محمد حميد

في شتاء 2020، بدأت شركة إعمار الإماراتية بناء ميناء دولي لليخوت، يسمى “مراسي مارينا ونادي اليخوت”، بمنطقة الساحل الشمالي الجنوبي للبحر المتوسط في مصر.

وبلغت تكلفة الميناء -ومساحته أكثر من 1.16 مليون متر مربع- إضافة للمنتجع، نحو 24.2 مليار جنيه (783.2 مليون دولار)، وفق الموقع الإلكتروني لشركة إعمار.

وتُظهر خرائط غوغل إيرث، أن الشركة بدأت بإنشاء ميناء مراسي عبر إضافة رصيف بارز داخل البحر المتوسط، بالمخالفة للمادة 91 من قانون وزارة الموارد المائية والري رقم 147، الذي يُلزم الشركة بعدم تعديل مسار الشاطئ الطبيعي؛ سواء كان خروجاً في اتجاه البحر أو انحساراً عنه.

وتضمّن التخطيط إنشاء منتجع مراسي -وهو واحد من أكبر مراسي اليخوت في البحر المتوسط ويستوعب 267 يختاً- كونه جزءاً من تنشيط واستغلال سياحة اليخوت التي بدأت بالازدهار.

شركة إعمار الإماراتية

أُسست شركة إعمار العقارية عام 1997، ثم انضمت لسوق دبي المالي عام 2000، وتتوزع ملكيتها بين مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية بنسبة 22.27 في المئة، وشركة دي إتش 7 بنسبة 7.45 في المئة، ومحمد راشد العبار بنسبة 0.033 في المئة، وجمال خلفان بن ثنية بنسبة 0.0005 في المئة، وباقي الأسهم حرة التداول في البورصة.

وبلغ رأسمال الشركة المدفوع نحو 8.1 مليار درهم إماراتي (2.2 مليار دولار أميركي)، وحققت الشركة صافي أرباح بلغ 5.7 مليار درهم إماراتي (1.56 مليار دولار أميركي) في نهاية حزيران/يونيو 2023.

وبحسب محمد العبار، مؤسس شركة إعمار العقارية، سيصل إجمالي استثمارات شركة إعمار في مصر إلى نحو 10 مليارات دولار خلال عام 2024.

وما إن بدأت الشركة الإماراتية عمليات التشغيل للميناء؛ حتى توافدت شكاوى جماعية من سكان قرى الساحل الشمالى بحدوث تآكل للشواطئ، وظهور طبقة صخرية في بعض القرى السياحية، التي تقع إلى الشرق من ميناء مراسي الجديدة.

فقد قال سكان قرية الدبلوماسيين -التي تقع إلى الشرق من ميناء مراسي لليخوت في استغاثة مقدّمة إلى رئيس مجلس الوزراء- إنهم طالبوا مراراً وتكراراً بضرورة وقف الاعتداء على شاطئ المتوسط؛ بسبب الأعمال الإنشائية لمارينا البحرية بقرية مراسي.

فالشركة الإماراتية لم تلتزم بالإجراءات المنصوص عليها في “المادة 91 من قانون الموارد المائية والري رقم 147؛ إذ أثبتت القياسات الجغرافية التي أجراها معدّ التقرير، حدوث تآكل في الشواطئ في المنطقة الواقعة إلى الشرق من ميناء مراسي اليخوت، بمسافات تقريبية تتراوح بين 8 و9 أمتار، وصولاً إلى 11 متراً، بحسب خرائط غوغل إيرث.

لم تُحرك كل هذه الشكاوى وزارة البيئة إلا بعد عام، حين ظهرت الأزمة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي تموز/يوليو 2022، أعلنت وزارة البيئة في بيان عن إيقاف أعمال التكريك بميناء مراسي، وتشكيل لجنة لبحث الآثار السلبية للمشروع.

ونقلاً عن وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد، فإن المستثمر أجرى دراسة أثر بيئي لمشروع مراسي الساحل الشمالي، ودراسة خاصة بالالتزام بخط الشاطئ، وأخرى عن حماية الشواطئ.

ويشترط قانون الموارد المائية رقم 147، الصادر في 2021 في المادة رقم 87، موافقة وزارة الري والموارد المائية، بالتنسيق مع جهاز شؤون البيئة، لمنح التراخيص لإقامة أي منشآت على الشواطئ البحرية، لمسافة 200 متر إلى الداخل من خط الشاطئ.

وتُتابع فؤاد، أن دراسة الأثر البيئي تتضمن إجراءات تخفيف الآثار البيئية، التي قد تنتج عن المشروع، موضحة: “لدينا افتراض أن الصخور التي ظهرت على الشواطئ، إلى الشرق من ميناء مراسي، ظهرت نتيجة تغذية الشواطئ برمال تحتوي على نسبة جير معينة”.

كما حظرت المادة رقم (91) من القانون نفسه القيام بأي عمل من شأنه المساس بخط المسار الطبيعي للشاطئ، أو تعديله دخولاً في مياه البحر، أو انحساراً عنه؛ إلا بعد موافقة الوزارة وجهاز شئون البيئة.

ونصت المادة (89) من قانون الموارد المائية رقم (147) لسنة 2021، على أنه في حال وجود أعمال مخالفة بالشواطئ البحرية للدولة؛ يجب وقف العمل وإزالة التعديات، وإعادة الشاطئ إلى أصله على نفقة المُخالف، وتحصيل قيمة تكاليف الإزالة الفورية بالطرق الإدارية.

إلا أن أياً من هذا لم يحدث؛ فقد استمرت شركة إعمار في إنشاء مارينا اليخوت. وأظهرت قياسات غوغل إيرث انحساراً وتآكلاً في الشاطئ، الواقع إلى الشرق من ميناء مراسي اليخوت، خاصة بعدما اكتمال وافتتاح المشروع، نهاية عام 2021.

وهو الأمر الذي اضطر سكان القرى السياحية إلى وضع أجولة من الرمال على الشواطئ؛ لتعمل كمصدات للأمواج التي قلّصت حجم شاطئهم. وتكشف صور -حصلنا عليها- ظهور طبقات صخرية على بعض الشواطئ، الواقعة إلى الشرق من ميناء مراسي أيضاً.

من جهته، يفسر رئيس جهاز شؤون البيئة الأسبق، الدكتور صلاح حافظ، أسباب حدوث تآكل الشواطئ بقوله: “أي إنشاءات داخل البحر تتسبب في تغيير التيارات البحرية بالمنطقة؛ ما يهدد النظام البحري فيها، ويؤدي إلى تآكل الشاطئ في منطقة، وترسيب الرمال في منطقة أخرى”.

وهو ما أحدثه ميناء مراسي داخل خليج سيدي عبد الرحمن، بمحافظة مرسى مطروح.

ويقول الدكتور صلاح حافظ إن التيارات البحرية تكون محملة بالرمال، ومن خلالها تساعد الشواطئ على استعادة توازنها البيئي في حال النحر؛ لكن في حال وضع جسم عائق، فإنها تمنع هذه التيارات من اتجاهها المعتاد، وتوجهها لأماكن أخرى من الشاطئ.

ويُضيف حافظ، أن وجود أي منشآت داخل البحر وما تسببه من عكارة للشاطئ؛ يدفع الأسماك للانتقال إلى أماكن أخرى؛ ما يعني انخفاض وجود الأسماك بمنطقة المارينا والمرسى.

ويُكلف التلوث البيئي وتدهور البيئة البحرية، مصر سنوياً نحو 3 في المئة من ناتجها المحلي، بحسب تقرير البنك الدولي الصادر عام 2022. وبحسب تقرير نشرته “نشرة إنتربرايز”، خسرت الشواطئ المصرية نحو 0.1 متر سنوياً، خلال الفترة بين 1984 إلى 2014.

ويُوضح التقرير أن تآكل السواحل يُدمّر قطاعات مثل السياحة، وصيد الأسماك، اللذين يعتمدان على الشواطئ السليمة، والبحار النظيفة؛ وبالتالي فهذا معناه فقدان جزء من الناتج المحلي.

وأظهرت دراسة صادرة منشورة بمجلة نيتشر عام 2021، أن نحو 72 في المئة من الساحل الشمالي لمصر، مُهدّد بالتآكل. كما وجدت دراسة أخرى -منشورة في مجلة العلوم عام 2016، تبحث في تغيرات الخط الساحلي على طول دلتا النيل- أنه بين عامي 1990 و2014، تآكلت بعض أجزاء الخط الساحلي بمتوسط 10 إلى 21 متراً سنوياً.

يقول أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس، الدكتور عبد المسيح سمعان، إن إقامة إنشاءات داخل البحر، تُعيق كمية ضوء الشمس الساقطة على مياهه؛ ما يُهدد قدرة الكائنات البحرية التي تحتاج إلى الضوء.

ويُضيف سمعان في اتصال هاتفي، أن الإنشاءات داخل البحر تُقلل من نمو الطحالب البحرية، التي تعدّ الطعام الأساسي للأسماك؛ الأمر الذي قد ينتج عنه انخفاض في حجم الأسماك البحرية في مصر.

ويُشدد سمعان، على ضرورة تنفيذ دراسة لتقييم الأثر البيئي للمشروع، تتضمن معلومات كاملة عن منطقة تنفيذ المشروع، وطرق معالجة الأضرار التي قد تنتج عنه، فضلاً عن ضرورة الحفاظ على التنوع البيولوجي الموجود بالمنطقة، المقام فيها المشروع، في حال كانت ضعيفة، أو ذات تنوع بيولوجي نادر.

وتُوضح وزارة البيئة -في تقريرها السنوي للعام 2020 عن حالة البيئة المصرية- أن السواحل الشمالية تتعرض للكثير من المشكلات، أبرزها: تآكل الشواطئ، وتدهور المنخفضات الساحلية، والاستخدام المكثف، وارتفاع منسوب سطح البحر نتيجة التغير المناخي.

وتُضيف الوزارة أن الساحل الشمالي للبحر المتوسط، يمتد لأكثر من ألف كيلومتر، ويضم أربعة قطاعات: شواطئ غير معرضة لمخاطر التآكل، تمتد من السلوم حتى الإسكندرية ومن العريش حتى رفح، وشواطئ محدودة التعرض لمخاطر التآكل، وتمتد من غرب العريش حتى البردويل، بالإضافة إلى قطاع آخر في شرق الإسكندرية.

وشواطئ متوسطة التعرض للتآكل، تمتد بين الدلتا وشرق وغرب قناة السويس، وشواطئ شديدة التعرض للتآكل؛ وهي الموجودة عند مخرجي فرعي رشيد ودمياط، وشرق مخرج قناة السويس، وشواطئ وسط الدلتا، وشواطئ عند مخرج وادي العريش.

إلى ذلك، اكتفت شركة إعمار الإماراتية بالقول إنها نفذت مشروعاً لمعالجة نحر الشواطئ، بتكلفة 70 مليون جنيه (2.2 مليون دولار)، وفقاً لبيان نشرته الصحف، من دون أن تلتزم بقانون الموارد المائية رقم (147)، الذي نص على “إعادة الشئ إلى أصله” في حال وجود مخالفات.

وفي نهاية 2022، كانت الشركة قد تبرعت لصندوق “تحيا مصر” بمبلغ 206 ملايين جنيه مصري (6.6 مليون دولار)، وذلك عقب أزمة نحر الشواطئ في خليج سيدي عبد الرحمن في العام نفسه.

بعد هذا التبرع، انتهى الحديث عن النحر بشاطئ سيدي عبد الرحمن، فيما أعلنت شركة إعمار عن تطلعاتها لزيادة حجم استثماراتها في مصر، لنحو 10 مليارات دولار خلال عام 2024، إضافة إلى خطط أخرى لشراء أبراج في مدينة العلمين الجديدة “جوهرة الحكومة المصرية على شاطئ المتوسط”.