مدارس تخرج طلبة لا يقرأون ولا يكتبون

16 يوليو 2014

تحقيق استقصائي

– المصري اليوم – حاملاً حقيبة مليئة بالكتب والكراسات، يذهب محمود عبد العاطى إلى مدرسته يومياً لينضم إلى زملائه فى طابور الصباح، يصدح معهم بتحية العلم فى مشهد يكرره تلاميذ الصف الثالث الإعدادى صباح كل يوم دراسى لثمانى سنوات مضت.

على الرغم من عدم رسوب محمود طوال مشواره التعليمى، إلا أنه لا يجيد القراءة والكتابة وهو على أبواب المرحلة الثانوية، حاله حال الآلاف من زملائه فى الصف الثالث الإعدادى بمحافظة الفيوم.

قضت «المصرى اليوم» ستة أشهر من التقصى والعمل الميدانى على عينة من طلبة المدارس، تبين خلالها أن واحداً من كل ستة طلاب بالمرحلة الإعدادية لا يجيدون القراءة والكتابة، وهو ما انطبق أيضا على طلاب المرحلة الابتدائية، وهو ما يتماشى مع تقرير «التنافسية العالمية» الصادر فى سبتمبر 2013. تراجع ترتيب مصر إلى الـ 148، على عكس تقييم الحكومات المتعاقبة.

وكشف التقصى الميدانى عن إعلان وزارة التربية والتعليم نجاح التلاميذ تلقائياً بصرف النظر عن قياس تحصيلهم العلمى أو اجتيازهم للامتحانات المقررة.

يفاقم ذلك شح ميزانية الوزارة وإنفاق غالبيتها على معاشات المعلمين «على خط الفقر»، فضلاً عن ضعف إعداد وتأهيل معلميها، واكتظاظ الصفوف الدراسية وضعف المناهج والرقابة عليها، ما ينتج عنه طلبة أميون، حسبما تم توثيقه ومعاينته من خلال هذا التحقيق.

عبدالعزيز إبراهيم موجه عام اللغة العربية فى إدارة طامية التعليمية يرى أن «من لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع التواصل مع معلمه أو يفهم شرحه للدرس».

على مقعد مكسور يجلس عبدالمعطى بين زميلين داخل فصله الدراسى الذى يضم 51 تلميذاً، بدا عليه التهرب من طلب المعلم له بالوقوف على السبورة لكتابة الهتاف الذى يردّده منذ ثمانى سنوات «تحيا جمهورية مصر العربية».

ظل عبدالعزيز واقفاً والطبشورة بيده لأكثر من سبع دقائق، أخذ يرسم خطوطاً متعرجة غير مفهومة ولم يتمكن من كتابة أية أحرف من النشيد، الأمر تكرر مع تلميذ آخر، إذ فشل هذا التلميذ فى الكتابة حتى حين حاول قراءتها من لوحة كبيرة وضعها المعلم أمامه.

محمود ينتمى إلى أسرة من ثمانية أفراد يتقاضى معيلها 1400 جنيه شهريا من وظيفته فى مصلحة حكومية، هى مصدر رزقه الوحيد، والده يؤمن بأن تعليم نجله «صنعة» خلال سنوات دراسته أمر له جدوى مادية أفضل له من التفرغ للدراسة. فيما اشتكى الوالد من زيادة عبء أسرته منذ حصول نجله الأكبر على بكالوريوس خدمة اجتماعية عام 2011، جلس بعدها نجله بالمنزل بسبب أنه لم يتعلم صنعة فى صغره تؤهله للعمل حال الفشل فى الحصول على وظيفة بالمؤهل الحاصل عليه. يشاطره الرأى عادل رمضان عبد الحميد رئيس مجلس أمناء مدرسة فرقص للتعليم الأساسى، إذ يرى أن ولى الأمر لم يعد يهتم بتعليم أولاده لعدم جدوى التعليم اقتصادياً على الأسرة التى تزداد أعباؤها بنيل أبنائهم مؤهلات لا تتواءم مع سوق العمل، وهذا يؤثر سلباً على اهتمام سائر الأبناء فى مراحل التعليم المختلفة.

19% من طلاب الفيوم لا يُجيدون القراءة والكتابة والدرجات تُقدر«جزافيًا»

وأظهرت دراسة ميدانية أجراها معد التحقيق على 17 مدرسة منها تسع بالمرحلة الابتدائية وثمانى فى المرحلة الإعدادية – فى الفيوم كنموذج لبقية مدارس الجمهورية أن 19 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية يعانون الأمية الأبجدية أى عدم القدرة على القراءة والكتابة، ولا يجيدها 49 % منهم و12 % لديهم القدرة لكن بشكل غير صحيح بالكامل. كما يعانى 17 % من تلاميذ المرحلة الإعدادية من أمية أبجدية ولا يجيدها 51 % منهم، فيما 9 % من العينة قادرون على القراءة والكتابة، لكن دون إجادة تامة.

داخل أحد فصول الصف الثالث الابتدائى بإحدى هذه المدارس طلبنا من ثلاثة تلاميذ كتابة الهتاف «تحيا جمهورية مصر العربية»، ظل ينظر كل منهم للآخر أمام السبورة ليرى كيف تكتب، حتى يرسم حروفها فلم يتمكن أحدهم من كتابة الحرف الأول منها، ورسموها خطوطاً ومنحنيات غير مفهومة، الأمر تكرر مع خمسة تلاميذ بنفس الصف فى مدرسة أخرى فشلوا أيضاً. وفى الصف الخامس الابتدائى بمدرسة أخرى لم يتمكن أربعة تلاميذ من كتابة ذات الهتاف، فوضعوها نقاطاً غير متساوية على السبورة.

وفى مدرسة أخرى، عجز تسعة تلاميذ بالصف الرابع الابتدائى عن كتابة أحد حروفها، وظلّت أيديهم ترسم خطوطا على «السبورة».

ورغم توثيق هذه المشاهد بالصوت والصورة قال وكيل وزارة التربية والتعليم فى الفيوم محمود أبو الغيط «أتحدّى وجود تلميذ بصفوف الابتدائى، لا يجيد القراءة والكتابة». ويقول: «زرت مدارس كثيرة واختبرت تلاميذ بالصف الأول الابتدائى كتبوا عبارة أنا تلميذ بالصف الأول الابتدائى»، وأضاف أى تلميذ قادر على كتابة أى عبارة ويجيد كتابة وقراءة الهتاف «تحيا جمهورية مصر العربية» بتشكيل حروفها.

يؤكد الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم أن مشروع القرائية الذى طبقته الوزارة قبل ثلاث سنوات فى المرحلة الابتدائية، بهدف تحسين مهارات القراءة والكتابة لتلاميذ الصفوف الأولى قد حقق أهدافه. ويقول: «إن عدد التلاميذ بالصفوف الأول والثانى والثالث الابتدائى البالغ عدد هم 4،2 مليون على مستوى الجمهورية الذين استفادوا من هذا المشروع يقرأون ويكتبون»، وعند مواجهة معد التحقيق له بما وثقه حول عدم قدرة بعض التلاميذ بتلك الصفوف على القراءة والكتابة، غَضِب الوزير وأنهى الحديث.

أحمد جمال موسى: الإنفاق على التعليم «متدنٍ للغاية»

ويؤكد الدكتور أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم الأسبق أن الإنفاق على التعليم متدن للغاية، وبالتالى، يضيف د. جمال الدين: «لا نبنى عدداً كافياً من المدارس لاستيعاب التلاميذ، فترتفع الكثافات داخل الفصول الدراسية من 50 إلى 70 طالبا، وتصل فى محافظات مثل الجيزة إلى 140 تلميذا فى الفصل الواحد، فلا يستطيع المعلم متابعة كل هؤلاء التلاميذ».

وتتراوح كثافة الفصول فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية بين 40 و60 تلميذا، وفق الإحصائيات الرسمية لمديرية التربية والتعليم فى الفيوم، بما يزيد عن المتوسط الذى اعتبرته الوزارة معياراً فى الوقت الحالى من 5 إلى 10 تلاميذ فى الفصل الواحد، بينما يبلغ متوسط كثافة الفصل فى المدارس الخاصة الابتدائية بالفيوم 23 للإعدادى و29 للابتدائى، وفق كتاب الإحصاء السنوى لوزارة التربية.

ويتساءل مدرس لغة عربية للصف السادس كيف لمعلم أن يسيطر على هذا العدد من التلاميذ داخل الفصل؟ ويؤكد أن زمن الحصة المقرر بـ 45 دقيقة لا يمهله للتواصل معهم. وحتى يحقق ذلك يعطى كل تلميذ أقل من دقيقة بثوان لا تكفى لسؤاله عن فهمه للدرس ولا يتبقّى شيء للشرح.

ويرجع أبو الغيط وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم ارتفاع كثافة التلاميذ فى الفصول الدراسية إلى ارتفاع الكثافة السكانية مع قلة الموارد المالية، فلا يتم إنشاء عدد كاف من المدارس بينما تلتزم الوزارة بقبول كل طفل يبلغ السادسة فى الصف الأول، ولفت أبو الغيط إلى أن رفع موازنة التعليم فى الدستور الجديد إلى 4 % من إجمالى الناتج المحلى سيسهم فى حل هذه المشكلة، فيما تبلغ ميزانية التربية والتعليم 62.7 مليار جنيه (9 مليارات دولار) للعام الحالى 2013/ 2014 وفق أرقام الموازنة العامة للدولة.

يرى الدكتور كمال مغيث الباحث فى المركز القومى للبحوث التربوية أن زيادة ميزانية التعليم لا تفى ببناء عدد من المدارس يستوعب الزيادة السكانية كل عام، مؤكداً أن التعليم قبل الجامعى يحتاج إلى بناء 1000 مدرسة سنوياً بتكلفة تقترب من 5،5 مليار جنيه، وذلك لمدة عشر سنوات قادمة للوصول لحد الأمان من حيث كثافة الفصول.

ويؤكد أن المخصص المالى المرصود لتدريب المعلمين البالغ 10 ملايين جنيه سنوياً لا يكفى لتطوير المعلم، وتأهيله حتى نصل به للمستوى المطلوب مهنياً.

مصدر فى وزارة التعليم أكد أن أجور المعلمين ورواتبهم ستلتهم الزيادة الجديدة فى موازنة العام الدراسى 2014 /2015، إذ إنها ترتفع سنويا بنسبة 10 % وتستحوذ على 85 % من الميزانية. وهكذا فإن الزيادة المرتقبة طبقا لنص الدستور تقدر بحوالى 13 مليار جنيه (مليار و857 مليون دولار) هى ذات القيمة التى زيدت العام الحالى عن سابقه وبلغت 12.6 مليار جنيه.

ويبلغ عدد المعلمين فى مدارس الفيوم 18215 منهم 11739 بالمرحلة الابتدائية يعملون فى 542 مدرسة تضم 7740 فصلا دراسيا ينتظم فيهم 338071 تلميذ وتلميذة. وهناك 6476 معلما فى الإعدادية يعملون فى 286 مدرسة تضم 3336 فصلاً دارسياً، يدرس بها 144918 تلميذا وتلميذة. وتتراوح رواتب المعلمين بين 650 و3400 جنيه، ويضطر المعلم إلى ممارسة أعمال إضافية، ما يؤثر على أدائه داخل الفصل.

وهو ما أقر به إسلام عبدالجبار مدرس ابتدائى (رياضيات)، إذ يقول إنه يرهق من عمله الإضافى على سيارة بالأجر، ما يؤثر على أدائه داخل الفصل الدراسى، ويطبق على نفسه المثل القائل «إيه إللى رماك على المر قالوا إللى أمر منه». يدور يوم عبدالجبار كالساقية بين عمله الحكومى والإضافى يختطف منه ست ساعات بدل أن يريح جسده من عناء البحث عن لقمة العيش لأفراد أسرته المؤلفة من تسعة أفراد.

يصل راتب هذا المدرس إلى 1890 جنيها، وهو يقع تحت خط الفقر بفارق 414 جنيها، وفق تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

فى مقهى يعمل محروس محمد حسين مدرس فصل (ابتدائي) على البوفيه صانع مشروبات بعد انتهاء يومه الدراسى، ويواصل عمله الإضافى الممتد حتى الثانية منتصف الليل، ويختطف ست ساعات للنوم حتى يتمكن من الوقوف بين تلاميذه فى طابور الصباح. راتب حسين لا يتجاوز 1620 جنيها لا تفى باحتياجات أسرته المكونة من ستة أفراد.

خبراء: عشوائية التخطيط وحشو المناهج أبرز الأسباب

جمعة رمضان مدرس ابتدائى اضطر للعمل الإضافى فى مجال الخرسانات المسلحة بسبب عدم كفاية راتبه (1400 جنيه) على توفير احتياجات أسرته المكونة من خمسة أفراد.

معلمون آخرون يعملون فى السمسرة، المواشى والأراضى والعقارات ومن يقود سيارة أو توك توك دفعتهم أجورهم الهزيلة إلى امتهان أعمال إضافية لا تليق بمكانة المعلم الذى أصبح بين أمرين فى غاية الخطورة: أن تكون له المهابة وبين ما يحدث له من مهانة بحسب الدكتور محمد سكران أستاذ أصول التربية فى جامعة الفيوم.

يبلغ عدد المعلمين الحاصلين على مؤهلات عليا فى المرحلة الابتدائية بالفيوم 4448 بينما يبلغ عدد الحاصلين على مؤهلات متوسطة وفوق متوسطة 6722، وفى المرحلة الإعدادية يبلغ عدد الحاصلين على مؤهلات عليا 6010 بينما يبلغ عدد الحاصلين على مؤهلات متوسطة وفوق متوسطة 311، وفق سجلات وزارة التربية والتعليم.

نظرياً، تتوافق مؤهلاتهم مع شروط تشغيل المعلمين والقانون، إلا أن برامج التأهيل غير كافية وقاصرة، بحسب عميد كلية التربية جامعة الفيوم الأسبق د. يوسف سيد.

ويرى سيد – أستاذ ورئيس قسم أصول التربية – أن إعداد الطالب بكليات التربية لا يتم بالصورة المطلوبة، مرجعاً ذلك إلى أن معظم أعضاء هيئة التدريس الذين يدرسون العلوم التخصصية «لا يلتفتون إلى أنهم يشاركون فى إعداد معلم ويأتى طرحهم للمقررات وكأنهم يعدون إخصائى فى الفيزياء أو الكيمياء أو ما شابه ذلك»، فيما تساءل كيف يتأتى لكلية أن تُعد معلما من خلال قبول هذه الأعداد الضخمة؟.

بينما أكد «سيد» أن عدد المسجلين فى الكلية هذا العام من حملة المؤهلات غير التربوية – مثل خريجى كليات الآداب من العاملين فى التربية والتعليم وغيرهم ممن يرغبون فى الحصول على دبلوم التأهيل التربوى للعمل فى مهنة التدريس- تجاوز 4000 طالب وطالبة فى حين أن الطاقة الاستيعابية لا تقبل أكثر من 500 طالب حتى يتاح لهم التدرب باحتراف. يضاف إلى هذا العدد قرابة 3000 طالب وطالبة يدرسون فى صفوف الكلية. وهكذا لا يتيح للطالب التدرب فى معامل التدريس المصغر بدرجة تجعله يُجيد فنيات التعليم. ولا يتاح له التدرب أيضا فى معامل علم النفس لاسيما القياس النفسى وتقويم شخصية الطلاب فى المدارس.

وكشف بحث علمى أعده الدكتور عبدالرحمن كامل أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية فى كلية التربية – جامعة الفيوم فى 2006 أن إعداد معلمين متخصصين فى اللغة العربية يغلب عليه الطابع الشكلى، وسط شعور خريجى تلك المؤسسات بالفجوة بين إعدادهم الأكاديمى الهش وما يواجهونه فى حياتهم العملية من مواقف.

وتبلغ ميزانية تدريب المعلمين خلال العام الدراسى الحالى 10 ملايين جنيه للإنفاق على تدريب 350 ألف معلم ومعلمة، بحسب مصدر مسؤول داخل الأكاديمية.

ويشير المصدر إلى أن 150 ألفاً منهم تلقوا تدريباً منذ بداية العام الدراسى من 14 سبتمبر وحتى 9 يناير الماضى على أن يتم تدريب سائر المستهدفين البالغ عددهم 200 ألف معلم ومعلمة خلال الفصل الدراسى الثانى من العام الحالى.

فى استبيان سأل من خلاله معد التحقيق معلمين حول مدى نجاعة الدورات التدريبية فى تحقيق أهدافها، أجاب 35 من 130 معلما استطلعت آراؤهم أنها «تساعد» فيما رأى 57 معلما بنسبة أقل من 25 %، فيما رأى 38 أنها تساعدهم بنسبة أقل من 50 %.

ورغم أهمية الدورات التدريبية فى الجانب التطبيقى للمعلم، حسب تأكيد الدكتور محمد سكران فإنها لا تتم بالصورة المطلوبة التى تحقق الهدف منها فى تطوير المعلم مهنيا.

ويؤكد معلمون أن محتواها مجرد محاضرة شكلية يشارك فيها مئات المعلمين تبدأ وتنتهى دون إفادة مرجوة منها.

محمد عبد الباقى حجازى مدير مرحلة بالتعليم الابتدائى أكد أن الرقابة على العملية التعليمية شبه منعدمة وتسير بنظام «تستيف الأوراق وكله تمام».

وتظهر مقاطع صوت وصورة تمكن معد التحقيق من رصدها داخل لجان امتحانات الشهادة الإعدادية النهائية وجود خلل فى الرقابة، أدّى غيابها إلى انتشار الغش بين التلاميذ بطريقة جمعية، بل ذهب المراقب إلى حل الأسئلة للتلاميذ سامحا لهم بنقل الإجابات فيما بينهم.

كما تظهر مقاطع أخرى داخل لجان تصحيح أوراق إجابات تلاميذ الشهادة الإعدادية ثبات قلم المصحح على درجة معينة دون النظر إلى الإجابة، إذ يقوم بتقدير الدرجة فى مدة لا تتجاوز ثلاث ثوان لكل سؤال بما لا يمهله للنظر إلى الإجابة.

رصد حالات الغش الجماعي.. ومعلمون يكتبون الإجابات بدلاً من التلاميذ

ورغم رصد حالات غش وتجاوزات فى التصحيح، ينفى أبو الغيط وجود غش بين التلاميذ. ويقول: «يتم تشكيل غرفة عمليات لمتابعة سير الامتحانات ولم تتلق أى شكوى بوجود غش جماعى. كما أن لجان المتابعة المنوط بها مراقبة لجان الامتحانات لم ترصد أية حالة غش على مستوى مدارس المحافظة».

الخطط تتغير بتغير الوزراء، فلا توجد خطة ثابتة تسير عليها وزارة التربية والتعليم، بل ترجع لهوى الوزير، حسبما يرى الدكتور محمد سكران. ويقول لكل وزير قرارات تسير عليها الوزارة خلال فترة توليه مهامها، مؤكدا أن عدم وجود استراتيجية يسير عليها الوزراء المتعاقبون يربك العملية التعليمية. يدلل على ذلك قرار إلغاء الصف السادس عام 1988 فى عهد د. أحمد فتحى سرور وجعل سنوات الدراسة فى المرحلة الابتدائية خمس بدلا من ست، ثم قرار عودتها عام 1999.

حقيبة التعليم أُسندت إلى تسعة وزراء فى سبع حكومات منذ عام 2000، بمعدل وزير كل سنة ونصف. كان وقتها الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزيراً للتربية والتعليم تلاه د. أحمد جمال الدين ثم د. يسرى الجمل. جاء بعده د. أحمد ذكى، ثم أُسندت إلى د. هانى هلال قبل أن تؤول إلى د. أحمد جمال الدين ومنه إلى جمال العربى، ثم إبراهيم غنيم وأخيراً د. محمود أبو النصر.

يقول د. أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم الأسبق إن الوزارة تسير على خطة خمسية مع خطة الحكومة، لكن من حق الوزير اتخاذ قرار يرى فيه بعد دراسته «صالح العملية التعليمية».

عشوائية القرارات تتجلى فى تضارب قرارات أصدرها وزراء متعاقبون، ففى حين قرّر د. إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم السابق اعتبار الصف السادس الابتدائى سنة نقل عادية مثلها مثل صفوف الحلقة الابتدائية وليس شهادة إتمام مرحلة. واستند فى ذلك إلى مخالفتها المادة 18 من قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 التى تنص على شهادة التعليم الأساسى ولا يوجد فيه ما يسمى بالشهادة الابتدائية. كما برّر قراره بالتخطيط لترشيد الإنفاق بالنسبة للوزارة، لما يوفر إلغاء الشهادة الابتدائية من أموال تنفق على إجراءات امتحاناتها، إلى جانب أنها تساعد فى محاصرة الدروس الخصوصية التى تفشت فى الصف السادس لكونه شهادة.

أما الوزير الحالى د. محمود أبوالنصر فقرر إلغاء قرار سابقه والإبقاء على الصف السادس شهادة وليس سنة نقل عادية، مستندا إلى استطلاعات رأى أجرتها الوزارة وأكدت ضرورة الإبقاء عليها وأهميتها بالنسبة للتلميذ فى هذه المرحلة. بينما يرى د. محمد سكران أن المناهج الدراسية بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية هى مناهج معلومات وليست معارف، تغيب عنها مجالات حقوق الإنسان ولا تعمل على تعميق مفهوم الولاء والانتماء للوطن. ويطالب د. سكران بأن يرتكز التعليم فى مناهجه ليس فقط على تحصيل المعرفة لكونها متغيرة، وإنما كيفية تعليم التلاميذ المنهجية التى من خلالها يستطيعون اكتساب هذه المعرفة. ويرى أن غياب ذلك عن المناهج «يساعد فى تكريس ثقافة الاتباع والحفظ والاستظهار ومحاربة ثقافة الإبداع».

وفى بحث أعدته فى 2010، تفيد د. وسام عبد المعطى – مدرس علم النفس التربوى بكلية التربية جامعة/ الفيوم – بأن ضعف المناهج أفضى إلى انتشار ظاهرة ضعف القراءة والكتابة بين تلاميذ المرحلة الابتدائية، إذ رصدت الظاهرة فى 26 مدرسة ابتدائية حكومية بمحافظة بنى سويف، كانت عينة البحث ممثلة للمجتمع ومن جميع مستويات التعليم، وتم تطبيقها فى هذه المحافظة تحديدا نظراً لارتفاع نسبة المواليد بالنسبة لشمال الصعيد تقريباً وحتى تكون ممثلة للمحافظات المجاورة لها بخاصة الفيوم والمنيا.

ويشتكى عبدالعزيز إبراهيم حسين موجة أول اللغة العربية من «حشو زائد فى المناهج»، فيما يرى معلمون أنها لا تساعد الطالب على الابتكار والإبداع وتتدخل فيها توجهات النظام الحاكم. يدللون على ذلك بتعديل أجزاء منها فى عدد من موادها فى عهد النظام السابق (بقيادة الإخوان المسلمين)، مثلما أُضيف إلى مادة التربية الوطنية درس «أهل الذمة وحقوقهم فى الدولة» فى مقرر الصف الثالث الإعدادى، إضافة إلى تغيير بعض الكلمات فى عدد من الدروس مثل كلمة الإخوة التى اُستبدلت بالإخوان: ألغيت هذه التعديلات بعد رحيل ذلك النظام (فى يونيو 2013) واستبدلت بتعديلات جديدة.

لم يكن مستوى عبد المعطى الضعيف – وفق نتائج امتحاناته من صف إلى صف التى لم تتجاوز 51 % طوال سنوات تعليمه- هى السبب الوحيد وراء عدم تمكنه من القراءة والكتابة، إذ يظهر مستند رسمى صادر عن إدارة التدريب التابع لمديرية الصحة فى الفيوم حصول طالبات على صفر ورسوب نسبة كبيرة منهن فى اختبارات الإملاء التى يجريها معهد التمريض فى الفيوم، كشرط تأهيل للطالبات المتقدمات للالتحاق به من حملة الشهادة الإعدادية اللائى اجتزن امتحاناتها بنسب مرتفعة تتراوح بين 75 و 99 %، إذ رسبت 39 طالبة وحصلت 5 طالبات على صفر فى امتحان الإملاء، جميعهن كن من أوائل مدارسهن فى الشهادة الإعدادية.

فى ضوء هذا العوار، باتت العملية التعليمية كماسورة تمر منها المياه دون النظر إلى نوعيتها، بحسب توصيف خبير التعليم د.كمال مغيث، مؤكدا أن الاستمرار على هذه النوعية من التعليم لا تحقق الأهداف القومية المنشودة منه.

تم اعداد هذا التحقيق الاستقصائي بدعم من شبكة أريج اعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية www.arij.net ضمن برنامج تدعيم الإعلام لتغطية قضايا الإدارة العامة في المحافظات


تعليقاتكم

رد واحد على “مدارس تخرج طلبة لا يقرأون ولا يكتبون”

  1. يقول Ashley:

    I’ve been browsing online more than three hours today, yet I never found any interesting article like yours. It is pretty worth enough for me. Personally, if all webmasters and bloggers made good content as you did, the web will be a lot more useful than ever before.|

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *