تضارب في الآراء حول دستورية وقانونية (الكازينو)

23 مارس 2011

العرب اليوم – ساندرا حداد – تحول مشروع “الكازينو” الغامض إلى لعنة طاردت ثلاث حكومات مذ تكشفت خيوط الصفقة مع شركة “أويسيس” المفترض أن تكون “سرية” أواخر عام ,2007 بعد أيام على استقالة حكومة معروف البخيت الأولى (2005-2007). وفي أول قرار لحكومته الثانية, أحال البخيت في 12 شباط 2011 ملف الكازينو إلى هيئة مكافحة الفساد, وسط مطالب شعبية, حزبية ونيابية بتعقب قضايا فساد, لا سيما خفايا هذا العقد المبرم مع شركة مسجلة في جزر العذراء البريطانية قبل شهرين من دخولها في اتفاق مع الأردن (إطار- 1/ معلومات عن الشركة والمستثمر).

عرف الأردنيون عن مشروع الكازينو أول مرّة في 30 آذار 2008 من خلال تسريب نشرته “العرب اليوم” حول قيام حكومة نادر الذهبي بـ “إلغاء” عقد كازينو أبرمته الحكومة السابقة في 12 أيلول 2007. في تصريحات معاكسة, أكد البخيت أن حكومته هي التي بادرت لـ “تجميد” العقد بتاريخ 6 تشرين الثاني 2007 ). تمهيد قانوني إجراءات الترخيص, استندت إلى قرار للمجلس الوطني للسياحة أجاز ترخيص الكازينو وبالتالي مهد لتوقيع الاتفاقية (إطار- 8/ القرار). كان يشترط نشر قرار المجلس بالجريدة الرسمية, بحسب الاستشارة التي قدمّها محامي وزارة السياحة ربيع حمزة (إطار-9). لكن المعلومات التي حصلت عليها معدة التحقيق من رئاسة الوزراء تؤكد أن ذلك القرار لم ينشر في الجريدة الرسمية.

كما أن محاضر الجلسة التي اتخذ فيها القرار لم تؤرشف, على غرار سائر جلسات المجلس, بحسب رد رئاسة الحكومة على طلب حق الحصول على المعلومة يتصل بتحقيق أشرفت عليه شبكة أريج (إطار-10). عضو في المجلس الوطني, الذي يجتمع نادرا, يستذكر كيف طلب وزير السياحة الأسبق الدباس من أعضاء المجلس الموافقة على قرار بـ “إضافة الكازينو إلى المهن السياحية”, وتم تمرير نص القرار بسرعة على الأعضاء لتوقيعه, حتى أن عددا منهم بالكاد قرأوه, حسبما يوضح.

حاولت كاتبة التحقيق مقابلة الدبّاس عدّة مرات لكن من دون جدوى. احدى الاستشارات المؤيدة لإقامة كازينو استندت إلى قرار السماح بترخيص كازينو في منطقة العقبة الاقتصادية, مطلع العقد الماضي. لكن أحد القانونيين البارزين يجادل بأن أي قرار خاطئ لا يبرر ارتكاب أخطاء قانونية لاحقة ( اطار-11/ قرار تفسير ديوان التشريع والرأي حول كازينو العقبة).

عدم دستورية الاتفاقية قانوني بارز ومسؤول سابق قدم استشارة مجانية لحكومة البخيت قبل توقيع الاتفاقية يؤكد: “عدم جواز ترخيص كازينو على أراضي المملكة كافة وداخل مياهها الإقليمية (في إشارة إلى خليج العقبة), حتى لو أدرج ضمن المهن السياحية بموجب قانون السياحة والآثار” (إطار- 12). ويستشهد القانوني بالقواعد العامة في القانون العام: “كل ما ينتج عن باطل فهو باطل, والعقد الباطل لا يرتب حقا لأحد المتعاقدين ولا يمكن المطالبة به قضائيا”.

من جانبه يستبعد محامي مقرّب من احد طرفي القضية المتعاقد معها وجود منافع شخصية لأي مسؤول أردني وراء هذا المشروع, مؤكدا أنه “لم يتم دفع مبالغ مالية لقاء توقيع العقد”. هذا المحامي المخضرم يخالف آراء القانونيين, إذ يرى أن الاتفاقية “دستورية كون نصوصها تحظر دخول الأردنيين إلى الكازينو”, كما يجادل بأنها “لا تحتاج إلى مصادقة مجلس النواب كونها اتفاقية مع شركة وليس مع دولة”. المادة 33 من الدستور تنص: “المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئاً من النفقات او مساسا في حقوق الاردنيين العامة او الخاصة لا تكون نافذة الا اذا وافق عليها مجلس الأمّة ولا يجوز في أي حال ان تكون الشروط السرية في معاهدة او اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية”.

المحامي ذاته يدافع أيضا عن قانونية الكازينو, لافتا الى أن “قانون العقوبات يعاقب على المقامرة غير المشروعة, الأمر الذي يشير الى إمكانية وجود مقامرة مشروعة”. محام بارز اعترض على هذا التفسير ورأى فيه “فهما مغلوطا لقراءة القانون”. قانون العقوبات يفرض عقوبة على من يمارس “مقامرة غير مشروعة وكل من يتواجد في أماكن ممارستها”. (اطار 13 البنود المتعلقة بالمقامرة في قانون العقوبات) المستثمر البريطاني طالب في بدايات حكومة الذهبي بتنفيذ الاتفاقية, بعد التسريب المتعلق بإلغائها. وكان مشروع الكازينو شكل مفاجأة لتلك الحكومة, بحسب أحد المطلعين على تطورات المفاوضات, ما دفعها إلى دعوة الشركة إلى وقف جميع الإجراءات الخاصة بالمشروع, حتى يتم مراجعة الاتفاقية التي وصفها الذهبي في لقاء نيابي بأنها “مجحفة بحق الحكومة”.

من جانبه افصح الرفاعي أخر ايام حكومته الثانية انها تتفاوض مع المستثمر لاغلاق الملف نهائيا وانهاء جميع الاتفاقيات السابقة وذلك من اجل تفادي المنازعات القضائية, جاء ذلك في معرض رده على استفسار نيابي اكد في ختامه مسعى حكومته الى تنازل المستثمر عن جميع حقوقه. هذا التحقيق توصل إلى أن حكومة الذهبي دفعت (79588) جنيهاً استرالياً (91.2 الف دينار) لمستشارين قانونيين بريطانيين بدل أتعاب لدراسة موقف الحكومة لدى إلغاء العقد. ولم يتسن مقابلة الذهبي للحصول على معلومات أوفى رغم تكرار المحاولات. وفي اتجاه معاكس يعتبر البخيت أن تلك التقديرات مبالغ فيها وغير حقيقية وأن الموضوع بمجمله “مفبرك” لأنه محاولة لوقف خسارة محتملة.

حكومة الذهبي أرضت المستثمر بعد مفاوضات دامت أشهرا بتعويض “عقاري” يتمثل بتأجيره قطعة أرض مساحتها 50 دونما فوق المئة المتفق عليها اصلا وذلك من خلال اتفاقية تكميلية وقعت في 1 نيسان 2008 (إطار- 14/ أهم بنود الاتفاقية) جاءت اتفاقية التسوية بعد أن تلقت حكومة الذهبي إشعارا من محامي الشركة حول إجراء قضائي ضد الأردن أمام محاكم بريطانيا, على ما يستذكر وزير العدل أيمن عودة, المفاوض الرئيسي لاتفاقية التسوية. ويؤكد عودة أن “الحكومة لم تتنازل قط عن أي شبر أرض أو دينار واحد” في مسعاها لطي هذا الملف. ويوضح أن الحكومة ورثت “وضعا قائما وكان لا بد من معالجته بأفضل مخرج ممكن.

وجاء الحل من دون خسائر”. مسؤول سابق في سلطة وادي الاردن يقول إن مجلس الوزراء (حقبة الذهبي) قرّر استثناء أرض المشروع من الأسس المتبعة في تأجير وبيع أراضي وادي الأردن (إطار-15). بعد ذلك القرار خصّص مجلس إدارة السلطة لشركة أويسيس 117 دونما على الشاطئ الشرقي للبحر الميت (مقابل فندق البحر الميت العلاجي على بعد 300 متر عن فندق الموفنمبك). (إطار-16/ غوغل إيرث).

ولم يتم تحديد موقع قطعة الأرض الإضافية, (50 دونما بعيدا عن الشاطئ). وظلّ الموضوع معلقا حتى الأيام الأخيرة من حكومة سمير الرفاعي. خلافات حول الأرض الإضافية ظهر خلاف بين الطرفين حول موقع الأرض الإضافية في منطقة البحر الميت, بحسب ما يؤكد المحامي المقرب من الشركة الاستثمارية. إذ يرى المستثمر أن المواقع المقترحة غير مناسبة لإقامة مشروع عقاري ويصر على أن تكون ضمن قطعة الارض الأصلية المخصصة لإقامة مشروع سياحي (بدون الكازينو), الأمر الذي ترفضه الحكومة. ونتيجة لذلك ولتجنب المنازعات القضائية, حاولت حكومة الرفاعي خلال الربع الأول من عام 2009 التوصل الى اتفاقية تسوية ثانية تقضي ببيع (117) دونما للشركة بسعر (25) ألف دينار للدونم الواحد لإقامة مشروع سياحي أو عقاري عليها بدلا من استئجار الأرض تمويليا, بموجب الاتفاقية الأولى.

سعر دونم الأرض في تلك المنطقة, بحسب تقديرات سلطة وادي الأردن, تراوح حول 150 ألف دينار في عام 2007 ، في حين يبلغ سعر الدونم حاليا بـ 200 ألف دينار, أي ثمانية أضعاف السعر المقترح في اتفاقية التسوية الثانية التي لم تكتمل أواخر ايام حكومة الرفاعي. الوزير الأسبق المطلع عن قرب على المفاوضات تحدث عن “مماطلة الحكومة” في تنفيذ تعهداتها فيما يتعلق بالأراضي, ذلك أنها طلبت من المستثمر تقديم طلب إلى هيئة المناطق التنموية (المسؤولة عن تطوير الأراضي منذ إعلان البحر الميت منطقة تنموية في 17 ايار 2009) مقابل تعهدها بتسهيل إجراءات تقديم الطلب والحصول على الأراضي المناسبة.

المستثمر لم يقدم الطلب ورفض الموضوع بأكمله. لكن مسؤولين سابقين وحاليين يؤكدون عدم تسجيل أراضي في منطقة البحر الميت باسم المستثمر إن بموجب الاتفاقية الاصلية أو المعدلة. تسريبات رسمية كشفت أن المفاوضات أخذت أواخر العام الماضي منحى آخر باتجاه محاولة إغلاق الملف نهائيا وإنهاء جميع الاتفاقيات السابقة عنها (الكازينو والاتفاقية المكملة لها), بحيث يتنازل المستثمر عن جميع حقوقه الناتجة عن تلك الاتفاقيات. وبحسب المحامي المقرب من أحد طرفي الاتفاقية, توصل الطرفان أواخر أيام حكومة الرفاعي الثانية إلى اتفاق وشيك يقضي بدفع الحكومة تعويضا للمستثمر لم يحدد قدره.

لكن تغيير الحكومة وإحالة ملف الاتفاقية إلى مكافحة الفساد جمّد جميع اتفاقيات التسوية وأعاد الموضوع إلى المربع الأول مع احتفاظ المستثمر بحقه برفع دعوى قضائية ضد الأردن. مصدر يتابع القضية من بداياتها يؤكد أن هيئة مكافحة الفساد تلّقت الشهر الماضي ملفا ضخما من 450 صفحة باللغة الانجليزية. وأعلن رئيس الهيئة سميح بينو أن نتائج التحقيق في هذا الملف ستعلن قريبا.

وينقل مصدر عن المستثمر قوله تراجع عن الاهتمام “بالاستثمار في الأردن, وطالب الحكومة بدفع تعويض له عن خسارته مقابل الغاء حقه باللجوء للقضاء الدولي واغلاق ملف “الكازينو” نهائيا”. معدة التقرير سعت مرارا للقاء المستثمر شوان الملأ لكنها لم تتمكن من الوصول اليه او الحصول على اي معلومات جوهرية عنه وعن شركته باستثناء معلومات مقتضبة على الانترنت. تسييس الملف . أمين عام حزب الجبهة الاردنية الموحدة أمجد المجالي يعتقد أن اتفاقية الكازينو منذ توقيعها وانتهاء بالتسريبات الحكومية بوجود مفاوضات تسوية مع المستثمر ما هي إلا محاولة عدة أطراف أطلق عليهم “سماسرة سياسيون” يسعون لكسب “المال السريع” من الدولة وعلى حساب الشعب.

المجالي, أحد الساسة الذين دعوا الى إحالة ملف الكازينو إلى مكافحة الفساد كان طالب حكومة الرفاعي في بيان عن حزبه بـ “إحالة رؤوس جريمة الكازينو للقضاء على اعتبار أنها قضية لها أبعاد سيادية وأخلاقية ووطنية وليس استثمارية فحسب”. بعد أربع سنوات وسلسلة مفاوضات سرية عابرة لثلاث حكومات, تبقى قضية الكازينو مفتوحة على عدّة احتمالات في انتظار قرار مكافحة الفساد ولاحقا فصل القضاء. لكن المؤكد أن المستثمر الأجنبي سيحصل على أراض من الخزينة, وسيبقى سيف التعويض الخيالي مسلطا على خزينة الدولة إذا تقرّر رفع قضية خارج المملكة. عن العرب اليوم.

kz3-377x1024

وثائق التحقيق

  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
  • 6

  • تعليقاتكم

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *