أن تكون الجنسية سورية.
في عام 2013 خرج عباس الفاعوري من بلدة الشيخ مسكين في محافظة درعا السورية وكان عمره 16 عاماً. في الأردن، أقام وعائلته لشهريْن في مخيم الزعتري ليغادر بعدها إلى العاصمة عمان، حيث اضطر لترك دراسته والعمل لإعالة عائلته كونه أكبر إخوته.
مع الانتقال إلى عمان أبقى عباس على حبه للفيزياء والرياضيات حتى نجح في العام 2019 بنيل دبلومة بريطانية في الهندسة المدنية، وهي شهادة معتمدة دولياً تعادل الثانوية العامة.
كانت تلك خطوة أولى نحو تحقيق حلمه في تطوير ميكروسكوب ليزري "مجهر فلوري"، لدراسة خصائص البكتيريا والجراثيم والخلايا وأثر الأدوية وآليات تفاعل الخلايا العصبية.
علم الشاب أنّ في الأردن عدة جهات تعنى بدعم المشاريع العلمية الناشئة، وأنّ الحكومة الأردنية ملتزمة للجهات الدولية المانحة بخلق فرص عمل وتشغيل اللاجئين السوريين، فتفاءل بأن يجد فرصته في تحقيق مشروعه، لكنّ طلباته كلها قوبلت بالرفض.
عباس واحد من آلاف اللاجئين السوريين الذين يعانون حتى اليوم من قلة فرص العمل رغم وجود تمويل والتزامات للحكومة الأردنية لخلق فرص عمل لتشغيل اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب. وكان قد تقرر في مؤتمر لندن الذي عُقد عام 2016، تقديم الدعم الاقتصادي للمملكة عن طريق حزمة من المنح والقروض الإنمائية الميسرة مقابل توليد 200 ألف فرصة عمل للاجئين على مدى الأعوام العشرة التالية. ووقعت الحكومة الأردنية مع المجتمع الدولي وثيقة "ميثاق الأردن"، التي يتمثل هدفها الأساسي في توفير فرص عمل تكون مربحة للأطراف كافة: اللاجئ وابن البلد وخزينة الدولة، عبر الضرائب. ومن بين الداعمين البنك الدولي الذي صَمم بالتعاون مع حكومة الأردن برنامج توفير الفرص الاقتصادية للأردنيين واللاجئين السوريين بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأيضاً مع مجموعة من شركاء التنمية المعنيين في الأردن.
وتحددت معايير الاستجابة الدولية في الإطار الشمولي الذي تمّ إقراره على مستوى رؤساء الدول خلال مؤتمر دعم سوريا والمنطقة المنعقد في 4 شباط/ فبراير 2016 بلندن وذلك لدعم الفرص الاقتصادية.
وبعد أربع سنوات وتحديداً في حزيران/ يونيو 2020، استفاد هذا البرنامج الذي تبلغ قيمته 300 مليون دولار، من تمديد لمدة عاميْن وتمويل إضافي بقيمة 100 مليون دولار. فحسب بيانات الشؤون المالية لمجموعة البنك الدولي، والنشاط المالي التفصيلي للقرض حتى 30 حزيران/ يونيو 2022، تبيّن أنّه تمّ في عام 2016 صرف مبالغ على ثلاث دفعات من البنك الدولي للأردن، ومرتيْن في عام 2017، وأربع مرات خلال السنوات من 2018 حتى 2020، كما أنّه تمّ في تشرين الأول/ نوفمبر 2016 صرف أعلى مبلغ من البنك الدولي بما يقارب 72 مليون دولار.
لم يتوقف عباس عند الرفض، بل حاول بشتى الطرق تطوير نفسه، وأجرت قنوات تلفزيونية عدة مقابلات معه، وعرض قصته حتى نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وشاهدها أحد مديري المدارس الدولية في الأردن، فتواصل معه ليعمل في مختبرات المدرسة كتقني مختبرات، ويقوم بالتجارب العلمية للطلاب، وليس كمدرس لأنّه لا يحمل أي شهادة تؤهله لذلك.
ورغم سعادته بذلك، ومواظبته على عمله، إلّا أنّ عباس ما زال يسعى لأن يرى مشروعه العلمي النور في يوم من الأيام. وقال: "نحن الذين لم نستطع دخول الجامعات نحتاج الى أن يُنظر إلى إنجازاتنا بعين الإنصاف". مضيفاً "أحلم باستكمال دراستي في جامعة كامبريدج لأنّ هذا سيحقق نجاحي بإدخال جهاز جديد إلى عالم الفيزياء والأحياء والطب".
بحسب بوابة البيانات التشغيلية (Operational Data Portal) فإنّ عدد اللاجئين السوريين في الأردن حتى 30 حزيران/ يونيو 2022 (حتى تاريخ النشر) موزع كالآتي:
إجمالي اللاجئين السوريين 675.433
داخل المخيم
خارج المخيم
خارج المخيم
داخل المخيم
خارج المخيم وداخله
عدد اللاجئين السوريين في الفترة من 2012 حتى 2022 في الأردن، يبين أنّ سنة 2013 هي الأعلى من بين السنوات في تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن، إذ بلغ عدد اللاجئين حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2013 نحو 576 ألف لاجئ مسجل لدى مفوضية شؤون اللاجئين.
وفيما يسعى عباس لتحسين وضعه والحصول على دعم لمشروعه، لم يكن حسان عمر (46 عاماً)، يتخيل أن تنقلب حياته رأساً على عقب وأن يبدأ من الصفر، عندما أتى إلى الأردن عام 2012. فبعد أن كان يعمل في تخصصه بالمختبرات الطبية وعلم الكيمياء في سوريا، وجد نفسه اليوم يسعى لتمويل قهوة صغيرة يعتاش منها هو وعائلته.
وخلال السنوات العشر الماضية، حاول حسان البحث على عمل يناسب مؤهلاته العلمية في الأردن، لكنّ ذلك لم يكن متاحاً ضمن شروط المهن التي يعمل بها السوريون في الأردن. لم يجد حسان عملاً بمؤهلاته، ففكر في مشروع زراعة الفطر، لكنّه يحتاج إلى تمويل لا يملكه، بالإضافة إلى الشروط الأخرى المفروضة على عمل السوريين في الأردن.
شروط الاستثمار للسوريين في الأردن:
أن تكون الجنسية سورية.
أن يكون السوري شريكاً مع أيّ مستثمر آخر سواء أردني أو سوري.
أن يكون هناك عدد معين من العاملين الأردنيين في وظائف ذات قيمة.
أن يكون حجم رأس المال في السجل التجاري للشركة 50 ألف دينار أردني. أما إذا وظف المستثمر السوري ما لا يقل عن عشرة أردنيين في شركته، سواء كان من مؤسسي الشركة أم لا، فلن يكون مطلوباً منه دفع مبلغ 50 ألف دينار أردني.
أن يكون قد تمّ البدء بالاستثمار بشكل فعلي.
وفي عام 2018 لم تعد لدى حسان القدرة على التحمل، وتخلى عن فكرة مشروعه الزراعي واشترى خمسة "سخانات" قهوة ليعمل على تقديمها في الأسواق والأفراح والمناسبات. في بعض الأحيان شعر حسان وكأنّ الدنيا ستقف، كان معدوم الأمل، لكنّه سعى بشتى الطرق ليعيش.
حذرت مفوضية شؤون اللاجئين في بيان صادر في 30 آذار/ مارس 2022، على إثر مسح ميداني لأكثر من عشرة آلاف عائلة لاجئة، من أنّ تلك العائلات "على وشك الوقوع في براثن الفقر" وأنّ 64% من اللاجئين يعيشون حالياً على أقل من 3 دنانير أردنية (خمسة دولارات) في اليوم. وفي حين تظهر النتائج أنّ سكان المخيم يتحسّنون في مجالات مثل الصحة والتعليم، إلّا أنّ نقص فرص العمل، يجعلهم يعتمدون بشكل أكبر على المساعدات الإنسانية. وأفاد البيان أنّ 52% من العائلات خارج المخيم لديها إمكانية الحصول على دخل من العمل مقارنة بنسبة 25% في المخيمات، علماً أنّ توظيف فرد واحد من الأسرة لا يكفي لتلبية الاحتياجات المنزلية الشهرية.
يقول المحامي والباحث في شؤون العمل والعمال في منظمة بيت العمال للدراسات غير الحكومية وغير الربحية، حمادة أبو نجمة إنّ "الاتجاه السائد في عمل السوريين يتركز على الأعمال غير الرسمية وغير المستقرة وقليلة الدخل التي لا تتوفر فيها الحمايات القانونية والتأمينات الاجتماعية".
وفي أحدث دراسة أعدّتها مؤسسة الأبحاث المستقلة في العلوم الاجتماعية "فافو" بالاعتماد على بيانات المسح الأصلية عن اللاجئين السوريين في الأردن، والذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة الأردنية (بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 وكانون الثاني/ يناير 2018)، نجد أنّ أكثر من نصف اللاجئين (52%) ممن تتجاوز أعمارهم 15 عاماً، قادرون على العمل، إلّا أنّ قرابة الثلث فقط منخرطون في سوق العمل المحلية. هذا ما يشير إلى وضع الدولة الأردنية والمجتمع الدولي أمام معضلة تأمين وسائل البقاء لقرابة 675 ألفاً من اللاجئين السوريين الذين ليس لديهم أيّ مصدر دخل، ويعتمدون في البقاء على المساعدات المقدمة لهم من المجتمع الدولي.
بينما توزعت المهن الرئيسية للعاملين من اللاجئين السوريين كالآتي:
حرف ومهن يدوية (بناء، تشييد، حدادة، تصليح... إلخ).
خدمات ومبيعات (تصفيف شعر، تدبير منزلي، مطاعم... إلخ).
مهن أولية (تصنيع، جمع قمامة... إلخ).
طبابة، هندسة، إدارة، تعليم... إلخ.
وأرسلت معدّة التحقيق طلب "حق الوصول للمعلومة" للحصول على بيانات مسح اللاجئين السوريين وإحصائيات عن العمالة والبطالة السورية في الأردن في السنوات الأخيرة من دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، لكنّ الرد جاء بعدم توفر هذه البيانات.
يشير أبو نجمة إلى أنّ السوريين في الأردن يعملون في قطاعات الزراعة والإنشاءات والخدمات، وهي قطاعات لا يقبل الأردنيون العمل بها، إلّا بنسب محدودة، فلا يمكن إنكار وجود تأثير للعمالة السورية على فرص عمل الأردنيين في بعض المهن، ولكنّ هذا التأثير محدود بالمقارنة مع الارتفاع غير المسبوق في معدلات البطالة بين الأردنيين، إذ إنّ نسبة كبيرة من المتعطلين الأردنيين هم من فئة الجامعيين، وهم في الغالب يتجهون للعمل في قطاعات ومهن تختلف عما يتوجه إليه العمال السوريون.
من أهم الأسباب التي تعيق الاستثمار السوري في الأردن، هي قوانين الاستثمار نفسها التي تفرض وجود شريك أردني لترخيص أيّ مشروع، علماً بأنّ أحد أهم البنود التي تمّ الاتفاق عليها في "ميثاق الأردن" في 2016، هو السماح للاجئين السوريين بإضفاء الطابع الرسمي على أعمالهم القائمة وإنشاء أعمال تجارية جديدة مولدة للضرائب، وبالتالي مفيدة لخزينة الدولة، بما في ذلك استصدار إقامات مستثمرين. لكنّ ذلك لم يتم عملياً.
رزق أبازيد (23 عاماً) على سبيل المثال، واحد من السوريين الذين أتموا تعليمهم الثانوي والمهني في الأردن بعدما خرج من درعا السورية وهو ابن 13 عاماً. أنشأ رزق "منصة أثر"، التي تخدم الشباب مثله وتقدم لهم فرص عمل ودورات تدريبية. حاول رزق أن يحصل على تمويل ليطور مشروعه، لكنّ عائق السجل التجاري حال دون ذلك، يقول "حاولت كثيراً الحصول على تمويل، لكنّ شرط أن تكون الشركة مرخصة ومسجلة في وزارة الداخلية الأردنية وامتلاك الجنسية الأردنية منعاني من ذلك".
يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، إلى أنّ مشكلة دعم وتمويل ومساعدة اللاجئين السوريين، تكمن في عدم التعامل معهم على أنّهم مستقرون لفترة طويلة، بل كان يتمّ التعامل مع وجودهم بالأردن على أنّه مؤقت، وبالتالي فإنّ كلّ الحلول لمواجهة الأزمة السورية مؤقتة.
وبحسب بيانات الشؤون المالية لمجموعة البنك الدولي وتحليل نتائج مؤشرات الأهداف التنموية لبرنامج توفير الفرص الاقتصادية للأردنيين واللاجئين السوريين، تبيّن أنّه في حين يُفترض ألّا ينخفض عدد الأعمال التجارية المسجلة للسوريين عن 100 إلّا أنّه من أصل 3229 منشأة مسجلة رسمياً هناك 40 منها فقط تعود لسوريين.
يبين عايش أنّ القروض والمنح التي تصل إلى الأردن لدعم اللاجئين السوريين هي الأعلى مقارنة بالدول الأخرى. ومع ذلك من الواضح أنّ تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية أقلّ من المطلوب، وهذا يعود لضعف كفاءة الاستفادة منها، لأنّ هذه الجهات هي التي تتولى الإنفاق والتعامل بهذا الشأن. مشيراً إلى أنّ كفاءة هذه القروض من المفترض أن تكون أكبر، والنتائج أفضل والعائد على المجتمعيْن السوري والأردني أعلى.
وعلى ضوء مؤتمر لندن وميثاق الأردن بدأت الحكومة الأردنية منذ عام 2016 بوضع بند "المنح الإضافية الموجهة لدعم الأردن ضمن خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية"، إذ تبيّن تراجع هذه المنح في السنوات الأخيرة، بحسب تحليل بيانات وتقارير المساعدات الخارجية من عام 2016 وحتى تموز/ يوليو 2020.
يؤكد عايش أنّ خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية التي وضعتها الحكومة الأردنية وقُدِّرَت بحوالي 6 إلى 10 مليارات دولار، لم تصل إلى نصفها حسب التقديرات المالية السنوية، لأنّها كانت مبنية على التزام المجتمع الدولي بالوفاء بخطط الاستجابة.
لم يكن رزق وحده من يواجه مشكلة عدم حصوله على التمويل لمشروعه بسبب صعوبة الترخيص التجاري للسوريين في الأردن، فأحمد اليوسف (29 عاماً) واجه نفس الصعوبة، عندما قرر التوسع في مشروعه البيئي القائم على إعادة تدوير نشر الحجارة وصناعة لوحات تراثية من الفسيفساء.
يمتلك أحمد ترخيصاً منزلياً للعمل، لكنّ ذلك غير مناسب لطبيعة العمل، الذي يحتاج لوجود عدد كبير من الأشخاص في بيته. يقول "أن يكون عندي مكان مرخص معروف فهذا يعتبر مشغلاً ويساعد على توسيع وتطوير العمل".
ويحاول أحمد حالياً الحصول على ترخيص لموقع إلكتروني في حال لم يتمكن من الحصول على ترخيص للمشغل ليسوق عليه الأعمال التي ينفذها خارج الأردن.
هذا المشروع لا يخدم أحمد فقط، بل يساعد كلَّ من يعمل فيه كطلاب الجامعات، الذين يعملون بدوام جزئي ليغطوا مصاريفهم الجامعية، وممولي المواد الخام الذين يستفيدون منه كمصدر دخل إضافي لهم.
ويختم أبو نجمة أنّه بدعم المشاريع الصغيرة المنتجة وبعض الاستثمارات يمكن للأردن تنميتها والاستفادة منها، وذلك من خلال وصول هذه الاستثمارات إلى أسواق لم يكن الاقتصاد الأردني قادراً على الوصول إليها من خلال التعاون مع الجهات المانحة.