجم محصوله مع مراعاة كميات المياه داخل السدود. ويضيف: "نُقدر كمية المياه التي يحتاجها المزارع ويُمنح دورتين إلى ثلاث دورات من الضخ أسبوعيا وتمثل كل دورة 6 ساعات".

وعن إدارة مخزون السدود، يقول الخريسات إن "السلطة تقسم المحصول على المزارعين ليكفي الموسمين الصيفي والشتوي حتى لا يتم استهلاك الماء بالكامل في موسم واحد على حساب الموسم الآخر".

عملية صعبة ومكلفة

لا توجد دراسات رسمية عن حجم الطمي والترسبات في السدود، لأن الأمر يحتاج شركات متخصصة في مثل هذه الخدمات بنظر الأمين العام لسلطة وادي الأردن منار محاسنة. وتضيف: "إلى الآن لم تعلن الحكومة عن أي أرقام لوجود سدود خرجت من الاحتساب، وسدود تم رفعها، وسدود تم إزالة كمية طمي منها".

لكن وفق تقديرات أستاذ هندسة المياه في الجامعة الأردنية رضوان الوشاح، فإن نسبة الطمي في السدود الأردنية يتراوح بين 13 - 27 في المئة، أكثرها في سد الملك طلال، إذ تقدر كمية الترسبات فيه بنحو 23 مليون متر مكعب، من أصل 75 مليونا سعة السد.

ويلفت الوشاح إلى إزالة 495 ألف متر مكعب من طمي السدود، وهو "رقم يشكل نسبة صغيرة مقارنة مع حجم الطمي والترسبات الموجودة".

وبخصوص عمليات تنظيف السدود، يوضح الوشاح أنها تتم بثلاث طرق: إما بواسطة الآليات التقليدية، أو الحصر الهيدروليكي، أو التنظيف بالوقاية من خلال عمل مصائد للترسبات. موضحا أن "العملية الهيدروليكية، التي تتم من خلال مراوح تبعثر وتخلط الماء مع الطمي ليتم ضخه عبر أنابيب واستخراجه من السد ونقله إلى مكان آخر، لم تجرب من قبل في الأردن".

ويقول: "صحيح أن هذه العملية قد تكون مكلفة، لكن يجب تطبيقها ولو على مستوى ضيق".

المادة (3) من قانون تطوير وادي الأردن لسنة 1988

يعهد إلى السلطة (سلطة وادي الأردن) إجراء الدراسات اللازمة لتقييم مصادر المياه، بما في ذلك الدراسات الهيدرولوجية والهيدروجيولوجية والمسح الجيولوجي وحفر الآبار الاختيارية وإقامة محطات الرصد، ودراسة تصميم وتنفيذ وتشغيل وصيانة مشاريع الري والمنشآت والأعمال التابعة لھا على اختلاف أنواعها أو غاياتها، بما في ذلك السدود وتوابعها ومحطات القوى المائية وتوابعها والآبار ومحطات الضخ والخزانات وشبكات توريد وتوزيع المياه، وكذلك أعمال الصرف الجوفي والسطحي وأعمال الحماية من الفيضانات وطرق وأبنية التشغيل والصيانة.

تقول الأمين العام لسلطة وادي الأردن منار محاسنة إنه تم البدء بعلاج الطمي والرسوبيات في السدود على محورين: الأول وقائي للتخفيف من الطمي والرسوبيات من خلال التحريج ووضع سلاسل حجرية في منطقة جريان الأودية لعمل مصدات، وهو مشروع ممول من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي. والثاني عبر توقيع مذكرة مع سلاح الهندسة الملكي، تم بموجبها تنظيف 450 ألف متر مكعب من سد الموجب. كما سيتم العمل على سد وادي شعيب من خلال اتفاقية مع إحدى شركات القطاع الخاص لتنظيف 50 في المئة من الطمي فيه، في حين ستعمل آليات وكوادر سلطة وادي الأردن على تنظيف الباقي لأن كمية الطمي فيه عالية جدا.

لكن محاسنة تصف عملية التنظيف بأنها "ليست سهلة، ومكلفة وتستغرق وقتا كون كميات الطمي كبيرة".

وإلى حين الانتهاء من عمليات تنظيف السدود، وهي عملية لن تكون قريبة، سيبقى المزارعون في حالة من عدم اليقين بخصوص مواسمهم الزراعية المقبلة. هل يواصلون المشوار في موسم جديد يتكرر فيه شح المياه؟ أم يخرجوا نهائيا من دائرة الإنتاج؟ في الحالتين: الخسارة ستلحق بهم.


رنيم الصقر
صحفية مستقلة مهتمة بقضايا حقوق الانسان، وشغوفة في مجال الإعلام المرئي والمسموع