عدم تطبيق القانون يحرم ذوي الحاجات الخاصة من حقوقهم

5 ديسمبر 2016

تحقيق: هلا نصرالدين ورنا بوسعدى

الحياة -تواجه مينرفا بستاني (34 سنة)، صعوبات جمّة في إيجاد وظيفة لائقة وهي التي دقّت أبواب العديد من الوزارات، منها وزارتا الماليّة والشؤون الاجتماعية. فكانت دائماً تتلقّى الجواب نفسه: «لا توجد فرص عمل الآن».

بستاني التي فقدت بصرها في الـ17 من عمرها نتيجة «ضغط في العيون»، لم تُجبر على مواجهة مشكلتها فحسب، بل اضطُرّت الى مواجهة المجتمع وقسوته أيضاً. وتقول بستاني، وهي حائزة شهادة جامعيّة وشهادة دبلوم في علم النفس: «يعاملني الناس كأنّي ناقصة، وأسمعهم دائماً يقولون يا حرام»، لافتة الى لعب الوساطات دوراً كبيراً في استفادة ذوي الحاجات الخاصة من فرص التوظيف الضئيلة أصلاً.

أما مهى شعيب، فلم تكن مقابلات العمل التي تجريها تطول كثيراً. ففور ملاحظة أرباب العمل أنّها من ذوي الحاجات الخاصّة، كانوا ينهون المقابلة متذرّعين بأنّ مبانيهم غير مؤهلة لاستقبالها.

شعيب، الحائزة دكتوراه في التعليم من جامعة كامبريدج العريقة، وتعمل اليوم في الجامعة اللبنانية الأميركيّة (LAU) في بيروت، تستخدم كرسياً نقالاً بعد شلل أصيبت به نتيجة حادث.

واجهت شعيب مشكلة أخرى في بداية عملها، لأن المبنى حيث تعمل يقع على الطريق العام مقابل الجامعة، وهو غير مؤهل. وبما أنّ إدارة الجامعة تحمّل بلديّة بيروت مسؤوليّة تجهيزه، اضطرّت شعيب الى أن تتولى المهمة بنفسها. فقصدت المبنى مع عامل بناء أثناء عطلة نهاية الأسبوع وأضافت هامشاً يسمح لها بالمرور.

ولا يفيد كثيراً أصحاب الحاجات الخاصة إصدار الدولة اللبنانية القانون 220 في أيّار (مايو) 2000 لضمان حقوقهم، خصوصاً الحق بالعمل اللائق، وفرض كوتا 3 في المئة لتوظيفهم في القطاع العام أو توقيع لبنان اتفاقاً مع الأمم المتحدة، في حزيران (يونيو) 2007 في هذا الشأن.

فالاتفاق لا يزال حتى اليوم معلقاً بانتظار المصادقة عليه، تماماً كما تطبيق القانون غائب، مع ما يعنيه ذلك من خسارة كفاءات وتهميش مهني وسياسي واجتماعي لفئة تحال قسراً الى كونها «عالة».

تجربة ر.ر. (رفضت الكشف عن هويتها) لم تكن أقلّ قسوة، فبعد إتمامها دراستها في اختصاص الترجمة، تقدّمت بطلب عملٍ الى شركة ترجمة أفلام. غير أنّ المدير رفض طلبها متذرعاً بأنه «لا يمكنه توظيف أشخاص معوّقين»، علماً أن ابنة التاسعة والعشرين تعاني من شلل أطفال جزئي يجعلها تعرج، لكنها لا تحتاج الى أي إنشاءات خاصة.

والواقع، أن المعاناة تمتد لتشمل النظرة الاجتماعية السلبية وغير المتعاونة. تخبر ر.ر. حادثة عالقة في بالها، وأثرت فيها كثيراً فتقول: «كنت عائدة إلى المنزل سيراً على الأقدام، فمرّت بجانبي سيدة تحاول تهدئة طفلها الذي يبكي. فما كان منها إلا أن هددته بأني سآكله إن لم يسكت!».

وتضيف شعيب: «كان لدي موعد مع رئيس بلدية بيروت السابق، فوجدت المصعد معطّلاً كما هو في معظم الأحيان، فاضطررت الى المغادرة، لأن رئيس البلدية رفض أن ينزل لملاقاتي، وهو في رأيي أمر مهين جداً».

وإذا كانت الأمثلة السابقة الذكر «محظوظة» نوعاً ما، بتلقّيها تعليماً عالياً وبحثها عن فرص عمل جيدة، إلا أن أكثر من 400 ألف مواطن لبناني يواجهون تحدّيات مشابهة إن لم تكن أكثر صعوبة.

فوفق التقرير الدوري الشامل (UPR) الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، فإن 10 في المئة من سكان لبنان، مصابون بإعاقة جسدية أو عقلية (أي نحو 400 ألف)، علماً أنّ حوالى 7.9 في المئة من مجموع المعوّقين في لبنان هم من مصابي الحرب، وذلك إثر الحرب الأهلية اللبنانيّة وحرب الـ2006 على السواء. إلا أنّ حوادث السير المتعدّدة أسفرت أيضاً عن ارتفاع عدد المعوّقين، لكن نتائج هذه الحوادث تبقى غير موثّقة بالأرقام حتى اليوم.

وما لم يتوافر التعليم والعمل، يتحول هؤلاء تلقائياً إلى عبء مالي واجتماعي إضافي على أسرهم والميزانية العامة، لكنْ للأسف شيء من ذلك لا يتحقق.

فالاستهتار بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة يطاول مختلف الأصعدة والمراحل العمرية، لأن معظم المباني السكنية والمؤسّسات الحكوميّة من المدارس وصولاً إلى المستشفيات، غير مؤهل لاستقبالهم أصلاً، فكيف بدمجهم ضمن القوى العاملة؟ وكشفت معاينة ميدانية لـ12 مبنى حكومياً، بينها وزارة السياحة ووزارة المالية (فرعان)، ووزارة الداخلية ومبنيان للضمان الاجتماعي ومبنيان لتعاونية موظفي الدولة، وقصر العدل، ومصرف لبنان في بيروت ودائرتا النفوس في عاليه وبكفيا (كنموذجين خارج العاصمة) عن عدم توافر شروط التأهيل اللازمة. تشذ جزئياً عن تلك القاعدة وزارة الشؤون الاجتماعية التي تعتبر الى حد ما أفضل من غيرها، ومبنى الضريبة على القيمة المضافة التابع لوزارة المالية، حيث المدخل والأروقة والمصاعد مجهزة، لكن المكاتب لا تتّسع لكرسي متحرّك كما أنّ مكاتب الاستعلامات أو «الكونتوارات» مرتفعة جدّاً.

وإذ أظهرت المعاينة الميدانية أنّ الأوضاع تختلف كثيراً بين المناطق والعاصمة، إلا أن الفوارق بين وسط بيروت ومحيطها كبيرة أيضاً ليس فقط لجهة الأبنية وإنما أيضاً لجهة تأهيل الشوارع والأرصفة والمساحات العامة. فبالنسبة الى المؤسسات الحكومية (منطقة الشوف نموذجاً)، تبيّن أنها غير مؤهلة بتاتاً ومن ضمنها حتى المستشفيات! فمستشفى الرعاية الصحية في بيت الدين مثلاً، في حالة يرثى لها، علماً أنه المستوصف الحكومي الوحيد الذي يخدم هذه المنطقة، فيما أقرب مركز صحي آخر هو مستشفى سبلين الحكومي الذي يبعد نحو 35 كلم.

أما عن الفوارق الهائلة داخل بيروت، فهناك من يرى أنّ السبب الرئيسي فيها هو أن التركيز انصب على منطقة «سوليدير» في الوسط التجاري لجعلها تنال الاعتماد الدولي، على حساب إنماء الأحياء الأخرى.

ويروي محمّد كريم (24 سنة)، وهو كفيف جزئي، معاناته في هذا الإطار، فيقول: «ما من جورة إلّا وحفظتها! حتى أنّي وقعت ذات مرّة في فوهة الصرف الصحي بالقرب من منزلي».

وتكشف شعيب أنّ الحملة التي قام بها المجتمع المدني في منطقة الحمرا لتأهيل الأرصفة وحجز مواقف خاصة بالمعوقين، كانت مموّلة في معزل عن البلديّة. ومع ذلك، واجه الناشطون صعوبة هائلة في التعاطي مع البلدية، و»استمرّينا في التوسّل إليهم لسنتين ونصف السنة ليوافقوا على إجراء الأعمال، علماً أنّه لم يتوجّب عليهم دفع فلس واحد» كما تقول.

واللافت أنّه بعد حرب تموز (يوليو) 2006، أعادت الدولة إعمار العديد من المؤسّسات الرسمية والإدارات العامة، غير أنّها لم تلتزم بالشروط الموجبة وفقاً لـ»مرسوم يرمي الى تحديد المعايير الهندسية الواجب فرضها على تراخيص البناء لتأمين بيئة حاضنة لذوي الاحتياجات الخاصة»، الصادر عام 2011، والذي أصبح جزءاً من قانون البناء. وتضمّ هذه الشروط «ألا يقلّ العرض الحرّ لفتحة أي باب عن 90 سم، ألا تقلّ أبعاد المصعد الداخلية عن 110 سم × 140 سم، أن تؤمَّن وحدة سكنية على الأقل مخصّصة لاستعمال الأشخاص المعوّقين لكل 20 وحدة سكنية في المشاريع السكنية، أن يتوافر في المباني ذات الاستخدام العام حمام واحد على الأقل في كل طابق بأبعاد لا تقل عن 250 سم × 250 سم…». وتتحمّل وزارة الأشغال والبلديات مسؤوليّة مراقبة تطابق الأبنية الحديثة مع الشروط المذكورة، لكن ذلك بقي في غالبه حبراً على ورق.

وفي مسألة التوظيف وتأهيل أماكن العمل لإدماج موظفين معوقين (ضمن الكوتا المفروضة)، يرى زياد عبدالصمد، المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (ANND)، أن الدولة لا تزال تحاول تحقيق الأهداف المرجوة، رابطاً عدم كفاية جهود الدولة بغياب مراسيم تطبيقية.

وتعتبر المؤسسة الوطنية للاستخدام المسؤولة المباشرة أمام الدولة لتأمين فرص عمل للمواطنين، بمن فيهم ذوو الحاجات، وذلك في القطاع الخاص. إلا أنّها على ما تقول رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين سيلفانا لقيس: «مهمّشة جدّاً. فليس لها فريق عمل ملائم وموازنتها تتقلّص عاماً بعد عام حتّى أصبحت كميزانيّة جمعيّة».

وهذا ما أكّده أيضاً مدير عام المؤسسة، جان أبي فاضل الذي أعلن أنّ ميزانيّة المؤسسة انخفضت إلى 150 مليون ليرة لبنانية (ما يقارب 100 ألف دولار). ويضيف أبي فاضل أنّ «المؤسسة تعرض نحو ألف وظيفة في السنة، يحصل ذوو الحاجات الخاصّة على نحو 10 في المئة منها». وتكمن «المشكلة الفعلية»، وفق كل من عبدالصمد ولقيس، في أن الدولة لم تقرّ موازنة خاصة من أجل سياسة الدمج وتقديم الخدمات للمعوّقين، وهو ما ترجعه لقيس الى الهدر وغياب الاهتمام، فيما يعتبر عبدالصمد أن السبب هو في عجز الموازنات.

وإذ يُنتظر من الجمعيّات المعنيّة بحقوق المعوّقين أن تملأ بعضاً من الفراغ الذي يخلفه تقاعس الدولة، غير أنّ هذه الجمعيات غالباً لا تحظى بثقة المعوقين أنفسهم. ويقول كريم: «الصخب الإعلامي يميت الجمعيّات. فالكلّ يبحث عن مصلحته الخاصّة تحت غطاء الاعتناء بالمعوّقين».

وتوافق شعيب كريم، منتقدةً العمل الذي تقوم به بعض الجمعيّات في لبنان. فتقول: «من واجب الجمعيّات أن تقوم بالضغط في شكلٍ أكبر لفرض تطبيق القوانين»، وليس لاستعطاف الناس على حال المعوقين، مشددة على أهمية مقاطعة الأماكن غير المؤهلة.

ويشير عماد الدين رائف، المسؤول الإعلامي في اتحاد المقعدين اللبنانيين، الى أنّ «مجلس الخدمة المدنية يعلن عن فرص العمل المتاحة في القطاع العام. على رغم أنّ الجميع يمكنهم تقديم طلب للحصول على وظيفة، لكن قليلاً ما يتم اختيار الأشخاص ذوي الإعاقة «. ويضيف رائف أن موظفي المجلس أنفسهم يستخدمون عبارات مهينة، مثل كلمة «تشوه»، التي حُظّر استخدامها أصلاً بفضل القانون 220. في المقابل، تؤكد رئيسة الدائرة في المجلس، جمال نصّار، أنّ تعيين الموظفين في القطاع العام ليس من صلاحيات المجلس، بل من يقوم بذلك هم الوزراء أنفسهم. لذلك يختلف تطبيق الكوتا بين وزارة وأخرى ومرفق عام وآخر، وفق كلّ وزير.

الحق في التعليم

وإذ تكفل المادة 59 من القانون نفسه، «حق كل معوق في الحصول على التعليم، بما فيه تكافؤ الفرص التعليمية لجميع الأشخاص المعوقين والأطفال والكبار، في جميع أنواع المؤسسات التعليمية، بخاصة في المدارس العادية». لكن الواقع يشير الى أن 0.04 في المئة فقط من المدارس مجهّزة لاستقبال ذوي الحاجات ويبلغ عددها 6 فقط من مجموع مدارس لبنان الرسمية، وفقاً لـ «تقرير التدقيق الميداني في مدى أهلية المدارس والثانويات الرسمية»، الصادر عن اتحاد المقعدين اللبنانيين في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، مع الإشارة الى أن التأهيل يجب أن «يشمل الدمج وتأهيل المناهج وتدريب الأساتذة وليس فقط بناء المباني» وفق لقيس.

وتفيد تجربة كريم بأنّ الأساتذة، لا سيما في التعليم الرسمي، ليسوا مؤهّلين ويتعاملون كغالبية أفراد المجتمع. فأثناء تقديمه امتحان البكالوريا، لم تُكتب على ورقته كلمة «خاص» للفت انتباه المصحّح. كما أنّ الأستاذ الذي طلب منه كتابة الإجابات كان يتذمّر باستمرار، مدّعياً أنّ على كريم الحصول على إعفاء من الامتحان «لأنّ لديه مشكلة». ولفت كريم إلى أنّنا كمجتمع، نتبادل أحيانًا أقوالاً عفويّة وشائعة مثل عبارة «العقل السليم في الجسم السليم»، بلا معرفة تداعياتها وآثارها على المعنيين بها.

هذا ويستفيد لبنان من منحة قدمها البنك الدولي بقيمة 20 مليون دولار في إطار «مشروع تنمية المجتمع» بين عامي 2001 و2008. خُصّصت 5 في المئة من هذا المبلغ، أي مليون دولار، لوزارة التربية اللبنانية من أجل تأهيل 10 مدارس في شكل كامل. إلا أنّ التدقيق الميداني الموثّق الذي قام به الاتحاد ونشر تقريره في 4 تشرين الثاني 2015، أثبت «عدم وجود أي تجهيزات هندسيّة دامجة في المدارس والثانويات منذ المسح الميداني الذي قام به الاتحاد بين 2008 و2009»، مفيداً بأنّ الحال ما زالت كما هي «من دون أي تغيير إيجابي»، ليبقى السؤال مطروحاً حول هدر هذه المبالغ.

ويؤكّد المهندس المعماري الأستاذ في الجامعة اللبنانية والاستشاري في شؤون المقعدين، بشار عبدالصمد، أن «ليس هناك مبنى إلا ويمكن تأهيله»، والتأهيل يضمّ الأروقة والمداخل والمراحيض. أمّا التكلفة فـ»لا تتخطّى 1 في المئة من كلفة المبنى نفسه»، بالتالي التكلفة ليست ذريعة مقنعة.

وتقول لقيس: «قدّم الاتحاد مشروعاً لتأهيل جميع مدارس لبنان بقيمة 4 ملايين دولار سنويّاً لمدّة 12 سنة، أي 48 مليون دولار، ولم يؤخذ بهذا الاقتراح، بينما تدفع الدولة نحو 40 مليون دولار سنوياً لـ8 آلاف شخص فقط على شكل خدمات من مؤسسات متعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية».

ويؤكد المهندس عبدالصمد أنّ على التنظيم المدني مراقبة تطبيق قانون البناء، مقترحاً على كلّ صاحب حاجة أو مصلحة يرى أنّ هناك مبنى (حديثاً) لا تتوافر فيه الشروط، أن يرفع دعوى ضدّ صاحب البناء. لكن لم ترفع حتى الآن أي دعوى في هذا الشأن لمعرفة نتيجتها واعتبارها سابقة يبنى عليها».

الحق في المشاركة السياسية

عدم تأهيل المدارس للتعليم، ثم جعلها مراكز اقتراع في الانتخابات البلدية أو التشريعية، يؤديان الى منع المعوقين من المشاركة، ما يحرمهم حقهم في المشاركة السياسية التي يكفلها القانون، نظرياً.

وعلى سبيل المثل، أجريت الانتخابات البلدية في ربيع 2016، من دون أي تأهيلات. وفيما تصفه لقيس «أسوأ استراتيجية ممكنة»، أصدرت الدولة قراراً يقضي بتكليف القوى الأمنية الموجودة في المراكز بحمل ذوي الحاجات الخاصة الى غرف الاقتراع، وهو ما تمنّع عنه كثيرون من المعوقين أنفسهم أو من القوى الأمنية.

ويروي كريم تجرته في الانتخابات البلديّة الأخيرة، قائلاً: «لم يُوفّر لي مرافق، عكس ما ينصّ القانون. وحين طالبت موظّف الأمن العام بذلك، مبرزاً بطاقة التعريف الخاصّة، جاء ردّه: «شو ع راسك ريشة؟!».

الحق في التنقّل

ويبقى التنقّل العائق اليومي الأصعب لذوي الحاجات الخاصة. وتقول شعيب التي تقود سيارة مجهزة وتحتاج أحياناً الى أن تستقل سيارة أجرة: «لا أخبر شركات النقل مسبقاً بأنني من ذوي الحاجات الخاصة كي لا يرفضوا إرسال سيارة. ما أقوم به هو طلب سيارة منخفضة الارتفاع».

صحيح أن القانون 220 نص أيضاً على حقّ المعوّقين بالتنقّل من خلال تأهيل 15 في المئة من وسائل النقل العامة وتخصيص مقاعد خاصة لهم واستفادتهم مجاناً منها، إلا أنّ هذه الحقوق غير مكفولة، وفق «المراجعة النقديّة في التشريع والتطبيق للقانون 220/2000» الصادرة عن اتحاد المقعدين اللبنانيين، والتي أعدها المحاميان نزار صاغيّة وغيدا فرنجية في 5 شباط (فبراير) 2013. أمّا تخصيص مواقف عامة للمعوقين والحق في الحصول على رخص سوق، فدونهما صعوبات كثيرة.

ويفترض مثلاً، أن يحصل المعوّق على إعفاءات جمركيّة لشراء سيّارة مجهزة كل خمس سنوات. وبناءً على دائرة الإعفاءات في الجمارك، يتمّ إعفاء ذوي الحاجات الخاصة من دفع الجمرك إضافة الى 10 في المئة من قيمة الضريبة على القيمة المضافة و15 في المئة من وضع الاستهلاك. لكن ليست هناك أي أرقام رسمية لعدد الإعفاءات أو قيمتها.

وفي هذا السياق، ابتكر المواطن شربل دغفل، الذي خسر قدرته على المشي منذ 17 سنة في حادث سير، سيارة خاصة بذوي الحاجات wheelchair taxi، كلفتها لا تتعدى 12 ألف دولار، من أجل تخفيف عناء ركوب السيارات العادية، لكنّ أحداً لم يلتفت الى مشروعه. ويقول: «لم أعرض المشروع على جهة رسمية، لكنّه بات معروفاً، وإذا أتى أحدهم لتبنّيه فأنا مستعدّ أن أشاركه مجّاناً».

البعد السياسي للانتهاكات

والحال أنه لا يمكن فصل التقصير في تطبيق القانون 220/2000 عن أزمة النظام السياسي اللبناني نفسه. فقد سبق أن أصدر كلٌّ من رئيسي الوزراء السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، مرسوماً لتنفيذ القانون والتصديق على الاتفاق الدولي باعتبارهما أولوية في جدول أعمال حكومتيهما. لكن بعد حل الحكومتين، تجاهل البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمّام سلام الموقتة موضوع حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فتوقّفت الإجراءات المتّخذة لتنفيذ بنود القانون.

وعلاوة على ذلك، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي استلم كلّ من وائل أبو فاعور وعلي حسن خليل ومحمد الصفدي، وزارات الشؤون الاجتماعية والصحة والمالية على التوالي. في ذلك الوقت، كانت لديهم خطة شاملة لتنفيذ القوانين ذات الصلة وضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ثم، في الحكومة اللاحقة، انتقل أبو فاعور الى وزارة الصحة وشغل خليل منصب وزير الماليّة واستلم رشيد درباس وزارة الشؤون الاجتماعية، لتذهب تلك الوعود أدراج الرياح، من دون أن يطرح أيّ من الوزراء الحاليين وضع حقوق المعوّقين مرة أخرى.

بطاقة الإعاقة وتقرير الدولة

تؤكد الدولة اللبنانية في تقريرها المرفوع إلى الأمم المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 أن «الأشخاص ذوي الإعاقة يتمتّعون بالتغطية الطبية بنسبة 100 في المئة»، نافية المزاعم القائلة بعكس ذلك. وأوضح التقرير أيضاً أن الدولة «اتّخذت تدابير في 2011 تهدف إلى الاعتراف بالأشخاص ذوي الحاجات الخاصة في مسابقات التوظيف في القطاع العام»، معترفة بأن «الجهود لا تزال غير كافية ولم ترق بعد إلى الآمال والتطلعات المستثمرة فيها».

ووفق القانون 220، يحق للأشخاص المعوقين الحصول على «بطاقة الإعاقة»، التي تمنحهم خدمات اجتماعية وطبية عدّة، وهي تصدر عن وزارة الشؤون الاجتماعية. ووفق مصادر في الوزراة، تم توزيع 92 ألف بطاقة عبر الأراضي اللبنانية، لكن مشكلة أخرى تبرز لأن «غالبية المستشفيات لا تعترف بها» وفق رائف. وهو ما توافقه فيه ر. ر. التي وصفت البطاقة بـ«الوعد الفارغ»، مضيفة: «الكثيرون من معارفي لم يكونوا يعلمون بأمر البطاقة أصلاً».

وإلى ذلك، يبرر التقرير سوء تطبيق نظام الكوتا في التوظيف بأنّ وزارة العمل لا تحجب براءة الذمّة المعطاة مـن جانب الضمان الاجتماعي عن المؤسسات الخاصة المخالفة للقانون ولا تفرض عليها أية غرامات مالية، بالتالي، لا شيء يمنع تلك الشركات من عدم تطبيق القانون. أمّا في القطاع العام، «فيتمّ التوظيف وفقاً لمسابقة مجلس الخدمة المدنية».

لكن، في تعارض واضح، تقول المسؤولة عن مصلحة شؤون المعوقين في وزارة الشؤون الإجتماعية، ماري الحاج، أنه «منذ إقرار قانون 220، ليس هناك آلية تطبيق واضحة».

أرسلت منفّذتا التحقيق الأسئلة لمكتب وزير التربية والتعليم العالي، الياس بو صعب، وحاولتا التواصل مع مكتب الأمانة العامة في «تيار المستقبل»، وبعد نحو أسبوعين لم تتلقّيا أي ردّ من المعنيّين. ولكن، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الاتحاد اللبناني للمقعدين بدأ أخيراً بالتنسيق مع جمعيّة «المفكرة القانونية» غير الحكومية العمل لإلزام الدولة بتنفيذ القانون.

* أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية(أريج) www.arij.net وبإشراف الزميلة بيسان الشيخ