في قرية "لبيار" شرق موريتانيا، وُلِدَت ميمونة قبل 18 عاماً، لأسرة
وقعت ضحيةً للاستعباد.
فرض المستعبِدون على ميمونة وقبل بلوغها السابعة من العمر، القيام
بأعمال في البيت، وجلب المياه ورعاية الأغنام، بالإضافة إلى تأجيرها
بلا مرتّب لأبناء عمومتهم للعمل لديهم في ترتيب الشؤون المنزلية.
فرّت ميمونة عام 2011 بحثاً عن حرّيتها. وبمساعدة حقوقيين رفعت قضيةً
أدانت مُستعبديْها، اللذيْن لم يُسجنا حتى تاريخ نشر التحقيق، ولم
يدفعا تعويضاً لميمونة.
ملف ميمونة واحد من عشرات الملفّات التي كسب أصحابها قضايا في
المحاكم المختصّة بـ "العبودية" في موريتانيا، لكنّها ظلّت بلا
تنفيذ، فيما بقيت ملفات أخرى على طاولة القضاء من دون السير في
إجراءات المحاكمة منذ سنوات.
يأتي هذا على الرغم من ترسانة قوانين تجريم "العبودية" التي تطوّرت
عبر سنوات ما بعد الاستقلال عام 1960.
في عام 1981، أصدر الرئيس العسكري الأسبق للبلاد محمد خونا ولد
هيدالة، مرسوماً رئاسياً بإلغاء الرقّ ومكافحته.
وفي أول انتخابات توافقية عام 2007، تمّ سنّ قانونٍ مكافحٍ
للاستعباد.
وفي 2015، صدر قانون (رقم 031/2015) يصف العبودية بالجريمة ضدّ
الإنسانية، ويُلزم بدفع تعويض لضحايا الاستعباد ومعاقبة مرتكبيه
بالسجن.
في قرية "لبيار" شرق موريتانيا، وُلِدَت ميمونة قبل 18 عاماً، لأسرة وقعت
ضحيةً للاستعباد.
فرض المستعبِدون على ميمونة وقبل بلوغها السابعة من العمر، القيامَ
بأعمالٍ في البيت، وجلب المياه ورعاية الأغنام، بالإضافة إلى تأجيرها بلا
مرتّب لأبناء عمومتهم للعمل لديهم في ترتيب الشؤون المنزلية.
فرّت ميمونة عام 2011 بحثاً عن حريتها. وبمساعدة حقوقيين رفعت قضية أدانت
مُستعبديْها، اللذيْن لم يُسجنا حتى تاريخ نشر التحقيق، ولم يدفعا
تعويضاً لميمونة.
ملفّ ميمونة واحد من عشرات الملفّات التي كسب أصحابها قضايا في المحاكم
المختصة بـ "العبودية" في موريتانيا، لكنّها ظلّت بلا تنفيذ، فيما بقيت
ملفّات أخرى على طاولة القضاء من دون السير في إجراءات المحاكمة منذ
سنوات.
يأتي هذا رغم ترسانة قوانين تجريم "العبودية" التي تطوّرت عبر سنوات ما
بعد الاستقلال عام 1960.
في عام 1981، أصدر الرئيس العسكري الأسبق للبلاد محمد خونا ولد هيدالة،
مرسوماً رئاسياً بإلغاء الرقّ ومكافحته.
وفي أول انتخابات توافقية عام 2007، تمّ سنّ قانونٍ مكافحٍ للاستعباد.
وفي 2015، صدر قانون (رقم 031/2015) الذي يصف العبودية بالجريمة ضدّ
الإنسانية، ويُلزِم بدفع تعويض لضحايا الاستعباد ومعاقبة مرتكبيه بالسجن.
العقوبة وفقاً للمادة (7) من القانون:
السجن من 10 سنوات إلى 20 سنة
غرامة مالية من
250 ألف
أوقية إلى
5 ملايين
أوقية (700-14 ألف دولار).
تقول منظّمات حقوقية موريتانية وبعد 7 سنوات من سنّ القانون، إنّها وثّقت صعوبات وعراقيل في مُقاضاة مرتكبي جرائم الاستعباد، تتمثل في النفوذ القبلي للمتورّطين في قضايا الاستعباد، وهي تحديات تحول دون حصول ضحايا الاستعباد على حقوقهم المنصوص عليها في القانون.
ووفقاً للدكتور الحسين محمد جنجن، أستاذ القانون الدولي الإنساني
والمتعاون بجامعة نواكشوط العصرية، فإنّ المادة (40) من قانون
الإجراءات الجنائية تنصّ على أنّه يحقّ لوكيل الجمهورية لدى محاكم
الولايات ممارسة صلاحيات النيابة العامة في مجال المتابعة وفي تنفيذ
الأحكام.
وبحسب منظّمة مشعل الحرية، فإنّ مُستعبدَيْ ميمونة الشيخ أحمد ولد
الصيام، وأنجيه ولد الستي، ينتميان لقبائل ذات نفوذ بضواحي مدينة
"انبيكت لحواش" شرق البلاد.
يعتبر رئيس منظّمة مشعل الحرية معلوم ولد محمود، أنّ "التخاذل الحقوقي" بعدم متابعة القضايا المرفوعة، وعدم الضغط على السلطات من أجل تطبيق القانون، من أبرز الأسباب التي حرمت الضحايا من نيل حقوقهم القانونية.
عدم تنفيذ الحكم القضائي انعكس سلباً على دراسة ميمونة، التي لم تستطع استكمال دراستها للمرحلة الإعدادية، لأنّها لا تمتلك وثائق ثبوتية، ما اضطرها إلى المكوث في البيت مع عائلة الحقوقي معلوم ولد محمود بمدينة النعمة.
ولد فال (26 عاماً) في حيٍّ بدار النعيم بضاحية نواكشوط الشمالية،
وعند بلوغه 11 عاماً ألحّ جارٌ للعائلة على اصطحابه إلى قرية
"لبحرية" بضاحية مدينة بومديد (730 كيلومتراً شرق نواكشوط)، زاعماً
أنّه سيوفّر له التدريس الديني.
وعلى جهلٍ بخلفية الرجل وقلّة وعي، وافقت العائلة على العروض
المقدّمة، لتبدأ معاناة فال مع الاختطاف والاستعباد على مدار 12
عاماً، كما ذكر في شهادته.
وصل "فال" في العام 2006 إلى مدينة كيفا شرق موريتانيا، ومنها تنقّل
مع الرجل في سيارة صوب قرية "لبحرية"، حيث عاش الطفل حياة الاستعباد.
ويقول فال إنّه تعرّض للتعذيب البدني على يد مُستعبده الذي لطالما
فرض عليه رعاية الأغنام، وتوعّده بالعقاب البدني والحرمان من الطعام،
ورغم ذلك ظلّ فال يُعارض كلّ تلك التجاوزات التي لحقت به.
في صيف العام 2017 وجد فال الفرصة مواتية للتخلّص من استعباده، حينما
أمره مُستعبدُه بالسير بالمواشي إلى أماكن الكلأ والماء، حيث اختفى
في الصحراء مُتنقّلاً من مكان إلى آخر، إلى أن تعرّف على أحد الرعاة،
الذي ساعده للوصول إلى مدينة "كيفا" والعيش فيها لفترة وجيزة، ومن
ثمّ الانتقال إلى مدينة "كرو"، والمكوث فيها أكثر من سنة ونصف السنة،
حيث عمل مُقابل راتب شهري.
لم يهدأ بالُ فال بمدينة كرو، وهو بعيد عن أمّه التي ودّعها قبل 12
عاماً على أن يعود في أوقات التوقّف الدراسي، فقرّر في تموز/ يوليو
2019 العودة إلى نواكشوط.
وصل فال إلى العاصمة، وانطلق في بحثه الدؤوب عن مكان والدته التي
تركها في مقاطعة دار النعيم (شمال نواكشوط)، إلى أن علم من أقاربه
الذين توصّل لهم بعد بحثٍ شاقٍّ أنّ والدته توفيت بمرض عضال.
رفع فال قضية في محكمة "كيفا" أواخر العام 2019، على من يقول إنّه
استعبده طوال تلك السنوات، وذلك بدعمٍ ومؤازرةٍ من منظّمة "نجدة
العبيد" الحقوقية.
لكنّ الدعوى المرفوعة، عرفت مراحل كثيرة من التأجيل رغم الضغط
الحقوقي، إلى أن عُقدت المحاكمة الأولى يوم 25 آب/ أغسطس من عام 2021
بمدينة كيفا، واستمعت المحكمة إلى أقوال فال حول ما تعرّض له من
إهانة، وتعذيب بدني على أيدي المتهم باستعباده.
حضر المُتّهَم المحاكمة دون أقاربه الذين سبق وأن طالبت المحكمة
بحضورهم كشهود، إلّا أنّ المُتَّهَم بالاستعباد لم يصطحب معه أحداً،
ما أدّى الى تأجيل القضية إلى أجلٍ غير مسمّى.
و يقول فال، ومنظّمة نجدة العبيد، إنّ المُتَّهَم بالاستعباد، ينحدر
من الوسط الاجتماعي للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
ويرى المحامي أحمد ولد أعلي، الذي سبق وأن تمّ توكيله للدفاع عن
ضحايا استعباد أنّه يوجد في قانون العبودية (031/ 2015) الكثير من
الثغرات القانونية، كعدم تحديد مُهلةٍ للتحقيق مع المُتّهَم
بالاستعباد، وهو الإجراء الذي يعتبره مقصوداً لغاياتٍ تخدم رغبات
المستعبدين والمتحالفين معهم من مشايخ القبائل وبعض الشخصيات
السامية، بإنهاء التقاضي بشأن أيّ موضوع يتعلق بالاستعباد.
لكنّه يعود ويقول إنّ بالإمكان تطبيق المادتيْن (138) و(139) من
قانون الإجراءات الجنائية على المُتَّهَمين بالعبودية، والقاضي
المباشر مُلزمٌ بإنهاء التحقيق في أسرع وقت، وفي النهاية القاضي
مسؤول عن أيّ إهمال من شأنه أن يؤجل التحقيق أو يطيل أمد الحبس
الاحتياطي، وفي حال لم يمتثل القاضي فهو معرّضٌ لمُخاصمة القضاة.
وحددت المادة (138) من قانون الجُنح سقف الحبس الاحتياطي بأربعة أشهر
قابلة للتمديد مرة واحدة.
فيما يفيد الخبير القانوني، الحسين محمد جنجن، أنّه وطبقاً لأحكام
المادة (21) من القانون "تجريم العبودية"، يقوم كلُّ قاضٍ مختصٍ
أُبلغ بوقائع مُتعلقة بواحدة أو أكثر من الجرائم الواردة في هذا
القانون، على وجه الاستعجال، باتخاذ كلّ التدابير التحفّظية المناسبة
ضدّ الفاعلين والتي تضمن حقوق الضحايا.
وفي نواكشوط، يعمل فال الآن بأجرٍ شهريٍّ محاولاً تناسي الماضي، الذي لا يُخفّف من وطأته، إلّا مُحاكمة من يعتبر أنّه استعبده.
في آبار "الوسرة" شرق مدينة باسكنو (1500 كيلو متر شرق نواكشوط) وجدت
مبروكة (30 عاماً)، نفسها خادمة لعائلة أطول عمرو ولد أيده، إذ تقوم
بترتيب شؤون البيت من دون تعويض مادي.
فكان ذلك إيذاناً بتفكير مبروكة في التخلّص من واقعها، وفي مطلع
العام 2015 فرّت من قبضة مُستعبدها، ووصلت إلى مدينة باسكنو، حيث
تعرّفت على بعض الحقوقيين.
وبمساعدة الحقوقيين، رفعت مبروكة دعوى على أطول عمرو ولد أيده الذي
اعترف في محضر الضبطية القضائية بمدينة النعمة، كما تظهر إحدى
الوثائق، بأنّها "عبدة" له وقد ورثها من عائلته قبل 25 عاماً، حيث لم
يكن عمرها قد تجاوز 4 سنوات.
انتظرت مبروكة 5 سنوات حتى تعقد المحكمة جلستها، لكنّ مُستعبدها قرّر
عدم الحضور رغم إبلاغه بالاستدعاء، حينها نطق القاضي بإدانة أطول عمر
ولد أيده وحكم عليه بالسجن لـ 15 سنة، وتعويض مادي للضحية بخمسة
ملايين أوقية (14 ألف دولار) مع الشروع على الفور، في تقييدها في
السجلّ السكاني لموريتانيا. غير أنّ الحُكم القضائي لم يُنفذ.
يقول الأمين العام لمنظّمة نجدة العبيد، محمد ولد امبارك، إنّ عدم
استقلال القضاء وغياب الإرادة السياسية ووجود قبليين في القضاء
وتحالفهم مع ممارسي العبودية من أبناء العمومة، أمور أدت في النهاية
إلى تجاهل ملفّات العبودية المرفوعة، فضلاً عن عدم تنفيذ الأحكام
القضائية الصادرة لصالح ضحايا الاستعباد.
والآن تعيش مبروكة ظروفاً اقتصاديةً صعبة مع زوجها وأبنائها في منطقة "أمبر" على الحدود الموريتانية.
عانت خيرة (42 عاماً)، من الاستعباد بضواحي الطواز بمدينة أطار (450
كيلو متراً شمال نواكشوط) طوال 26 عاماً، حيث كان مستعبدوها يرغمونها
على رعاية الماشية والقيام بشؤون البيت، وجلب المياه من الآبار
البعيدة، بحسب ما ترويه المنسّقة الجهوية لمنظّمة نجدة العبيد بمدينة
"أطار" عزيزة منت إبراهيم.
وتضيف عزيزة أنّ ضحية الاستعباد (خيرة) قرّرت عام 2006 التخلّص من
الاستعباد، من خلال الفرار إلى قرية أخرى والعيش فيها.
ووفقاً للمنسقة، فإنّ خيرة كانت قد تقدمت في الأعوام الماضية، بشكاية
مستعبديها الذين ينحدرون من عائلة أهل حبات التي تنحدر من قبيلة
تتمتع بنفوذ واسع في شمال نواكشوط، إلى وكيل الجمهورية بمدينة أطار،
غير أنّ ضغوطات قبلية على أحد أشقائها الكبار جعلتها تسحب الشكاية.
اليوم، تحاول خيرة العودة برفع قضية جديدة على مستعبديها السابقين،
رغم الضغوطات القبلية التي تسعى لثنيها عن ذلك.
تقول خيرة "أريد أن تأخذ العدالة مجراها، إذ إنّه من غير العدل أن
اُسْتَعْبَد كلّ هذه السنوات، ولا أحد من هؤلاء تتمّ محاكمته".
وحالياً، تُعيل خيرة ولديْن، وليس لديها عمل يضمن لها راتباً شهرياً
يكفيها هي ومن تُعيلهم، في انتظار أن تُرفع شكواها إلى المحكمة.
يقول الخبير القانوني الحسين محمد، إنّ رفع قضية أمام المحاكم
المختصّة بجرائم الاستعباد، يتطلّب تقديم شكوى من قبل المدّعي أو
وكيله أمام المحكمة الجنائية المختصّة مع استحضار المدّعي البيانات
التي من شأنها إثبات دعواه أمام القاضي عند الاقتضاء، وبوصفه الطرف
المتضرر يجوز له أن يحرك الدعوى العمومية وفقاً للشروط المحددة في
القانون.
بحسب المادة (22) من القانون "يحقّ لجمعيات حقوق الإنسان المعترف بها
الإبلاغ عن جرائم الاستعباد ومؤازرة الضحايا".
وبعد نحو عام من سنّ القانون في عام 2015، قدّرت منظّمة العفو
الدولية عدد الأشخاص بموريتانيا الذين يعيشون تحت قيود الرقّ بـ 43
ألف فرد، وهو ما يمثل نسبة 1% من السكان.
وفي آذار/ مارس 2018، أدانت منظّمة العفو الدولية، ما وصفته بالقمع
المتزايد للأفراد والمنظّمات الذين يدينون الاستعباد ويساندون
الضحايا.
وعلى الرغم من تواصلنا مع وزارة العدل للرد على ما ورد في التحقيق،
لم يصلنا أيّ ردٍّ حتى تاريخ النشر.
وهكذا تستمر العثرات في طريق ميمونة ومبروكة وخيرة وفال، وغيرهم
العشرات من ضحايا الاستعباد، الذين يحاولون تخطّي العقبات التي تحول
بينهم وبين العدالة في تعويضهم عن سنوات قضوها تحت نير الاستعباد.