تحقيق: اشرف الراعي
تذهب سالي، التي تعمل راقصة في إحدى “علب ليل” عمان، بناءً على تعليمات فحص الوافدين كل عام لإجراء فحص طبيّ لدى وزارة الصحة للتأكد من عدم إصابتها بأحد “الأمراض الجنسيّة المعديّة”، في وقت تمنع فيه القوانين الجزائيّة الأردنيّة “ممارسة الدعارة”، وتفرض على ذلك عقوبات قانونيّة، تحقيق أشرف الراعي يُسلّط الضوء على “النوادي الليليّة” والأمراض الجنسيّة.
رغم العقوبات القانونيّة، تمارس سالي الجنس مع “الزبائن” مقابل مبلغ ماليّ معين تتقاضاه، وهي تدرك أن عدم استخدام الواقي الذكريّ أثناء ممارستها للجنس “البغاء” قد ينشر أمراضا جنسيّة معديّة مثل الإيدز، والزهري (السفلس)، والسيلان.
بيد أن سالي، شأنها شأن غيرها من اللواتي امتهنَ “بيع الهوى” لا مانع لديها من عدم استخدام “العازل الجنسيّ” مقابل مبلغ إضافيّ حال إصرار الزبون، رغم معرفتها أن “ذلك يعزّز من فرص إصابتها بمرض سارٍ”.
في العاصمة عمان ينتشر 91 ملهى وبار، يعمل بها زهاء 1800 عامل وعاملة من جنسيات متعددة بين نادل، ومسؤول عن التنظيف، والطهي في هذه الملاهي التي تصنّف ضمن فئة المطاعم، وفق أرقام جمعية المطاعم السياحيّة.
وقالت تسع من خمس عشرة من “بائعات الهوى” التقتهن مجلة “أنت” إنهن “يمارسن الجنس مقابل مبالغ ماليّة تتراوح ما بين 100 إلى 200 دينار للساعة الواحدة، ويزيد هذا السعر في حال عدم استخدامهن للواقي الذكريّ”، فيما “تمارس أخريات الجنس مع الزبائن لمجرد المتعة”.
إلزاميّة العمل بعقد
بيد أن حال هؤلاء الفتيات لا ينطبق على جميع العاملات في الملاهي الليليّة، ذلك أن بعضهن يرفضن ممارسة الجنس، معتبرات أن عملهن في هذه الملاهي “مهنة يعتشن منها فقط”.
تقول لينا، القادمة من إحدى الدول العربيّة: “أعمل في الملهى منذ شهر فقط، لقد قدمت من بلدي على أساس أني سأعمل في مطعم، ولكني فوجئت بأنه ملهى”.
ولا تتمكن لينا البالغة من العمر 23 عاما من التراجع عن العمل في الملهى كونها وقّعت عقدا تضمن “شرطا جزائيّا” بدفع مبلغ ماليّ مرتفع يصل إلى ثلاثة آلاف دينار حال تركها العمل، على حد قولها.
تضيف: “لا أقتنع بممارسة الجنس مع الزبائن، هذه مجرد مهنة، وبانتهاء عقدي سأعود إلى بلدي”.
وتوافقها في ذلك دلال التي تقول: “أرفض ممارسة الجنس، كمهنة، وجودي في الملهى لأجل العمل فقط، وليس للتعرف على الزبائن بهدف ممارسة الدعارة”.
ترفض دلال، التي تعمل راقصة في أحد الملاهي الليليّة، أن تكون حالها حال سالي، التي ترقص في ملهى ذي أضواء خافتة إلى جانب طاولة تعتليها أقداح من مشروبات كحوليّة بجانب شخص لم يسبق معرفته بحركات لافتة بغية استجلاب زبائن.
الوقوف على الشوارع
وبجانب ذلك، تمارس فتيات أخريات الدعارة عبر اصطياد زبائنهن من خلال الوقوف في شوارع رئيسيّة بعمان، وليس العمل في ملاهٍ ليليّة، أوبارات.
ويرى قانونيون أن هؤلاء الفتيات يقمن باستغلال عدم وجود نص قانونيّ يجرّم تعارفهن بمرتادي هذا الملهى، والاتفاق على الخروج مع الزبون في بيتها أو بيته لممارسة ذلك، في بلد “لا تتوافر لدى المحاكم فيه إحصائيات حول عدد الفتيات المحكومات بجرم الدعارة”، وفق مدعي عام عمان جهاد الجندي العبادي.
من جهته، يؤكد الناطق الإعلاميّ باسم المجلس القضائيّ القاضي جهاد العتيبي إنه لا يمكن محاكمة أصحاب الملاهي الليليّة بجرم الدعارة حال حدوث مخالفات أخلاقيّة، وإنما مخالفات لقانون السياحة الذي يمنع القيام بأيّ أفعال تخدش الحياء العام.
ويؤكد أن قضايا الدعارة التي تنظرها محاكم البداية تتوزع على مختلف المحاكم بشكل لا يمكن معه حصر أعدادها.
إلى ذلك، تقول سالي، البالغة من العمر 27 عاما والمطلّقة منذ زهاء أربعة أعوام: “أتفق مع الزبون داخل الملهى وألتقي به في اليوم التالي، إما في شقتي الخاصة، أو في مكان آخر يختاره هو”.
ولا تخشى سالي، التي تعترف بأن الملهى الذي تعمل به مكان لاستجلاب الزبائن لممارسة الجنس، من انتشار الأمراض الجنسيّة المعديّة مثل الإيدز وتقول: “أُجري فحصا دوريّا لدى مديريّة صحة الوافدين التابعة لوزارة الصحة”.
وترى سالي، القادمة من إحدى الدول العربية، في الدعارة “مهنة” تعتاش منها بعد أن أجبرتها الظروف الاجتماعيّة الصعبة نتيجة طلاقها من زوجها الذي “تركها في شوارع بلد أوربيّ كانت تعيش معه فيه”.
التثقيف بالأمراض
لكن أخريات يرفضن ممارسة الجنس مع الزبائن دون استخدام الواقي الأمر الذي تقول فاتن، الراقصة في أحد النوادي الليليّة، إنها تستخدمه “خوفا من الأمراض الجنسيّة المعديّة”.
ولا ترفض فاتن الخوض في علاقات جنسيّة مشتركة حالها حال بعض من اللواتي يمارسن الدعارة، لكن ذلك مرهون باستخدام الواقي الذكريّ، الذي أصبح ضرورة لدى منظمة الصحة العالميّة.
وتشير دراسة علميّة محكَمة أجريت عام 2006 على عينة قوامها 96 محكومة بجرم “الدعارة” في سجن الجويدة، وأعدها أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقيّة الدكتور حسين الخزاعي إلى أن نسبة اللواتي يستخدمن العوازل أثناء الممارسة الجنسيّة من “المومسات” 44.6% ، وأن 80% منهن يرغبن بالتثقيف والتوعيّة حول مرض الإيدز المعديّ.
ووفق الدراسة، فإن ما نسبته 58.6% من المصابين بالإيدز من أردنيين وأجانب والبالغ عددهم الإجمالي 437 حالة حتى آذار العام الماضي أصيبوا بالمرض عبر “المخالطة الجنسيّة”.
ووفق القانون، فإن لجنة أمنية مشكّلة من وزارات الصحة، والسياحة والآثار والداخليّة ومندوبا عن جمعية المطاعم السياحيّة التي تندرج هذه الملاهي والبارات على قوائمها تراقب مدى التزامها بالأخلاق والآداب العامة بصورة دوريّة.
لكن على أرض الواقع، يقتصر دور اللجنة الأمنيّة التي تراقب هذه الملاهي على التنسيب إلى لجنة لدى وزارة السياحة، والآثار باتخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة بحق الملاهي الليليّة، والبارات المخالفة للقانون، وفق محافظ العاصمة سعد الوادي المناصير.
الدور الرقابيّ
يعلّق المناصير، الذي يرأس هذه اللجنة، قائلا: إن “الجهة الرقابيّة التي تضطلع بحقها في إغلاق هذه المحال هي وزارة السياحة، ونحن دورنا ينصبّ على التنسيب لها”.
إلى ذلك، يقرّ مدير مديريّة صحة الوافدين في وزارة الصحة خالد أبو رمان بما أسماه “ضعفا في الرقابة المنهجيّة على الملاهي الليليّة”.
ويشير الدكتور أبو رمان إلى وجود حملات مكثفة على هذه الملاهي من وزارة السياحة أحيانا ما يزيد من عدد من يجرين فحوصات طبيّة، لكن هذه الحملات “تقلّ في مواسم معيّنة بالرغم من كفاية القوانين المطبّقة”.
ويطالب بوضع آليّة مستمرة للرقابة على العاملات والعاملين في الملاهي الليليّة وتقليص دورة إجراء الفحوصات “الإجباريّة” البالغة سنة لا سيما وأن مدة حضانة مرض الإيدز تبلغ ستة أشهر ما يزيد من إشكاليّة الرقابة على هؤلاء الفتيات، فضلا عن تمكين مديريّته من إجراء الفحوصات في هذه الملاهي بدلا من إحضارهم للمديريّة.
ومما يزيد من إشكاليّة الرقابة أيضا، أوضح الدكتور أبو رمان وجود تحايل على القوانين من خلال خروج العاملة الحاصلة على “فيزا سياحيّة من المملكة قبل انتهاء مدة إقامتها”، ومن ثمّ عودتها إلى المملكة “تهرّبا” من إخضاعهن للفحوصات الطبيّة من الأمراض الجنسيّة المعديّة.
ويعتبر ذلك، حسب الدكتور أبو رمان، من قبيل “الفهلوة، والتحايل على القانون” من أجل عدم دفع رسوم الإقامة التي تتجاوز 400 دينار، والخضوع لفحوصات طبيّة”.
يقول أبو رمان: إن “هذه الوافدة تفلت من الرقابة بقانون يسمح لها بتجديد مدة إقامتها حال خروجها”، داعيا إلى إجراء فحوصات لهؤلاء الفتيات سواء خرجت من المملكة أم بقيت فيها كل ثلاثة أشهر.
ويوافقه في ذلك مدير عام جمعية المطاعم السياحيّة عامر قبعة الذي أكد أن لجوء أصحاب المطاعم والملاهي الليليّة إلى آليّة الاستخدام؛ أي التعاقد مع العاملة الوافدة إلى المملكة بفيزا سياحة للعمل لديها “تضعف من الرقابة المنهجيّة” على هذه المنشآت السياحيّة.
آليّة الاستقدام
ولتعزيز الرقابة المنهجيّة، شدّد قبعة على ضرورة تفعيل آليّة الاستقدام التي يلتزم بموجبها صاحب المنشأة السياحيّة بتشغيل عامل أو عاملة وافدة استقدمها من بلدها خصيصا للعمل “كنادل أو نادلة” ، في ظلّ ندرة عمل الفتيات الأردنيات في هذه المنشآت بسبب التقاليد الاجتماعيّة في مجتمع محافظ ومتديّن بالفطرة.
ولا تتمكن مديريّة صحة الوافدين من إصدار قرار بإغلاق ملاه ليليّة تمّ ضبط عاملات فيها مصابات بأمراض جنسيّة بل ينحصر عملها في التوصية لوزارة الداخليّة بإبعاد المصابات بهذه الأمراض حال ثبوت إصابتهن.
وحسب قيود وزارة الصحة، فقد سُجّل العام قبل الماضي إبعاد 100 وافد ووافدة، من ضمنهم 14 فتاة مصابات بالإيدز “تمّ ضبط ثلاثة منهن عاملات بملاهٍ ليليّة”.
كما اكتشفت مديريّة صحة الوافدين التابعة لوزارة الصحة العام الماضي ثلاث فتيات وافدات مصابات بمرض الإيدز الجنسيّ المعديّ.
وبلغ عدد الحالات المسجّلة لمرض الإيدز لأردنيين 180 حالة، وفق أرقام مديريّة الأمراض المنقولة جنسيّا منذ اكتشاف أول حالة في المملكة عام 1986 توفي منهم 75 حالة.
وحسب أبو رمان، فإن مديريّة صحة الوافدين مسؤولة عمّن يتم إرساله لإجراء الفحص الطبيّ، “فالمديريّة لا تستطيع مراقبة الفتيات داخل النوادي الليليّة، وفحص العاملات فيها”.
وحدّدت الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الإيدز التي أطلقت عام 2005 الماضي وتستمر حتى 2009، عدة فئات اعتبرتها “خطرة”، مطالبة بضرورة الوصول إليها للحدّ من انتشار الأمراض المنقولة جنسيّا، ومن بين هذه الفئات “بائعات الهوى”.
وتدخل الملاهي الليليّة ضمن “السلع التكميليّة” التي قد تكون مهمة بالنسبة للسائح، وفق رئيس هيئة تنشيط السياحة الأسبق مشيل نزال الذي قال: إن “الخدمات المكمّلة موجودة في كل بلد، وهي مهمة ليقضي السائح فترة أطول في المملكة”، التي دخلها خلال العام الماضي نحو 1.7 مليون سائح عربيّ.
قانون العقوبات
من جهته، يؤكد أستاذ قانون أصول المحاكمات الجزائيّة المساعد في الجامعة الأردنيّة الدكتور أحمد هياجنة أن قانون العقوبات لم يتضمن نصا قانونيّا ينطبق على حالة التعارف داخل الملاهي الليليّة.
لكن تعليمات اللجنة الأمنيّة التي تراقب عمل هذه الملاهي تمنع لمس الفتيات العاملات هناك بصورة تخدش الحياء العام.
ويشير الهياجنة إلى أن الاتصال الجنسيّ بين البالغين وبالرضاء، “وبما لا يخدش الحياء العام” لا يشكّل جريمة إلا إذا كان منظّما ومدارا على شكل وكر للدعارة والبغاء.
بيد أن الشريعة الإسلاميّة تحرّم كافة الممارسات الجنسيّة الخارجة عن عقد الزواج الشرعيّ، وفق أستاذ الفقه في كلية الشريعة بالجامعة الأردنيّة الدكتور محمد أبو يحيى.
واستدلّ الدكتور أبو يحيى بالآية القرآنيّة “ولا تقربوا الزنا إنَهُ كان فاحشةً وساءَ سبيلا”، والحديث النبويّ الشريف “كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله”.
في السياق ذاته، يعاقب قانون العقوبات بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة ماليّة من خمسة إلى خمسين ديناراً كل من قاد أو حاول قيادة أنثى لم تتجاوز 20 سنة من عمرها ليواقعها شخص مواقعة غير مشروعة في المملكة أو الخارج وكانت تلك الأنثى ليست بغيا أو معروفة بفساد الأخلاق أو قاد أنثى لتصبح بغيا في المملكة أو الخارج أو أن تقيم في بيت للبغاء.
ويفرض القانون عقوبة تتراوح من الحبس أسبوعا إلى ستة أشهر أو بغرامة ماليّة من خمسة إلى مائة دينار أو بكلتا العقوبتين من أعدّ بيتا للبغاء أو تولّى إدارته أو اشتغل فيه أو ساعد في إدارته أو كان مستأجرا منزلا وسمح باستخدامه أو قسم منه للبغاء أو كان مالكا وأجّر المنزل لأجل ممارسة البغاء فيه.
ويحبس من ستة أشهر إلى سنتين كل ذكر يعتاش على ما تكسبه أنثى من البغاء، في حين أن كل امرأة يثبت عليها أنها ابتغاء للكسب تؤثر على حركات بغي بصورة يظهر معها بأنها تساعد تلك المرأة أو ترغمها على مزاولة البغاء مع شخص آخر تعاقب بالحبس من أسبوع إلى سنة أو بغرامة من خمسة إلى خمسين دينارا.
وتطرح قضية ضبط عاملات في ملاهٍ ليليّة وبارات مصابات بمرض الإيدز المنقول جنسيّا تساؤلات حول آليات الرقابة لحماية مرتادي هذه الملاهي من أردنيين وسياح عرب وأجانب من هذه الأمراض، في مجتمع محافظ يشكّل الشباب فيه 70% من إجماليّ سكانه المقدّر عددهم بـ 6.2 مليون نسمة.
تم إعداد هذا التقرير بدعم من مؤسسة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائيّة عربيّة” بإشراف الزميل سعد حتر(www.arij.net)
Leave a Reply