شركات توريد العمالة "غير القانونية" في مصر تعود إلى الواجهة من جديد وهذه المرة من بوابة الحكومة. شركات مملوكة كليا أو جزئيا للحكومة، على غرار شركات خاصة تعاقدت مع مقاولي توريد العمال بموجب عقود إذعان (1) هضمت بموجبها حقوق الآلاف. ويوثق هذا التحقيق قيام شركات وبنوك حكومية بتشغيل آلاف العمال من خلال شركات توريد العمالة، بالمخالفة لقانون العمل ما تسبب في إهدار حقوقهم. من هذه الجهات، البنك الأهلي المصري (أكبر وأول بنك في مصر)، وشركة بتروجيت (كبرى شركات المقاولات في قطاع البترول)، و21 شركة أخرى مملوكة كليا أو جزئيا للحكومة. ليس هذا فحسب، بل إن جهات حكومية نفسها مارست نشاط توريد العمال "غير القانوني"، من خلال تأسيس شركتين للتوريد إلى شركات في قطاع البترول، هما المصرية للخدمات البترولية "أبسكو"، الإسكندرية للصيانة البترولية "بترومنت".
كان محمد شفيق (41 عاما)، أحد العاملين في شركة المشروعات البترولية والاستشارات الفنية "بتروجيت" لمدة سبعة أعوام قبل فصله برفقة ما بين 500 و600 آخرين، عقب صدور قرار حكومي بتعيين العمالة المؤقتة بالجهاز الإداري بالدولة إبان ثورة يناير 2011.
استبشر شفيق وزملاؤه خيرا بقرار تثبيت العمالة المؤقتة، لكن الرياح أتت بما لا تشتهيه سفنهم
يقول شفيق بعد ضياع أمل التعيين.
لكنه عاد إلى العمل في "بتروجيت" عبر شركة للتوريد، قبل أن تطرده مرة أخرى في 2015 في أعقاب محاولاته جمع تواقيع من العمال المفصولين في 2011 للمطالبة بتثبيتهم داخل الشركة.
يحظر قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 في المادة (16)، تشغيل عمال عن طريق متعهد أو مقاول توريد. لكن المقاولين يلتفون على القوانين بلعب دور الوسيط "السمسار" من خلال شركات وسيطة بين العمال وإدارات الشركات والمصانع التي يعملون بها، ويجبرون العمال على توقيع عقود تؤدي إلى حرمانهم من حقوقهم.
لا توجد أرقام دقيقة لأعداد العمال بموجب نظام التوريد داخل الشركات الحكومية، لكن من خلال رصد الفارق بين أعداد العمال المصرح عنهم في تقارير الشركات السنوية وما تعلنه تلك الشركات عبر مواقعها الإلكترونية، نجد أن عددهم نحو 40 ألفا في ثماني شركات فقط، من أصل 23 شركة وبنكا رصدها التحقيق.
كان للشركة المصرية للخدمات البترولية "أبسكو" نصيب الأسد منها بإجمالي 16 ألف عامل، تليها المقاولون العرب بقرابة 13 ألفا، ثم بترومنت وبتروجيت بـ4500 عامل لكل منهما، وكان أقلهم بنك CIB بواقع 407 عمال.
أبسكو
بترومنت
بتروجيت
المقاولون العرب
الاستثمار القومي
مصر للأسمنت - قنا
القلعة القابضة
بنك cib
يقول نقيب العاملين في القطاع الخاص شعبان خليفة، إن الحكومة هي الجهة المنوط بها حماية العمال والحفاظ على حقوقهم، وتعاقد شركات مملوكة لها مع شركات التوريد يخالف المادة 13 من الدستور، التي تُلزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال، وبناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، وحماية العمال من مخاطر العمل، وحظر فصلهم تعسفيا، غير أن جميع هذه الممارسات تحدث داخل شركات مملوكة للحكومة، على حد تعبيره.
يتهم شعبان شركات توريد العمالة بتشغيل الشباب بالسخرة مقابل أجور زهيدة، دون مزايا تذكر مع عمل يتعدى 14 ساعة أحيانا، وفوق ذلك "تتهرب من حقوقهم"، على حد تعبيره.
المادة (13) من الدستور (الحق في بيئة عمل آمنة) تلتزم الدولة بالحفاظ علي حقوق العمال، وتعمل على بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي العملية الإنتاجية، وتكفل سبل التفاوض الجماعى، وتعمل على حماية العمال من مخاطر العمل وتوافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية، ويحظر فصلهم تعسفياً، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.
بلغ عدد شركات توريد العمالة 597 شركة حتى نهاية 2021، بحسب تحليل بيانات موقع يلوبيجز المتخصص في جمع بيانات الشركات داخل المحافظات المصرية ومن بينها شركات توريد العمالة. استحوذت القاهرة الكبرى على نصيب الأسد بواقع 241 شركة، فيما حلت الجيزة ثانية بـ 228 شركة.
يعمل في الشركة 40 ألف موظف بحسب التقرير التعريفي بالشركة 2020، لكن الشركة تعلن على موقعها الإلكتروني أن العدد 36 ألفا، بفارق 4000 عامل، وهو عدد العاملين عبر مقاولي الباطن، وشفيق واحد منهم. ولا ينكر رئيس مجلس إدارة "بتروجيت" وليد لطفي، تعاقد شركته مع موردين ومقاولين من الباطن في مجال القوى العاملة. ولكن في 2011 -بعد القرار الحكومي تثبيت العمالة المؤقتة- أصدرت الشركة قرارا بوقف العمل مع مقاولي التوريد، والاعتماد على موظفي الشركة المثبتين، بسبب تراجع الأرباح.
قرار لم يدم طويلا. إذ عادت الشركة للتعاقد مع شركات توريد العمالة لسد الفجوة التي خلفها فصل 600 عامل في 2011، لوقف خسائر الشركة. وطالب مدير مشروع في الشركة في خطاب بتاريخ 15 آذار/ مارس 2015، شركة غاز مصر (مقاول الباطن بعقد اتفاق 1375/2014 الموقع بتاريخ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر) باستبعاد المشرفين والعمالة المسؤولة عن بعض الأعمال بالمشروع، وتوفير طقم إشراف مسؤول ذا خبرة كافية لزيادة الإنتاجية. وكشف الخطاب مخالفة المقاول ستة بنود بعقد الاتفاق المبرم بين الشركة و"غاز مصر".
يقول شفيق إن "بتروجيت معندهاش عمالة ماهرة كافية فبتستعين بمقاولين، بيتعاقدوا مع عمال غير مهرة وبيكلفوهم خسائر كتير"، وتساءل "طيب ليه ميرجعوش عمال الشركة المفصولين بالأساس؟".
عام 2015 استحدثت "بتروجيت" نظاما أطلقت عليه اسم "عمال المياومة"، ولم تقبل فيه إلا من سبق له العمل بالشركة وله رقم مالي، كي تضمن مهارته، ورغم هذا أعطت العمال أرقاما مالية جديدة، حتى تُبطل أي حق لهؤلاء العمال في التعيين بالشركة، خوفا من إثبات أنهم يعملون لديها قبل ثورة يناير ويطالبون بالتثبيت"، بحسب شفيق
بعد تطبيق نظام المياومة، بات هناك أربعة أنواع من العمال داخل الشركة: المثبتون، ويتمتعون بكل المزايا التي نص عليها قانون العمل. والعمالة غير المنتظمة (شهرية) وهؤلاء يتنقلون بين المشروعات ويخضعون لمظلة التأمين الصحي، ويحصلون على أرباح ولكن بنسب أقل من المعينين، ولهم إجازات سنوية. والنوع الثالث، عمال المقاول وهم الذين يعملون لدى الشركة عن طريق مقاول توريد، ولا يملكون أي حقوق باستثناء إجازاتهم الشهرية. والنوع الرابع عمال المياومة وهم يماثلون عمال المقاولة (الشركة هي المقاول في حالتهم)، وهم معرضون للفصل في أي وقت، وهو ما حدث مع محمد عزت الناقوري، أحد العمال الذين عادوا للعمل داخل الشركة بنظام المياومة برقم مالي جديد، وأنهت الشركة عمله إثر حصوله على إجازة طارئة بسبب مرض ابنه.
نظام المياومة لم يمنع الشركة من استمرار التعاقد مع مقاولين، يقول شفيق: خلال 2013 و2014 كان في 5 مقاولين، حاليا موجود 20 أو 30 مقاولا، المقاولون توغلوا داخل الشركة وأكلوا حقوق العمال.
يقول نقيب العاملين بالقطاع الخاص، إن التمييز في رواتب العمال داخل نفس المنشأة يخالف المادة (79) من قانون العمل المصري، كما يخالف الاتفاقية 100 لسنة 1951 لمنظمة العمل الدولية، الخاصة بمساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل. وتابع: "للأسف يتقاضى العامل المقيد على قوة شركة التوريد أجرا لا يتجاوز نصف أجر نظيره المثبت على قوة الشركة أو المصنع الذي يعمل به".
قانون العمل المصري المادة (79) إذا عهد صاحب العمل إلى صاحب عمل آخر بتأدية عمل من أعماله أو جزء منها وذلك في منطقة عمل واحدة وجب على هذا الأخير أن يساوي بين عماله وعمال صاحب العمل الأصلي في جميع الحقوق ويكون الأخير متضامنا معه في ذلك.
على غرار شفيق، يخشى مصطفى المحلاوي (اسم مستعار)، سائق لدى البنك الأهلي المصري، أن يلاقي مصيرا مشابها لشفيق والناقوري، إذ أنه يعمل لدى البنك برفقة آلاف غيره عبر شركة توريد عمالة تسمى إنترناشيونال بيزنس سيرفيس IBS ، ويحصلون على أجور وامتيازات أقل من أقرانهم المعينين بالبنك.
بخلاف البنك الأهلي وشركة بتروجيت، وثقنا وجود 21 شركة وبنكا آخرين متعاقدين مع شركات توريد عمالة، أكثرهم مع شركة إنترناشيونال بيزنس سيرفيس IBS.
يقول شعبان خليفة، نقيب العاملين بالقطاع الخاص، إن العامل المُعين على قوة شركة التوريد تلحق به مجموعة من الأضرار، مثل حرمانه من مظلة الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية، و10 في المئة أرباحا سنوية، و7 في المئة علاوة.
وبحسب شعبان ويحرم من جميع حقوقه المادية المنصوص عليها في قانون العمل حال فصله تعسفيا. ومن بين هذه الحقوق: مكافأة لا تقل عن شهرين من الأجر الشامل عن كل سنة عمل، وبدل مهلة إخطار بإنهاء الخدمات بواقع راتب شهرين لمن أمضى أقل من 10 سنوات، وثلاثة أشهر لمن زادت مدة خدمته عنها. علاوة على مقابل رصيد الإجازات.
لا تفضل غالبية العمال التوجه إلى القضاء للحصول على حقوقهم المهدرة بسبب طول أمد التقاضي الذي يمتد لسنوات، كما أن عملية التقاضي مرهقة ومكلفة ماديا ومعنويا على حساب قوت يوم العامل وأسرته، بحسب المحامي في التعاونية القانونية لدعم الوعي العمالي ياسر سعد.
شركة إنترناشيونال بزنس سيرفيس، أكبر شركة توريد عمال في مصر. تضم قاعدة عملائها 227 شركة وبنكا، 14 منها حكومية (مملوكة بشكل كلي أو جزئي للحكومة).
توجهنا برسائل مواجهة لكل الشركات الواردة أسماؤها في التحقيق من دون أن ترد أي منها.
اضغط لاستعراض البيانات
بنك الاستثمار القومي
بنك الإسكان والتعمير
البنك التِجاري الدولي (CIB)
بنك القاهرة
الشركة المصرية للاتصالات
شركة EXCEED
شركة المقاولون العرب
شركة مصر للأسمنت - قنا
البنك الأهلي المصري
بتروجيت
أبسكو
بترومنت
شركة مطار القاهرة للشحن الجوي
مصر بني سويف للأسمنت
شركة سكر القناة
شركة القلعة
مجموعة أسيك القابضة
المجموعه المالية هيرمس القابضة
شركة السويس للأسمنت
شركة أسمنت طرة
شركة أسمنت حلوان
الشركة القومية للأسمنت
شركة السويس لتصنيع البترول
شركة السويس لتصنيع البترول
إضافة لـشركة بتروجيت، تتخصص شركة أبسكو في توريد العمال لشركات البترول، وتورد وحدها 16 ألف عامل لـ46 شركة، وشركة بترومنت (تملك بتروجيت حصة فيها) تورد قرابة 4500 عامل لشركات أخرى.
وبخلاف IBS هناك شركات أخرى تورد عمالا لـشركة السويس لتصنيع البترول، والشركة القومية للأسمنت، وشركة مصر للأسمنت التي يمتلك بنك مصر حصة فيها، وشركة السويس للأسمنت التي يمتلك بنك الاستثمار القومي حصة فيها، وشركة أسمنت طرة ويمتلك بنك مصر وهيئة الأوقاف والشركة القابضة للصناعات المعدنية التابعة لوزارة قطاع الأعمال حصصا فيها، وشركة أسمنت حلوان.
وعلى غرار محمد شفيق ومصطفى المحلاوي، تضم الشركات والبنوك المملوكة للحكومة، عشرات الآلاف من العمال الذين تؤكل حقوقهم وأعمارهم على يد شركات مملوكة للحكومة، لتصبح الجهة المخولة بتطبيق قانون العمل أول من يخالف هذا القانون.