الفرقة الرابعة
طوال فترة حكم الأسد، كانت للفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري
بقيادة ماهر الأسد، اليد العليا في التسيّب الأمني على الحدود
اللبنانية السورية، وتسهيل نشاط شبكات التهريب مقابل "إتاوات
وخوات".
وبحسب معلومات جمعناها خلال العمل على التحقيق، كان السماسرة
والمهربون في سوريا يتولون تجميع السوريين، عند نقطة محددة
للانطلاق بالمركبات، ثم يتولى السائقون تسوية وضعهم مع العسكريين
من الفرقة الرابعة، مقابل رشى لتسهيل عبورهم.
مصدر أمني لبناني فضّل عدم الكشف عن هويته، يقول إن أنشطة التهريب
انتشرت على الحدود اللبنانية؛ من البقاع الغربي حتى السلسلة
الشرقية، مروراً بعرسال ووصولاً إلى القاع والهرمل، وحتى آخر عكار
والعريضة، طوال فترة حكم نظام السوري.
هذه المناطق جميعها، "كانت مسرحاً للتهريب بما فيها تهريب المخدرات
والكبتاغون، حيث انتشرت المصانع على الحدود بسبب صعوبة الوصول
إليها، وفي لبنان كان هناك عدد قليل من المصانع الصغيرة".
أما في سوريا، فهناك مصانع كبيرة قادرة على إنتاج ملايين الحبوب
يومياً.
وكانت الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري السابق، بحسب المصدر،
"تتولى تسهيل تجارة المخدرات، وكانت هناك مصانع على الحدود
اللبنانية السورية مثل مصنع حسن دقو الشهير، الذي تربطه علاقة بعدد
كبير من الأطراف اللبنانية".
حسن دقو، مواطن يحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية، ولُقب بـ"ملك
الكبتاغون"، حققت معه شعبة المعلومات اللبنانية في شهر نيسان/أبريل
2021.
وبحسب معلومات حصلنا عليها من مصدر قضائي اطلع على التحقيقات مع
دقو، وهو شاب ثلاثيني، يقول: "لديه معامل لإنتاج الكبتاغون وتقع في
السلسلة الشرقية بالقرب من معربون (في بعلبك)".
جزء من معمله يقع في سوريا، والجزء الآخر في لبنان؛ ما يصعب الوصول
إليه من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية.
وسبب توقيفه المباشر، "لم يكن بسبب المخدرات، بل بسبب شراء بدلات
للجيش اللبناني القديمة -250 بدلة بالتحديد- لتسليمها لأشخاص
بعينهم، ما أدى إلى توقيفه".
ما بعد سقوط النظام: التهريب على الحدود اللبنانية السورية
كشف سقوط النظام السوري وجهاً آخر كان معروفاً عن واقع التهريب على
الحدود اللبنانية السورية، لكنّ الاستقصاء عنه كان مسألة صعبة
للغاية، بسبب تتداخل السياسية وسيطرة حزب الله على أجزاء كبيرة من
الحدود، لتهريب الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى لبنان، ومن سوريا
إلى لبنان. وكانت مدينة القصير السورية، "لغز الحكاية".
طوال الحرب الإسرائيلية الأخيرة (2023-2024) على لبنان، تعرضت
القصير لعدة ضربات إسرائيلية، في دلالة إضافية على أهميتها؛ عبر
استهداف مخازن وأسلحة لحزب الله، كما أعلن الجيش الإسرائيلي عدة
مرات.
بعد أسابيع من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، برز حدث لافت على
الحدود اللبنانية السورية: "أحبطت الإدارة الجديدة في سوريا محاولة
تهريب مجموعة كبيرة من الأسلحة والصواريخ في طريقها إلى لبنان، عبر
معابر غير شرعية".
هذا الحادث كان دلالة على "تاريخ طويل" من عمليات تهريب الأسلحة،
على طول الحدود الشمالية الشرقية بين لبنان وسوريا.
تعد القصير حلقة وصل بين ريف لبنان الشمالي وريف حمص الجنوبي،
وتبعد نحو 15 كيلومتراً عن الحدود مع لبنان، حيث تفصلها سهول
متداخلة.
هذه المنطقة كانت ولا تزال مسرحاً لتهريب الأسلحة، خاصة بعد اندلاع
الحرب في سوريا عام 2011؛ ما جعلها أبرز بوابة استراتيجية للحرب.
فكيف تتم عملية تهريب الأسلحة؟
وبحسب منير الربيع، رئيس تحرير جريدة المدن الإلكترونية، كان
التهريب على الحدود اللبنانية السورية مسألة متاحة ومباحة منذ ما
قبل "حافظ الأسد" إلى ما قبل الحرب السورية وبعدها، وصولاً إلى
الفترة الزمنية الحالية.
لكنّ اندلاع الثورة السورية وسيطرة حزب الله، تسبّبا في "إذابة
الحدود بشكل كامل"، وتلاشت كل الإجراءات الأمنية القائمة بين لبنان
وسوريا، وفُتحت طرق ومعابر جديدة، وفق الربيع.
ويضيف: "بعض هذه الطرق والمعابر حُوّلت إلى معابر رسمية لاحقاً،
وهذا التداخل الجغرافي والسياسي والعسكري من قبل حزب الله فتح
الحدود على مصراعيها، لتنامي عمليات التهريب بأشكالها المختلفة".
"ولاحقاً، تحولت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا إلى مصنع عالمي
لصناعة وتهريب المخدرات وتجارتها".
الرئيس السابق للمحكمة العسكرية في لبنان، منير شحادة، سبق أن تابع
بالمحكمة كثيراً من ملفات التهريب وشبكات المهربين بين لبنان
وسوريا: "الحدود من مزارع شبعا إلى المصنع باتت تحت السيطرة
الإسرائيلية، ما أوقف عمليات التهريب هناك، أما من المصنع إلى
الشمال، فالتهريب مستمر بسبب الأوضاع غير المستقرة في سوريا، وحل
الأجهزة الأمنية القديمة وتشكيل أجهزة جديدة، ما فاقم من نشاط
التهريب لعصابات تزعم انتماءها لفصائل مختلفة كهيئة تحرير الشام".
النافذون على الحدود
حقّقت سوريا "الأسد" مكاسب سياسية وأمنية، من حالة الانفلات على
الحدود مع لبنان، منذ عقود.
وبحسب منير الربيع، رئيس تحرير جريدة المدن الإلكترونية، فإن
"الدافع الأساسي هو تهريب السلاح لحزب الله باعتبار تلك المناطق
كانت خط إمداد أساسياً واستراتيجياً لصالح الحزب، وبالتالي كان كل
شيء مباحاً تحت هذا العنوان، ويستفيد منه الحزب بالمعنى المالي
والاقتصادي، كما يستفيد منه الآخرون والجهات التي تعمل لصالح
الحزب، بمعنى تهريب الأسلحة".
لكنّ حزب الله، بحسب العميد منير شحادة، لا يعتمد على الأسلحة
المُهربة عبر المعابر غير الشرعية، بل عبر طرق أخرى. يقول: "قصفت
إسرائيل أكثر من مرة المعابر غير الشرعية في الجبال بين لبنان
وسوريا، لكنّها لم تقضِ على سبل حزب الله في تهريب السلاح".
أما منطقة القصير، التي كانت تحت سيطرة حزب الله قبل سقوط الأسد،
صارت اليوم تحت سيطرة الإدارة السورية الجديدة.
وأضاف شحادة: "المقاومة ليست بحاجة إلى أسلحة فردية كالكلاشينات
والبنادق… وعمليات تهريب الأسلحة بالنسبة لحزب الله، يجب أن تكون
حرزانة، مثل تهريب صواريخ بالستية وطائرات مسيرة ومواد تصنيع، وليس
تكليف بشر للعبور بالأودية السحيقة، من أجل بنادق ليست حرزانة".
تواصلنا مع الإدارة السورية الجديدة للتعليق على ما ورد بالتحقيق،
ودورها في عملية ضبط الحدود السورية اللبنانية، لكننا لم نتلقَ
رداً حتى تاريخ النشر.
أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج