main cover

تشريعات تقليدية تعيق استخدام التكنولوجيا الحديثة

لماذا لا تتوسع الزراعة الذكية في الأردن؟

14 سبتمبر 2021 , | تالا أيوب

يشجّع خبراء ومختصون الإقبال على "الزراعة الذكية" لإسهامها في تقليل استهلاك المياه، سيما في ظل الحال الحرجة للواقع المائي في الأردن، حيث يستخدم القطاع الزراعي في المملكة ما نسبته 55% من المياه بحسب وزارة المياه والري.

وإيمانا بمساهمة هذا النوع من الزراعة في توفير الموارد وتحسين شروط الإنتاج، حاول بعض المستثمرين تبنيها، لكنهم اصطدموا بمجموعة من التحديات على أرض الواقع أعاقت تطبيقها بشكل كامل والتوسع فيها.

وفق تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو)، فالزراعة الذكية مناخيا هي: "النهج الذي يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير".

مشروع "الماسية للزراعة الذكية"، في لواء الجيزة جنوب العاصمة عمّان، هو أحد المشروعات الزراعية الطموحة التي تعتمد نظام الزراعة الأحيومائية. يقول المهندس سعد ضراغمة، من إدارة المشروع، إن "هذا النوع من الزراعة يوفر 80% من المياه التي تستخدم في الزراعة التقليدية ويحدّ من استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية، ويعطي 8 أضعاف المحصول".

يعرّف ضراغمة الزراعة الأحيومائية بأنها: "تكامل ما بين نظامين زراعيين، الاستزراع السمكي والزراعة المائية، اذ ينتج هذا النوع من الزراعة عند دمج هذين النظامين معا، ووضعه في بيئات أو في ظروف يمكن التحكم بها، باستخدام آلات ومضخات تحدد نسب الاحتياجات المطلوبة من الأوكسجين والرطوبة، ودرجة الحرارة وغير ذلك.."

كل هذه المعطيات يمكن إدارتها من خلال الذكاء الاصطناعي، واستخدام "إنترنت الأشياء"، الذي سيفيد المزارعين عندما يكونوا بعيدين عن مزارعهم، وبالتالي ينفذون الأمور المطلوبة عن بُعد، وبالتالي سيوفرون الكثير من الوقت والجهد والنقود، بحسب ضراغمة. لكن حتى الآن لم يطبق هذا النظام الذكي في الأردن.

إنترنت الأشياء

هو قدرة الأجهزة على التنسيق فيما بينها من خلال الانترنت بدون تدخل بشري معتمدة على البيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي.
مثل تتبع انظمة الري لوحدها و مواعيد الاسمدة، مراقبة الأحوال الجوية، مراقبة المحاصيل من الآفات ، رصد نسب الأملاح والمبيدات الحشرية.

تحديات تشريعية

يشكو ضراغمة من أن التعليمات الموجودة حاليا لترخيص الأنظمة التكنولوجية "لا تتوافق مع التقنيات والأنظمة الحديثة". ويقول:"إذا أردنا مثلا تطبيق نظام تربية الأسماك، الذي نتبعه حاليا في مشروع الماسية، في منطقة سكنية يستحيل ترخيصه. لأن الأنظمة الحالية موضوعة على أسس لا تأخذ في الاعتبار الطرق الحديثة التي نتبعها. فالتعليمات تنص على أن تكون مزرعة الأسماك بعيدة عن أي تجمع بشري تجنبا لانبعاث أية روائح كريهة منها ، وألا يتم فيها استهلاك مياه الشرب، بينما النظام الذي نعمل به حاليا لا يسمح بخروج روائح كريهة، والتلوث المفترض كله مضبوط لأن المزرعة تعمل وفق "نظام الدورة المغلقة"، وهو نظام آمن وسليم".

يؤيد خبير التكنولوجيا الزراعية الحديثة، ومؤسس شركة "سمارت جرين لحلول التكنولوجيا الزراعية" المهندس محمد زيناتي، ما قاله ضراغمة، ويضيف:"لا توجد تشريعات واضحة وصريحة تدعم التكنولوجيا الحديثة. فمثلاً تسجيل الشركات التكنولوجية يستغرق وقتا طويلا جدا بسبب غياب التعليمات المتعلقة بأنظمة التكنولوجيا الحديثة مقارنة بالأنظمة التقليدية، وهو ما يؤخر سير المشاريع تحت مظلة الحماية القانونية".

وينبه زيناتي إلى غياب تسهيلات ربط نظام الزراعة الذكية بالإنترنت من خلال "إنترنت الأشياء"، وهي عملية "تحتاج موافقات وبنية تحتية أكبر من الموجودة حالياً. بالإضافة إلى سلسلة الإجراءات الطويلة فيما يخص الموافقة على استخدام الطائرة المسيّرة (بدون طيار) التي تعتبر جزءاً أساسياً في نظام الزراعة الذكية وتسهم بشكل كبير في توفير استهلاك المياه".

هذا فضلا عن "تغير القوانين المستمر وتشددها في ما يخص عمليات الاستيراد والتصدير، الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير الخطط وتكبد الخسائر الكبيرة".

ويلفت زيناتي إلى عدم توفر دعم رسمي للقطاع الزراعي الذي يريد استخدام هذه التقنيات، من خلال المنح، داعيا إلى ضرورة تشجيع المزارعين التقليديين على استخدام التكنولوجيا الحديثة، نظرا لدورها الكبير في تحسين إدارة المياه وتعزيز المحاصيل الزراعية .

توطين التكنولوجيا

يأمل رضا الخوالدة، عميد كلية التكنولوجيا الزراعية بجامعة عمان الأهلية ، أن يتوسع الاهتمام بالتكنولوجيا الذكية في القطاعات الحكومية والخاصة، لأنها "هي المستقبل، وهي القادرة على إحداث نقلة نوعية في القطاع الزراعي من خلال تقليل الفاقد من المحاصيل الزراعية، ورفع مستوى المنتج، بما يسمح له بالمنافسة عالميا" .

ويؤكد أن التكنولوجيا الذكية بما في ذلك استخدام "إنترنت الأشياء"سيسهم في توفير كميات المياه المستخدمة، ويسمح بمراقبة الأمراض والآفات والتقليل من استخدام المبيدات، ومتابعة الوضع الزراعي بشكل شامل يسهل التواصل واتخاذ القرارات بسرعة.

أما نزار حداد، مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعية، فيقول أن تكنولوجيا "إنترنت الأشياء" باتت من أهم التقنيات المستخدمة في الزراعة الذكيّة، إذ يتم "ربط مختلف الأجهزة الذكية من الهواتف المحمولة، والأجهزة المنزلية، بالإضافة للآلات المستخدمة في الحقول الزراعيّة، بحيث يمكن تشغيلها والتحكم بها وإرسال واستقبال البيانات منها عن طريق الإنترنت".

ويرى حداد بأن المشاريع الرقمية يمكن أن تشكّل "ثورة في كيفية تأمين المجتمعات لسبل عيشها وتحسينها"، فهي تسهل للمزارعين الوصول، عن بُعد، "للمشورة والمدخلات والأسواق، والتسريع في تبني استراتيجية مجرّبة وفعّالة، من حيث التكلفة، وقابلة للتوسُّع لزيادة الإنتاج الزراعي طويل الأجل".

وينبّه إلى أنَّ صغار المزارعين يحتاجون معلومات دقيقة وبسرعة، وامتلاكهم هواتف محمولة، يسهّل تلقي المشورة الزراعية الموجَّهة، التي تقدم على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة، ويمكن أن تغيِّر ممارساتهم نحو الأفضل.

وبتقديره، فإن أبرز التحديات تكمن في "ضعف البنى التحتية للاتصالات والإنترنت، وحاجة هذه التقنيات إلى مهارات لا يمتلكها الكثير من المزارعين، بالإضافة إلى التكلفة المادية المرتفعة نسبيا".

من جهته يرى هاني البطش، المهندس و الاستشاري المتخصص في الذكاء الاصطناعي واستشراف المستقبل، ضرورة تغيير المناهج الدراسية والجامعية لتتناسب مع العصر الحالي والمستقبل.

ويقول أنه خاطب وزارة التربية والتعليم عام 2014، بخصوص تطوير المناهج وإدخال مقرر الذكاء الاصطناعي، لأن الطلاب سيحتاجونه بغض النظر عن مهنهم المستقبلية. ولكن الوزارة اعتذرت بحجة عدم وجود مخصصات لبناء بنية تحتية تناسب هذا الموضوع، وبأن البرنامج الدراسي مزدحم".

ويشير البطش إلى أن لقاء جمعه ومجموعة من خبراء التقنية مع وزير الريادة وهيئة تنظيم الاتصالات في العام 2019 لبحث معوقات التكنولوجيا، تم فيه طرح التساؤل حول عدم التصريح باستيراد أجهزة التكنولوجيا الحديثة، مثل الطائرات المسيّرة والطابعات ثلاثية الأبعاد، وغيرها، وكان الرد بأن الأردن "وضعه حساس" وأنه يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في أغراض غير مناسبة. يقول :" اقترحت وضع سياسات وقوانين للذكاء الاصطناعي والروبوتات، وكان الرد بأنه لا توجد دولة في العالم وضعت تلك النوعية من القوانين، وكأنه علينا أن ننتظر الآخرين ليضعوا لنا القوانين!".


تالا أيوب
صحفية في جريدة الرأي اليومية الأردنية، متخصصة في القضايا الاجتماعية والإنسانية، وشؤون الطفل