"صيدليات دون صيادلة"

8 أكتوبر 2014

وطن للأنباء –  أثناء جولاتي المتعددة للصيدليات في قرى ومدن الضفة الغربية، وصلتني شكاوى بوجود أشخاص غير مؤهلين ولا يحملون شهادات في الصيدلة، يداومون بدل من الصيدلاني المؤهل في حال تغيبه.

بدأت بفحص الموضوع كمواطن وليس كصحافي لأرى ردة فعل المواطنين من هذه المخالفة، لأجد أن الناس لا يعلمون إذا كان الموظف المداوم في الصيدلية صيدلانيًا أم لا،  لأقرر حينها بالتحقيق للوقوف على تلك القضية ومعرفة ما يدور في الصيدليات من مخالفات كبيرة قد تضر بصحة المواطنين. 

مساعدو صيادلة 24 ساعة

خلال جولات استمرت خمسة شهور، زرت أكثر من 30 صيدلية في الضفة الغربية، من الصيدليات البالغ عددها 1070 صيدلية، وكانت خطتي الأولى الكشف عن وجود مساعدي صيادلة يداومون في الصيدليات 24 ساعة، إذ أن الأمر ممنوع حسب القانون، ويجوز للصيدلاني المسؤول تعين مساعد صيدلاني يداوم معه لكن ليس وحده.

بدأنا جولاتنا في بلدة بيت لقيا (جنوب غرب رام الله) بزيارة إحدى صيدلياتها، فوجدنا شابًا عشرينيًا، وبدأت الحديث معه دون أن يعلم بوجود كاميرا سرية تقوم بتصوير وتوثيق ما يقول، وبعد الحديث المطول الذي استمر لعشرة دقائق بيننا، قال إن “مراقبي وزارة الصحة يأتون إلى الصيدلية ويعلمون جيدًا أنني لست صيدلانيًا بل مساعد صيدلاني، وحصلت على شهادة المساعد من الكلية العصرية التي تمنح الدبلوم، وكنتُ دائما أسأل المراقبين عمّن يداوم في صيدلياتهم الخاصة، فيجيبون: مساعدو صيادلة أيضًا”.

لكني وبعد سؤالي له “ماذا لو أصر مراقب وزارة الصحة بأن تأتي الصيدلانية التي تملك الصيدلية؟” فأجاب ببساطة “مكالمة واحد أحضر الصيدلانية ليست هذه مشكلة”.

أكملنا جولاتنا على صيدليات أخرى، ووجدنا حالات كثيرة من مساعدي الصيادلة يداومون في الصيدليات وحدهم ويصرفون الأدوية دون أي رقيب من الصيدلاني المسؤول، أو من مراقبي وزارة الصحة، وكان عديد الحالات، بعضها لا تعلم ما هو الدواء الذي نسأل عنه، الشيء الذي يشكل خطورة على صحة المواطنين.

أطباء أسنان يداومون في الصيدليات

في كل يوم كنا نقوم بجولات على الصيدليات بالتصوير السري، كنا نكشف عديد المخالفات التي تحصل في الصيدليات التي مر عليها شهور وحتى سنوات وهي على حالها.

وفي قرية خربثا المصباح (جنوب غرب رام الله)، زرنا صيدلية تملكها صيدلانية، لكننا قابلنا فيها موظفًا، فسألناه عن دواء لمرضى الأعصاب يسمى “ديكينت”، حيث لا يسمح بإعطائه إلا بوصفة طبية، لكنه لم يعرفه ولم يعثر عليه، فسألته “هل أنت صيدلاني؟” فأجاب سريعًا “لا، أنا طبيب أسنان”، فقلت له إن ذلك “مخالف للقانون” وسألته “هل تقوم وزارة الصحة بجولات تفتيشية على هذه الصيدلية؟” فأجاب بتهكم “الصحة مش دايرة بالها على حالها”، ثم فاجأني بالخروج إلى الشارع تاركًا الصيدلية ليُحضرَ شابًا آخر لا أعلم اختصاصه.

بدأ الشابان البحث عن الدواء ومراجعة الكتاب الخاص بالأدوية، وخلال البحث، دار بيني والشاب الثاني الحوار الآتي:

أنا: هل أنت صيدلاني؟

الشاب 2: لا، أنا مساعد صيدلاني

أنا: يبدو أنك لا تجلس في الصيدلية كثيرًا ا وأن صاحبة الصيدلية تعلم بهذا الدواء أكثر

الشاب 2: أنا أجلس في الصيدلية باستمرار..

وهو ما أكدنا عليه سابقًا كونه مخالفة خطيرة وممنوعة حسب قانون الصيادلة.

الحال نفسه كان في صيدلية بقرية بورين (جنوب غرب نابلس) حيث وجدنا طبيبًا آخر يصرف الأدوية في صيدلية زوجته، واعترف بأن ما يفعله ممنوع حسب القانون، لكنه يجد لنفسه مبررا بأنه يساعد زوجته، وأخبرنا أن مراقبي وزارة الصحة يعلمون بأمره، ما يعني تغاضي المراقبين عن بعض المخالفات الخطيرة التي تحصل في الصيدليات.

مراهقون يصرفون الدواء

بعد أيام من جولاتنا المستمرة على الصيدليات والتأكد من مخالفات كثيرة تحصل فيها، كالتي وجدناها في بلدة ترمسعيا (شمال شرق رام الله)، حيث كان الموظف فيها مراهقًا، علمًا بأن الصيدلية من أكبر الصيدليات في تلك المنطقة.

وكالعادة، سألت ذلك المراهق عن صاحب الصيدلية، فأجابني أنه ذهب لإحضار بعض اللوازم، فطلبتُ منه بعض الأدوية، وعرفتُ خلال حديثي معه أنه يبيع الأدوية “السهلة”  -حسب وصفه- للمرضى، وإذا كان المريض يريد الدواء بشكل سريع فإنه مستعد لإعطائه إياه.

وجود ذلك المراهق في تلك الصيدلية مخالفة كبيرة، فهو أساسًا ليس طبيبا يمكنه معرفة بعض الأدوية كما أنه ليس مساعد صيدلاني؛ بل مراهقًا لا يعلم الأدوية المطلوبة للمريض، ما يشكل ناقوس خطر، يتطلب مواجهة قوية من وزارة الصحة.

الواسطة أقوى

في صيدلية أخرى، وجدنا مساعد صيدلاني يداوم مدة 24 ساعة، ادّعيتُ أن أحد أقربائي أُغلقت صيدليته وحصلت معه مشكلة مع وزارة الصحة لأن مساعده يداوم فيها طيلة الوقت، فكان ردّه “أنا واصل”.

ويقصد بكلمة “واصل” أن علاقته مع مراقبي وزارة الصحة كانت كفيلة بمنع محاسبته، أنهم “يعرفونه شخصيًا حيث درسّوه في كليته الجامعية”.

الصحة لا تعلم كل شي

القائم بأعمال مدير عام الرقابة الدوائية في وزارة الصحة ماجد صبحة،  قال “احنا كدائرة رقابة نقوم بجولات مكثفة على جميع المحافظات …بالنسبة للميداني الموجود ..انا نعم قلت لك في تجاوزات لكن ليست بالتجاوزات التي تفضلت بها..لن نسمح ان يدير صيدلية شخص غير مؤهل ..احنا صدفت و اغلقنا صيدليات لعدم وجود الصيدلي والتتبع في الموضوع…يوجد مساعدين صيادلة .. ممكن ولكن الميداني (أي المراقب) انه يكون مساعد في هذا الأمر أو الميداني يقول انه معرفتي بالصيدلي الفلاني نسمح لفلان غير مهل هذا الحكي مرفوض”.

وأضاف صبحة “احنا كاشفين كل شيء ومتّبعين كل شيء هذا الحكي الي بتحكيه مش متوفر عنا، احنا بنضبط اي واحد ولا نسمح له ان يكون غير مؤهل في داخل الصيدلية ..حتى مساعد الصيدلية الي هو بيحمل شهادة لا نسمح له فكيف نسمح لواحد غير مؤهل؟”.

الواسطة تحرج الصحة

قمنا بعرض الفيديو الذي يقول فيه مساعد الصيدلي أن لديه “واسطة” ومعرفة شخصية بمراقبي وزارة الصحة تحول دون اتخاذ إجراءات بحقه، على صبحة، فكان ردّه بالقول “أول شي كمساعد صيدلي لا يجوز أن يتواجد في الصيدلية بدون الصيدلاني المسؤول.. بالنسبة للشي الي حكاه إذا هو مساعد صيدلي وأنا رح اتحقق من هالموضوع وأتاكد انه مزاول مهنة من وزارة الصحة”.

النقابة لا تملك إلا اسمها

توجهنا إلى نقابة الصيادلة لمعرفة ردها ودورها على المخالفات التي تحصل في الصيدليات فوجدنا لا تملك سلطة واسعة على تلك الصيادليات كمهام تفتيشية ورقابة.

نقيب الصيادلة فواز صيام قال “ما عندي الصفة القانونية الكاملة أن ادخل وافتش على وجود صيدلي الا من خلال مجلس تأديبي..انا برفع شكوى لمجلس النقابة ومجلس النقابة يحول الصيدلي لمجلس تأديبي لكن وزارة الصحة المفتش الميداني عنده سلطة قضائية بحقه فورا”.

وأضاف صيام: اتفق معك تماما أن العدد غير كافي من المفنتشين لكن هذا قدرة وزارة الصحة.. وفي عدة نقاشات مع وزير الصحة كنت اطالب بتضعيف أعداد الصيادلة العاملين مش بس في وحدة الرقابة والتفتيش.

ويوجد في وزارة الصحة 13 مفتشًا فقط لمجموع الصيدليات التي تبلغ 1070 صيدلية،  أي أن لكل مفتش 82 صيدلية، وهذا عدد قليل جدًا مقارنة بالصيدليات.

قانون بلا تطبيق

ومع أن قانون الصيادلة واضح بضرورة عقاب كل من يخالف أي مادة في القانون، إلا أن بنوده الرئيسة لا تطبق بالشكل المطلوب، الشيء الذي أثبتناه عبر هذا التحقيق الاستقصائي.

تطبيق القانون بحذافيره يعني أن مخالفة مساعد الصيدلاني تصل إلى (250- 500) دينار أردني، أما من انتحل مهنة الصيادلة فإنها تتراوح لــ (1000- 3000) دينار أردني، أو السجن لمدة تتراوح بين شهر وثلاثة شهور كما يمكن لوزارة الصحة أن تغلق بعض الصيدليات المخالفة.

ورغم أن وزارة الصحة تقول إن جولاتها التي تتجاوز الألفي جولة على الصيدليات كشفت عن 300 مخالفة إلا أنها لم تبدُ واضحة على أرض الواقع بالعقوبات التي تفرضها.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *