main cover

طريق الديسة: 40 كليومترا من الضيق والظلام في المثلث الذهبي

19 تموز 2022 , | مريم عمار*

رحلة محفوفة بالمخاطر والمعاناة تبدأ من نقطة مثلث رم ولغاية الديسة (جنوب المملكة)، على طول 41 كيلومترا من أكثر شوارع طريق الديسة حيوية، ضمن منطقة المثلث الذهبي (العقبة والبتراء ووادي رم).

مغامرة قيادة غير ممتعة وسط طريق معتم وضيق يكاد يخلو من الشواخص المرورية، بالرغم من أنه يربط قرى الديسة بالمخيمات السياحية التي تقل الزوار لمنطقة رم والديسة.

ومع أن الطريق الرئيسي في الديسة يعتبر شريان حياة 19 مخيما سياحيا بالمنطقة و198 مخيما سياحيا بوادي رم يضم 4200 خيمة تتسع 5 آلاف شخص، إضافة لـ 12 ألفا من السكان، جميعهم يسلكون طريق تقاطع رم/ الديسة، إلا أنه لا يتسع لمرور مركبتين في آن واحد.

سكان الديسة -الأكثر عرضة للضرر من الطريق-، يشتكون من أن مئات الحافلات السياحية، والمركبات الصغيرة، والشاحنات القادمة من الطريق البديل من المدورة تعبر الشارع يوميا. ويطالبون بتوسعته من نقطة مثلث رم والراشدية، وصولا إلى المناطق السياحية بالديسي، لتلافي حوادث السير أو تعطل المركبات جراء انحدارها لكتفي الشارع الترابي.

"إذا كانت مركبتك صغيرة وواجهتك حافلة سياحية أو شاحنة فإنك تضطر للنزول عن الشارع (بنكيت) لتلافي أي حادث"، يقول أبو ليث أحد السكان، ويضيف "الشارع مهمل جدا، خاصة بعد نقطة الشرطة باتجاه الديسة، بدأوا العمل به العام الماضي، وثم توقف العمل به، والطريق ليلا تشكل خطورة كبيرة، وإضاءة مركبات السكان هنا رديئة، والشارع غير مخطط".

ضيق الطريق وعدم اتساعها إلا لمركبة واحدة ليست المشكلة الوحيدة على طريق الديسة، فغياب الإنارة للشوارع في منطقة صحراوية تعتبر موئلا للإبل في صحراء الديسة ورم تعد مشكلة أخرى، باتت تتسبب بخطورة عالية لمرتادي الطريق الذين يسيرون ليلا في ظلام دامس، لا ترى فيه إلا أضواء السيارات العالية التي قد تتسبب بانعدام كلي لرؤية الطريق، ما قد يحدث اصطداما أثناء العبور ليلا.

"فقدنا أحد الشباب في حادث على الطريق ليلا"، تقول قطنة مزنة التي تسلك الطريق يوميا، فواقع الحال بالنسبة لها لا يختلف "بالنسبة لنا الطريق تشكل خطورة عالية خاصة أثناء الليل لأن أكثر الحوادث تقع بسبب عدم وجود إنارة، إذا واجهتنا بنفس الطريق مركبة كبيرة أو حافلة سياحية نضطر للنزول عن مستوى الشارع وفي بعض الأحيان نقع بحفرة، ولا توجد أي عاكسات ولوحات إرشادية، والمشكلة الأكبر أنه إذا تصادف مرور مركبتين إحداهما تستخدم الضوء العالي فإننا لا نتمكن من الرؤية، والطريق تسجل حوادث كبيرة خاصة بالليل".

طريق الديسة لا تخدم المركبات الصغيرة فقط، بل الحافلات السياحية الكبيرة، والشاحنات التي تستخدم الديسة بديلا عن طريق المدورة، كما يقول أحد سكان الديسة: "بالرغم من أن الطريق غير مخصصة للسيارات ذات الحمولات الثقيلة، إلا أن أصحاب الشاحنات يفضلون العبور من خلالها لأنها مختصرة، رغم وجود مخالفة صريحة بذلك، على اعتبار أن الطريق فرعي، والشاحنات الكبيرة التي تملأ حمولها من الشيدية تسلك الطريق، لاختصار المسافة عوضا عن الذهاب لطريق معان ورأس النقب رغم أن هذا ممنوع".

26 حادثا سجلتها مديرية سير العقبة منذ 2021 وحتى الخامس من حزيران/ يونيو 2022، أسفرت عن ثلاث وفيات ومثلها إصابات في المنطقة بين مثلث رم حتى داخل القرية.

book

في محاولة لإيجاد حلول للشارع الحيوي، يقول الرئيس السابق لمجلس محافظة العقبة محمد الزوايدة إن عطاء توسعة الطريق وإنارته بالطاقة الشمسية طرح العام الماضي، بعد رصد العديد من شكاوى المواطنين، ضمن موازنة المجلس للعام 2021. ورسى على مقاول محلي، وتم تخصيص 150 ألف دينار لمديرية اشغال العقبة لتنفيذ العطاء التوسعة والإنارة.

لكن عدم التنفيذ (حتى تاريخ نشر التقرير)، نتج بسبب تأخر فحوص التربة التي تحتاج وقتا، بتعبير عضو مجلس محافظة العقبة حسين الزوايدة، مضيفا "بعد مراجعة مديرية أشغال العقبة تبين أن إجراء الفحوص تتم عادة في مختبرين لضمان الحصول على نتيجة دقيقة".

بدوره، يقول مدير مديرية أشغال محافظة العقبة خالد العمرو، إنه تم رصد 600 ألف دينار من موازنة مجلس محافظة العقبة (اللامركزية) للعام الحالي 2022، للقيام بأعمال البنى التحتية، معتبرا أن "مبالغ كهذه لا تكفي لطرح العطاءات المركزية والتي تفوق قيمتها المليون دينار، ما ينقل مسؤولية تنسيقها ودراستها والإشراف عليها إلى وزارة الأشغال بالعاصمة".

واستغرب العمرو من عدم قيام وزارته بتنفيذ مخططات شاملة للمنطقة السياحية، وعدم وجود مسربين منفصلين بجزر وسطية وإنارة، لأن "هذا يتطلب مخصصات مالية من الوزارة ذاتها بسبب ارتفاع الكلف المالية اللازمة والتي تفوق مخصصات مديرية أشغال العقبة".

وفي الوقت نفسه، يقول العمرو إن مقاولا آخر سيباشر بصب قواعد للإنارة على مسافة ثلاثة كيلومترات من الديسة باتجاه نقطة الشرطة بعطاء ي"أعمال كهربائية"، وذلك بسبب تصنيف العطاءات حسب طبيعتها إلى مشاريع كهربائية وأخرى مدنية.

المقاول عند قيامه بأية أعمال إنشائية يجري فحص التربة في مختبر خاص، وبدورها تقوم مديرية الأشغال بعمل نفس الفحص في مختبرها التابع للوزارة للتأكد من نتيجة عينة المقاول، وعادة تحتاج العينة من 11 - 25 يوما، وفق العمرو.

وتوقع أن يكون الطريق جاهزا للعمل بالخلطة الأسفلتية على مسافة ثلاثة كيلومتر خلال شهر، من أصل أكثر من 25 كيلومترا تقريبا، ما يعني تغطية جزء ضئيل من الطريق.

واوضح العمرو أن المشكلة الأساسية في تأخر إنجاز عطاء توسعة طريق الديسة، و يبلغ عرضها حاليا 5 امتار ونصف المتر هي رسوب بعض فحوصات عينات الطبقات كما تقول أشغال العقبة، وأنه لا يمكن السماح بإكمال العمل باحدى طبقات الشارع ما لم تكن الطبقة التي اسفلها ناجحة، وهذا ما ساهم في تأخر إنجاز العطاء الذي بدأت أعماله في 31-10-2021 العام الماضي.

مراحل توسعة طريق الديسة تشمل ثلاث طبقات، ما يعني وجود ثلاثة فحوصات ناجحة لاستكمال أعمال الطريق، وفي حال رسوب فحص أي طبقة يعني إعادة العمل بشكل كامل إلى أن تنجح العينة، بحسب العمرو. وفي عطاء توسعة طريق الديسة نجحت عينة طبقة الأرض الطبيعية وطبقتين أخريين فوقها، إلا أن عينة الخلطة الأسفلتية لم تنجح، مشيرا إلى أن المقاول يتحمل تكلفة التأخير بواقع 100 دينار عن كل يوم، وفق قوله.

الطريق تتسبب في أعطال المركبات

خطورة الطريق وضيق عرض الشارع يمتد أيضا لإلحاق الضرر بمركبات المواطنين، فإن لم يحصل لك مكروه أثناء القيادة، قد تتعرض مركبتك للضرر. ارتفاع مستوى الخلطة الاسفلتية عن مستوى كتفي الشارع الذي لا يتسع مركبتين في آن واحد، يعني أن مركبتك ستتعرض لعطل حين تواجهك مركبة كبيرة تجبرك على النزول دون مستوى الشارع.

يقول عبدالله (ميكانيكي من سكان المنطقة) يقول إن "أكثر الحوادث المتكررة تقع حين يتفاجأ السائق الذي يقود بسرعة بحفرة أمامه، ما يعرض إطار المركبة لتمزق ينتج عنه تعطل المركبة في كثير من الأحيان".

شارع سياحي يؤدي إلى وجهة لكثير من الزوار لمنطقة تخصص لها سنويا مبالغ مالية لتسويقها، و يتغنى مسؤولوها بأعداد زوارها، دون النظر إلى صعوبة الرحلة وخطورة طريقها. ولا يبدو أن هناك أملا قريبا لتأهيله، فمن المسؤول عن بقاء طريق رم والديسة حبيس الظلام.


مريم عمار*
اسم مستعار