main cover

مناشير ومحاجر إربد.. أزمة مستعصية حلها 'مليار دينار'..

14 ديسمبر 2021 , | أحمد الملكاوي

تعود بداية وجود مقالع الحجر والمناشير في مدينة إربد إلى ثمانينات القرن الماضي، حينما خصصت البلدية الناحية الشمالية الغربية من المدينة منطقة حرفية لمعامل الحجر والرخام والبلاط وغيرها من الأنشطة الصناعية.

الّا أنّ الزحف السكاني صوب المنطقة الحرفية، بدأ مع مطلع الألفية الثالثة، لتحاط اليوم بالأبنية السكنية من كل النواحي. ورغم عدم مخالفة المعامل لشروط وجودها، فهي داخل حدود منطقة حرفية محددة من قبل البلدية، الّا أنّ شكاوى المواطنين ازدادت خلال السنوات الماضية، إذ تلقى مجلس محافظة إربد 150 شكوى منذ عام 2017، جلها تطالب بنقل المنطقة الحرفية.

آخر مذكرة احتجاجية رفعها أهالي المنطقة كانت في تموز/ يوليو الماضي. جاء فيها أن المنازل تتأثر بالغبار والأتربة الناتجة من المعامل ومناشير الحجر، ما ألحق أضرارا صحية لدى عدد من المواطنين، خاصة مع مجاورة نحو 250 معملاً ومنشار حجر، بحسب تقديرات بلدية إربد الكبرى.

نقل المنطقة الحرفية.. المهمة المستحيلة

أصحاب المنشآت لا يرون أنهم ارتكبوا أي خطأ، فهم في منطقة حرفية مرخصة من قبل البلدية، معارضين فكرة الانتقال بحكم أنهم بدأوا العمل قبل تواجد السكان والأبنية، الذين تركوا ازدحام المدينة إلى غبار المعامل.

أبو رامي الصروان صاحب منشار للحجر يقول إن نقل هذه المنشآت يكبدهم مبالغ طائلة، بين نفقات نقل وخسائر تصل مئات الآلاف للمنشار أو المعمل الواحد، فضلأً عن الخطورة التي قد تعرض بعض الآلات الخاصة بهم للأعطال جراء عملية النقل، علماً بأنّ تكلفة بعضها يصل إلى 200 ألف دينار.

وطالب الصروان السكان بتحمل ضريبة وجودهم بجانب منطقة حرفية أقيمت قبل سكنهم، متهما البلدية بالتنصل من مسؤولياتها والتصميم على ترخيص بناء المساكن بجوارهم.

رغم ذلك، لا يمانع الصروان فكرة الرحيل أو النقل إلى أماكن خالية في حال تحمل بلدية إربد الكبرى مسؤولية تكاليف النقل والأراضي الجديدة، الّا أنّه يرى صعوبة تطبيقها لأنّ مسألة الصرف الصحي والبنية التحتية للكهرباء والمياه ليست متواجدة في كل الأماكن، فضلاً عن معرفة الزبائن لهذه المنشآت ومكانها الحاليّ منذ نحو 30 عاماً، كما يقول.

بالقرب من معمل الصروان، يستذكر نصر عياش صاحب أحد معامل الرخام والحجر وعضو سابق في مجلس البلدية، كتاباً من وزارة البيئة وجهته إلى هذه المعامل عام 2010 يطالبهم بضرورة نقل منشآتهم، لأنها باتت بين الأحياء السكنية. كان رد المعامل حينها مطالبا بتوفير مليار دينار كميزانية لنقله وضمان مكان جديد مناسب لعملها بناءً على كتاب نقابة أصحاب المعامل ومناشير الحجر. استغرب كذلك مطالبات وزير البيئة ومجلس المحافظة بتنفيذ عملية النقل، رغم تواجد مزارع قربها من دون اتخاذ إجراءات واضحة ومناسبة للحد من ضررها.

يوضح العياش أنّ تكلفة عدادات الكهرباء وحدها لهذه المعامل تصل ملايين الدنانير، خاصة أنّ معظمها يعمل بالكهرباء والوقود، ما يعني أنّ تكلفة الطاقة ستكون كفيلة بخسارة هذه المنشآت.

أما طارق العبد الله صاحب معمل "بلوك"، فيعزو الزحف السكاني إلى جوار المنطقة الحرفية إلى انخفاض أسعارها مقارنة بأسعار الأراضي في باقي مناطق إربد.

بنظر العبد الله تبدو عملية النقل معقدة "يصعب نقل المعامل لصعوبة نقل الآلات وعدادات الكهرباء التي تعدت تكاليفها 65 ألف دينار، متسائلاً عن الجهة التي ستعوضه في حال نقل المنطقة الحرفية إلى مكان آخر.

صور من الناحية الشمالية الغربية من محافظة اربد

الحل يكلف مليار دينار!

على الصعيد الرسمي، قدّر رئيس بلدية إربد الكبرى في المجلس المنحل حسين بني هاني، تكلفة نقل هذه المعامل بمليار دينار. مبلغ يفوق قدرة البلدية، خاصة أنها "لا تستطيع نقل المعامل والمنطقة الحرفية بالإجبار، لعدم مخالفة المنشآت بإقامة مصانعهم في هذه الأراضي".

قبل حله، كان مجلس بلدية إربد الكبرى يستعد لإنهاء أعمال منطقة حرفية جديدة في لواء بني عبيد، لا علاقة لها بتلك التي في منطقة "البارحة"، كونها بعيدة وستزيد كلف النقل على الزبائن وأصحاب المعامل، مشيراً إلى إجراء دراسة بتقسيم نحو 300 دونم في المناطق الواسعة والخالية من الأحياء السكنية شرق مدينة إربد، وفتحها منطقة حرفية جديدة، دون إجبار هذه المعامل والمناشير على الخروج.

وفقاً لبني هاني، فإنّ المجلس البلدي -في آخر أيامه- كان بمقدوره، إجراء ترحيل بشكل قانوني لبعض المصانع والمعامل المقامة خارج المنطقة الحرفية، بعد انتهاء ترخيصها.

مكتب مساعد رئيس بلدية إربد الكبرى، أفاد أن آخر مذكرة خطية وصلت أدراج البلدية كانت في عام 2014، وما دون ذلك فهو حديث يتناقل بين السكان فقط.

ويؤكد المكتب أنّ وزارة البيئة تنفذ جولات دورية بالتعاون مع البلدية لضمان عدم مخالفة هذه المعامل شروط وجودها، حيث لا يمكن ترخيص معمل أو مصنع واحد من دون موافقة مديرية البيئة، بحسب المكتب.

لم تعطِ البلدية أي إحصائيات عن شكاوى أو مخالفات وجهت للمعامل، مكتفية بردها على تحويل المخالفين لمحكمة صلح إربد من ضمن منطقتي النصر والبارحة ذوات الاختصاص، وأشارت إلى انّ المنطقة مصنفة "حرفية" منذ نحو 50 عاماً.

من جهته، قال نائب رئيس مجلس محافظة إربد السابق خلدون بني هاني (ابن المنطقة)، أنّ نحو 220 معملاً بدأت عملها بعد تنظيم المنطقة كحرفية، ما يمنع توجيه مخالفات أو عقوبات لهذه المعامل كونها أقيمت وفقاً لأحكام القانون.

ووفق بني هاني، فإنّ المجلس بعد تلقيه 150 شكوى، أوصى بلدية إربد الكبرى بعدم ترخيص أي معمل قبل التأكد من استخدام المياه في قص الحجر، وزرع أشجار حرجية صديقة للبيئة في محيط المنطقة الحرفية.

وبحسبه فإنّ قانون الإدارة المحلية، الذي كان يدير عملهم قبل إلغائه، منع المجلس بأي كلف لتنظيم مشاريع من مسؤولية البلدية وينطبق ذلك على المعامل.
تقدم الأهالي طيلة مدة انعقاد مجلس المحافظة في أيلول/ سبتمبر 2017 نحو 150 شكوى لنقل المعامل، ما دعاه لمراسلة المحافظ ورئيس البلدية نحو 20 مرة.

أضرار صحية

يكشف طبيب الأمراض الصدرية والتنفسية محمد الطراونة، انّ التعرض على مدار السنوات للأتربة والأغبرة المتصاعدة من معامل الحجر والرخام والمناشير، يؤثر على الجهاز التنفسي والرئتين، ويسبب الربو وصعوبة التنفس. وحذر من أن تراكم مادة "السيلكا" على الرئة يزيد من احتمالية حدوث سرطان الرئة لدى استنشاق الغبار لعشرات السنين.

ويطالب الطراونة بسن قانون لضبط ملوثات الهواء، بسبب ما تلحقه من مشاكل في الأجهزة التنفسية للأشخاص في محيطها، ما يرتب تكاليف علاجية كبيرة للمصابين في السنوات المقبلة.

لا يبدو في المنظور القريب ولادة حل لأزمة منشآت الحجر في إربد. في حين لا يجد السكان الذين تنقصهم الحيلة والوسيلة، سوى التذمر والتقدم بشكاوى لإيجاد حلول لمشكلة يؤكد خبراء الصحة أنها تنهك أجهزتهم التنفسية عبر السنوات.


أحمد الملكاوي
صحفي أردني مهتم في قطاع العمل والتعليم، حصد عدة جوائز صحفية عن تقارير معمقة.