main cover

غياب خبراء البيئة في المحاكم يهدد الغطاء الأخضر بالزوال

19 نوفمبر 2021 , | تالا أيوب

يشهد الغطاء النباتي في الأردن اعتداءات مستمرة تهدّد التنوع الحيوي فيها، دفعت خبراء ومختصين للمطالبة بضرورة تعديل التشريعات ذات العلاقة، وإيقاع أقصى العقوبات على المعتدين وبما يوازي الانتهاكات المرتكبة، وتفعيل نظام "الغرف القضائية" حيث يتم تعيين قاضٍ مختصٍ بالبيئة في كل محكمة.

محاكم من دون خبراء بيئيين

الخبير البيئي في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة المهندس أنس الصباريني يرى أن هناك عدم إلمام او تخصص قضائي في المحاكم بالقضايا البيئية المختلفة. ويلفت، على سبيل المثال، إلى أن المعتدين "يتعمدون افتعال الحرائق في الغابات، إذ يسمح القانون بقطع الأشجار المحترقة للتحطيب فقط ويمنع القطع في غير ذلك"، مشيراً في هذا الصدد إلى "ضعف التنسيق بين الجهات ذات العلاقة (الإدارة الملكية لحماية البيئة والسياحة، وزارة البيئة، وزارة الزراعة، والجمعية الملكية لحماية الطبيعة) عندما يتم الكشف عن مشكلات أو أخطاء في معالجة القضايا البيئية".

ويضيف الصباريني إلى ذلك أن هنالك مشكلة في تقدير بعض المحاكم غير المتخصصة بقضايا البيئة لأهمية التنوع الحيوي والأنواع الحيوانية والنباتية الموجودة، ما ينعكس على طبيعة القرارات والأحكام التي يتم اتخاذها". لذلك عقدت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة " مجموعة من الورش المتخصصة للقضاة ليتعرفوا على أهمية التنوع الحيوي".

مصدر قضائي* أكد لنا وجود قضاة متخصصين خضعوا لورش عمل حول القضايا البيئية، فضلا عن توفر غرف قضائية تعنى بالبيئة والزراعة، لكنه أشار إلى أن المحاكم تفتقر لوجود خبراء بيئيين، بخلاف ما هو متعارف عليه في قضايا أخرى مثل قضايا الأراضي والعقارات أو قضايا المطبوعات والنشر..إلخ، رغم إرسالها عدد من الطلبات بهذا الخصوص إلى وزارة العدل.

وأكد المصدر ذاته أن القاضي، بطبيعة الحال، يطبق القانون فإذا لم يكن هناك تعريف واضح في القانون لبعض المفاهيم البيئية الخاصة، يطلب القاضي الاستعانة بـ"خبير".

دراسات دون المستوى

من جهة أخرى يذكّر الصباريني بأن الأردن من أوائل الدول العربية التي اهتمت بالتنوع الحيوي لكن، بحسب ما يقول، فإن"تغيير الإدارات المستمر في الأجهزة المختصة( ويقصد وزارتي السياحة والزراعة، والإدارة الملكية لحماية البيئة والسياحة)، التي تقوم بتنفيذ القوانين، انعكس سلبا على القضايا البيئية".

ويشير أيضا إلى أن الأردن ملزم بالمعاهدات الدولية التي وقع عليها كـ"اتفاقية التنوع الحيوي (CBD)، واتفاقية تنظيم الإتجار بالأنواع البرية النباتية والحيوانية (CITES)، واتفاقية إدارة المناطق الرطبة (RAMSAR).

agreement icon الاتفاقيات التي وقع عليها الأردن

  • CITES الاتفاقية الدولية لتجارة الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض - الأردن انضمت للاتفاقية عام 1978 ، والتي جرى العمل بها في 1979 .
  • RAMSAR اتفاقية رامسار وقعت الأردن عليها في 2 فبراير 1971

وبحسب ما يقول فإن من شروط هذه الاتفاقيات" القيام بدراسات تقييم الوضع البيئي الحالي، وتضع برامج مراقبة طويلة الأمد، لضمان استدامة الأنواع النباتية والحيوانية الموجودة، حيث فوضت وزارة البيئة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بهذه المهمة، لكن محدودية الميزانية المخصصة للأبحاث والدراسات في الجمعية، وقلة عدد الموظفين، يحول دون إجراء هذه الدراسات بشكل دوري ومستمر"، مضيفا أن "المخصصات المالية للبحث العلمي المتعلق بالتنوع الحيوي أو البيئة على المستوى الأكاديمي محدودة جدا، والأمر ذاته ينطبق على الوزارات التي تكاد تخلو ميزانياتها من مخصصات الدراسات. ومع أن بعض مؤسسات المجتمع المحلي غير الحكومية، كالحديقة الملكية النباتية، والصندوق الهاشمي لتنمية البادية، تقوم بإجراء دراسات متخصصة إلا أنها لم ترتقِ إلى المستوى المأمول".

بينت نتائج دراسة أجرتها الباحثتان كفاح حراحشة والدكتورة رنا الجوارنه - باستخدام المرئيات الفضائية-، تراجع الغطاء الغابي في محافظتي عجلون وجرش بنسبة 15% خلال العقدين الماضيين؛ لأعمال افتعال الحرائق، وتحويل الملكيات الخاصة من الأراضي الحرجية إلى أرض زراعية.

وأكدت الدكتورة رنا الجوارنه أن عمليات شق الطرق ضمن المساحات الغابية عزز من تدهورها وتسهيل وصول العابثين إليها بآليات ومعدات قطع حديثة تسهل عملية قطع كميات من الأشجار ونقلها بسرعة. وعلى الرغم من تغليظ العقوبات على المخالفين إلا أن عمليات القطع غير القانونية في هذه الغابات مستمرة.

ومن خلال عملية التحقق الميداني رصدت كفاح حراحشة العديد من المخالفات وصور لقطع الأشجار وبعض الأشخاص الذين يقطعونها في وضح النهار. كما التقطت عدستها في أحد مواقع حريق الغابات في الصفصافة بقايا إطار سيارات وهو ما يتم بالعادة استخدامه لافتعال الحريق وذلك بإشعال النيران به و دحرجته من أعلى المنطقة الجبلية خلال المساحة الغابية.

د. رنا الجوارنة، وكفاح الحراحشة توثقان الانتهاكات بحق الغابات في جرش وعجلون

مشكلة التحطيب يمكن حلها

في المقابل يقول مدير مديرية الحراج في وزارة الزراعة المهندس خالد القضاه :"لا توجد دراسة دقيقة تدل على تراجع مساحة الرقعة الخضراء في المملكة وخاصة مساحة الغابات".

ويشير إلى أن "وزارة الزراعة تقوم سنويا بزراعة وتحريج مساحات جيدة، وتوزع ملايين الأشتال الحرجية مجانا على مختلف الجهات الحكومية والعسكرية ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين، بهدف زيادة هذه المساحات"، مبيناً أن "هذه المساحات غير محسوبة ضمن مساحة الغابات".

و بخصوص الاعتداءات على الغابات واشتعال الحرائق فيها، يقول: "إن أي عملية اعتداء تُكتشف يتم تحرير ضبط حرجي بها، ويتم تحويلها إلى المحاكم المختصة، وفي هذا المجال فإن قانون الزراعة المعمول به يتضمن عقوبات رادعة ومغلظة من شأنها تخفيف هذه الاعتداءات".

وتنص المادة رقم 369 من قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 (المعدل في 2017) على أنه:
يعاقب بالاشغال المؤقتة كل من أضرم النار قصدا :
1. فيما لغيره من حراج او غابات للاحتطاب ، أو في بساتين أو مزروعات قبل حصادها.
2. في حراج او غابات للاحتطاب أو في بساتين او مزروعات قبل حصادها اذا كانت ملكا له وسرى الحريق إلى ملك غيره فأضر به.

كما تنص المادة رقم 32 / ب من قانون الزراعة رقم 13 لسنة 2015 وتعديلاته على معاقبة كل من يتسبب في إشعال النار في الحراج الحكومي أو الخاص "بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبغرامة مقدارها ثلاثة أضعاف القيمة المادية عن كل شجرة أو شجيرة حرجية أتلفها الحريق ويلزم بدفع تكاليف إطفاء الحريق".

وبحسب القضاة فإن "أغلب الحرائق تنشأ في أراضٍ مملوكة لمواطنين، وتنتشر بفعل الرياح ودرجات الحرارة، فتمتد إلى أراضي الحراج". لكنه أشار إلى أن انخفاض عدد الحرائق هذا العام 2021 مقارنة بالعام السابق 2020، إذ وصل عددها حتى نهاية شهر يوليو/ تموز نحو٣٢ حريقا على مساحة تقديرية بلغت١٤٥٠ دونم، في حين وصل عددها في الفترة نفسها من العام السابق إلى ١٧ حريق على مساحة ٩٠٠ دونم تقريبا.

ويشير إلى أن مشكلة التحطيب يمكن حلها "بتشجيع استيراد الحطب من الخارج لتكون متاحة للجميع بأسعار مناسبة. كما أن تخفيض أسعار المحروقات خاصة في موسم الشتاء سيخفف كثيراً من الاعتداءات على الغابات في المناطق ذات البرودة العالية" لافتا الى أهمية "خلق حالة من الود والألفة ما بين الغابات والمجاورين لها". لذلك "يجري حاليا العمل على توزيع حوالي ٣٧٠ طن حطب مجانا على الأسر العفيفة في محافظتي جرش وعجلون، بهدف إشعار المواطنين هناك أن الغابة لهم ومنتجاتها تعود عليهم بالفائدة، ما يدفعهم للمحافظة عليها بشكل أكبر" بحسب ما يقول القضاة.

في السياق ذاته أكد القضاة انخفاض عدد المضبوطات الحرجية التي تم تحويلها إلى المحاكم المختصة هذا العام إذ بلغ عددها حتى نهاية شهر يوليو/تموز٢٠٢١ (٢٨٥ ) ضبطا حرجيا، في حين كانت في العام ٢٠٢٠ في الفترة نفسها حوالي ٥٢٠ ضبطا. ويعزي القضاة هذا الانخفاض إلى "العقوبات المغلظة المعمول بها في قانون الزراعة رقم ١٣ لسنة ٢٠١٥، وتشديد الرقابة على مناطق الغابات، وعدم التهاون بكتابة الضبوطات الحرجية الرادعة، فضلا عن وعي المواطنين بأهمية الغابات، وقيامهم بالتبليغ عن أي انتهاك يشاهدونه".

القضاة طالب بتعزيز أعداد الطوافين، خاصة في بعض المناطق ذات الكثافة الحرجية العالية مثل عجلون وجرش واربد، حيث يصل إجمالي عددهم في جميع مناطق المملكة إلى نحو ٧٠٠طواف. كما شدد على أهمية أن يكون لدى القضاة إلمام كاف بخطورة التعدي على البيئة وضرورة أن يحكموا على مرتكبي هذه التعديات بالحد الأعلى للعقوبة المنصوص عليها بالقانون، وعدم الأخذ بالأسباب المخففة.


تالا أيوب
صحفية أردنية تعمل في جريدة الرأي اليومية الأردني، متخصصة في القضايا الاجتماعية والإنسانية، وشؤون الطفل.