ترسانة تشريعات تُقصي المفرج عنهم من السجون الثلاثاء 30 تشرين الأول 2018
قوانين وأنظمة تعاقب الشخص على الجرم مرتين
الحكومة والقضاء تتوسعان في تفسير الجنح المخلّة بالشرف والأخلاق العامّة
في عام 2014، باشر حمزة يحيى عمله معلمًا في مدارس الثقافة العسكرية بصفة مدنية، بعد عام على تخرجه في جامعة البلقاء التطبيقية. ورغم قبوله في الثقافة العسكرية، فإنه كان ينتظر تعيينه في وزارة التربية والتعليم بعد أن تقدّم للامتحان التنافسي ونجح.
وفي يوم رمضاني من العام ذاته، وبينما تغيب الشمس عن ساكب مسقط رأس يحيى، وقعت مشاجرة جماعية. أصيب فيها نصف المشاركين الخمسة عشر بينهم يحيى المتهم بضرب آخر على وجهه بأداة حادة، وفقًا للائحة الاتهام.
ينفي يحيى التهمة الموجهة إليه، قائلًا "وصلت مكان المشاجرة، وكانت منتهية".
في تموز/ يوليو 2015، حكمت المحكمة بوضع يحيى بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، خُفضت إلى الحبس لمدة سنة واحدة والرسوم، بعد إسقاط المشتكي حقه الشخصي، بحسب قرار محكمة التمييز.
عللت المحكمة قرارها بخفض العقوبة أن يحيى شاب في مقتبل العمر. وترغب في "إتاحة الفرصة أمامه لعيش حياة حرة كريمة، ونهج السلوك السوي، والاندماج في المجتمع".
قبل انقضاء مدة محكوميته بشهرين، قرأ يحيى الجريدة، وتفاجأ بدعوته للتعيين في وزارة التربية والتعليم. بعد خروجه من السجن بأسبوع راجع وزارة التربية، وصدر كتاب تعيين جديد له معلمًا في مديرية تربية جرش. سلمه الموظف هناك قائمة بالأوراق المطلوبة لاستكمال التوظيف من بينها شهادة "عدم محكومية".
راجع يحيى المحكمة لإصدار الشهادة، لكنه فوجئ بالرد
• الموظف: "أنت جاييني مبارح من السجن، وجاي هسّا توخذ عدم محكومية" حسبما يروي يحيى الذي رد قائلًا "ليش وين المشكلة، أنا بدّي أتوظف".
• الموظف "بتروح وبترجعلي بال 2022 "، يعلّق يحيى "بهذه السهولة حكالي إياها".
• الموظف: "أنت جاييني مبارح من السجن، وجاي هسّا توخذ عدم محكومية" حسبما يروي يحيى الذي رد قائلًا "ليش وين المشكلة، أنا بدّي أتوظف".
• الموظف "بتروح وبترجعلي بال 2022 "، يعلّق يحيى "بهذه السهولة حكالي إياها".
لم يستطع يحيى الحصول على الشهادة، فعدّته الوزارة مستنكفًا عن التعيين. حاول هذا الشاب الصاعد نحو 26 عامًا من العمر العمل في مدرسة خاصّة في جرش، إلا أنها اشترطت حصوله على "عدم المحكومية"، حالها حال شركة تصنيع أغذية، فنادق وسوبر ماركت.
ويشكو يحيى ما آل إليه حاله
.
يحيى كان بين عشرة أشخاص وثّق معدّا التحقيق تجاربهم المرّة في محاولة "استئناف" الحياة بعد أن قادهم حظهم إلى المخافر، والمحاكم والسجون. وتوصلا إلى أن قوانين وأنظمة تَحرم محكومين من ممارسة حيواتهم المهنية، السياسية والاقتصادية، بعد تنفيذهم أحكامًا قضائية أدانتهم بجنايات وجنح، تُبقي سجلهم الجرمي فعالًا، لمدد تتراوح بين ثلاث وست سنوات بعد قضاء مدد محكوميتهم.
يرصد هذا التحقيق 122 نصًا تشريعيًا في قوانين وأنظمة تشترط في الساعي لشغل وظيفة عامة أو خاصة، أن لا يكون محكومًا بجناية أو جنحة مخلة بالشرف والأخلاق العامة، ويستدل على ذلك بإبرازه شهادة عدم محكومية.
وينطبق هذا الشرط أيضًا على المنتسب إلى جمعيات ونقابات وأحزاب، والمترشح للانتخابات العامة، والبعثات الدراسية، وغيرها.
كما يشترط نحو60 نصًا غيرها إبراز شهادة عدم محكومية للمؤسس لدور الحضانة، ومكاتب الحج، والعقارات، والمراكز الثقافية، ومكاتب استقدام العمالة، والمساحة، وخدمات الطلبة، وأندية المسنين، إضافة للمؤسس للمنشآت السياحية والفندقية، والمطاعم، والاستراحات وغيرها.
وبحسب تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان لعام 2016، تلقى أزيد من 66 ألف شخص أحكامًا بقضايا جزائية بين مطلع 2013 وأواخر 2016. وتقف هذه "الترسانة" من التشريعات عائقًا أمام إعادة اندماجهم في المجتمع خاصة أن المشرع لم يضع تعريفًا محدداً للجرائم المخلة بالشرف والأخلاق العامة تاركًا ذلك لرقابة القضاء وتقديره. كما أن ضعف هذا العدد مهدّدون بمواجهة المصير نفسه. إذ يقدّر عدد المشتكى عليهم في قضايا جزائية 134 ألف شخص لعام 2016 وحده، بحسب وزارة العدل.
ويظهر التحقيق، أن هذه التشريعات فتحت بابًا للحكومات المتعاقبة لتفسيرها بمزاجية لإقصاء خصومها السياسيين، والتضييق عليهم.
رئيس ديوان التشريع والرأي في رئاسة الوزراء نوفان العجارمة يدافع عن تلك النصوص، إذ يجد فيها عقوبات تبعية غير أصلية للحؤول دون ارتكاب جرم آخر في المستقبل، "بتقديري أنها تتماشى مع العهدين الدوليين" لحقوق الإنسان حسبما يشرح العجارمة.
النائب عبد المنعم العودات -رئيس اللجنة القانونية في المجلس سابقًا- يعلّل وجود تلك النصوص بأنها مواصفات لمن يريد أن يكون ممثلاً للمجتمع، أو يرد تولي الوظيفة العامة، مؤكدًا أن "هذا حق للمجتمع".