تسويغ غير عادل ..... إسناد شقق صندوق التقاعد لغير مستحقيها

31 أكتوبر 2016

تحقيق: راقية سالمي

تاب– مازال صبري ينتظر منذ 16 عاماً دوره لاستئجار شقة من الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية. صبري الموظف العمومي البالغ من العمر 45 عاماً، يروي معاناته وطول انتظاره للحصول على احدى هذه الشقق المخصصة لمنخرطي الصندوق من موظفي القطاع العام والوظيفة العمومية، وأعوان الدولة والتي تمنح فيها الأولية المطلقة لمن لا يتجاوز دخلهم 1000 دينار شهريا/ 500 دولار/ والمتزوجين والأرامل وأصحاب الأمراض المستعصية، بمعلوم مقبول.

يقول صبري “في كل مرة يرفض مطلبي معللين ذلك بعدم توفر شقق شاغرة رغم استيفائي كافة الشروط، وهذا ما بدد آمالي وأشعرني بحالة من الغبن”.

 شروط الترشح لكراء مسكن اجتماعي  

تضبط مذكرة الاجراءات عدد 02/2013  الصادرة بتاريخ 19 مارس 2013 التي تلغي وتعوض مذكرة عدد 16 لسنة 2011، مقاييس توزيع واسناد الشقق المعدة للكراء التابعة للصندوق أو التي يتصرف فيها بالوكالة  كالتالي:  يجب أن يكون المترشح لكراء مسكن اجتماعي منخرطاً بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية في مباشرة ومرسماً (غير متعاقد) في تاريخ إيداع المطلب، غير مالك لمسكن شخصي بالولاية المتواجدة بها الشقة موضوع التسويغ، وينسحب نفس هذا الشرط على القرين /الزوج أو الزوجة/ ألا يتجاوز معين الكراء بما في ذلك أعباء الكراء المشتركة 40 بالمائة من الدخل الشهري الإجمالي الخام للمترشح وقرينه أن يكون غير ما تخلد بذمته أي ديون حل أجلها ولم تستخلص لفائدة الصندوق.

حالة الانتظار قاسم مشترك بين صبري وسلوى الأرملة ذات الخمسين عاماً، والتي تنتظر شقة منذ 15 عاماً وأم لأربعة أطفال. تؤكد سلوى أنها لم تتخلف منذ أكثر من 10 سنوات عن اجتماع لجنة إسناد الشقق التابعة للصندوق، والذي يعقد كلما توفرت على الأقل ثلاث شغورات. هذه اللجنة مكلفة بالنظر في طلبات الكراء وإسناد المساكن لمستحقيها حسب أقدمية التسجيل، بناء على مستوى الدخل والوضعية الاجتماعية.رغم أن فكرة تأجير الشقق للموظفين كان هدفها مساعدة متوسطي الدخل، يوثق هذا التحقيق تجاوزات لشروط التأجير؛ مثل أقدمية التسجيل أو الحاجة الماسة على غرار إحدى الموظفات (عزباء)، حصلت عليها بعد ست أشهر فقط من انتدابها. كما يحظى مستفيدون بفرصة استغلالها الشقق لسنوات طويلة خلافا للمدة المحدد قانوناً بخمس سنوات، فيما يحيلها آخرون لأبنائه أو يؤجرها لأحد أصدقائه وهو ما يمنعه القانون.

يكشف هذا التحقيق، تجاوزات ببنود عقود الكراء؛ أهمها تجاوز المدة القصوى المحددة للتسويغ، حيث أثبتت دراسة ميدانية قامت بها معدة التحقيق، وشملت مائة مسكن من أصل 2854 مسكن، جميعها تجاوزت المدة القانونية للاستئجار بثلاثة أضعاف، ويبين التحقيق انتفاع متقاعدين ووزراء ومدراء عامون وأصحاب ممتلكات عقارية بهذه الشقق، بالإضافة إلى عدم احترام معايير الإسناد وضعف آليات الرقابة، ما تسبب ذلك في حرمان مئات الموظفين وأعوان الدولة المستحقين من فرص لتسوغ شقق بمعاليم كراء معدلة ومعقولة.

قرابة 500 مطلب على قائمة الانتظار خلال سنة 2015

حال صبري وسلوى، كالمئات من الموظفين الراغبين في الحصول على شقة، والذين قضوا السنوات الطوال في الانتظار، فقد ورد خلال سنة 2015 على إدارة التصرف في الممتلكات بالصندوق 484 طلباً لتأجير شقة بمنطقة تونس الكبرى (ولايات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة)، تم التثبت فيها وترتيبها حسب الأولوية، ومن ثم عرضها على اللجنة القارة لإسناد الشقق للنظر فيها وتقرير مصيرها، على ضوء ما توفر لها من شغورات لم تتجاوز 20 شقة، من أصل 2854 شقة معدة للغرض بكامل تراب الجمهورية.

ويحيل التباين الواضح بين الشغورات والطلبات حسب فريد صرصار، المسؤول بمصلحة التصرف في العقود وما قبل النزاع بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، خاصة على عدم الالتزام بمبدأ التداول على الشقق الذي اعتبره المدير المساعد بالصندوق، إبراهيم البرايكي،” روح مشروع المساكن الاجتماعية التي أقامها الصندوق منذ سبعينات القرن الماضي”.

وبين البرايكي أن هذا المشروع السكني لم يحدث بقانون أو أمر وزاري، وإنما بناء على قرار لمجلس إدارة الصندوق قضى باستثمار ما توفر من سيولة مالية، هامة، عقارياً لتوفير سكن لائق لمنخرطي الصندوق، سيما ممن يضطرهم عملهم للتنقل من مكان الى آخر.

ورغم محاولاتها المتكرر في الحصول على نسخة من قرار مجلس الإدارة المحدث للمشروع، لم تتمكن معدة التحقيق من ذلك بسبب التغييرات العديدة التي شهدتها الإدارة حسب البرايكي، الذي أوضح أن هذه الوثيقة نصت منذ البداية، وجوب احترام مبدأ التداول على هذه المساكن سنوياً، وعلى مدى خمس سنوات كأقصى حد، وهو مثبت في الفصل الثاني من عقد تسويغ محل السكنى، إلا أن هذا المبدأ لم يتم احترامه منذ البداية وحتى ساعة إعداد هذا التحقيق.

وبين شقق شاغرة وأخرى سكانها من غير مستحقيها، وغيرها مشغولة لعقود من الزمن من قبل نفس المؤجر، تجاوزات يرصدها يومياً المتساكنون ونظار الأحياء (أعوان مكلفون من قبل الصندوق بمتابعة الشقق وإعلام الإدارة بكل تجاوز). وفي المقابل يظل الراغبون في الكراء على غرار صبري، لسنوات على أعتاب الإدارة، وتظل دون متابعة المخالفات المسجلة، حسب شهود عيان من متساكني هذه الأحياء.

وللوقوف على حجم التجاوزات المسجلة على مستوى استغلال هذه الشقق، ومدى أضرارها بمصالح المسجلين على قائمة الانتظار، ونظراً لعدم توفر معطيات دقيقة حول المستفيدين بالشقق، وعلى اعتبار أن قائمة المنتفعين بهذه الشقق، تعد من بين المعلومات المحمية بقانون حماية المعطيات الشخصية التي لا يمكن الحصول عليها، التجأت معدة التحقيق إلى الاستعانة باستبيان، تضمن أسئلة تعلقت بمعايير الانتفاع، ومستوى عيش ودخل الأسر المقيمة بهذه الشقق ومدى التطابق مع شروط العقد.

على مدى أسبوعين، قامت معدة التحقيق بتوزيع 100 نسخة استبيان شملت عينة عشوائية من متساكني الأحياء السكنية التابعة للصندوق بالمنزه 6 ورادس الغابة والرمانة 1 و2 الواقعة بولايات تونس الكبرى (أريانة وتونس وبن عروس)، توصلت من خلاله إلى إثبات وجود تجاوزات، بشهادة المعنيين بالأمر ذاتهم، تمثلت خاصة في الإخلال ببنود عقد التسويغ وعدم احترام معايير الإسناد.

إذ أظهرت نتائج تحليل الاستبيان أن كل المستجوبة آراؤهم يقيمون في هذه المساكن منذ أكثر من 15 سنة، وهي مدة تتجاوز بقدر ثلاث أضعاف المدة المسموح بها قانونياً والمحددة بخمسة أعوام.

كما أظهرت النتائج أن 5% من مؤجري الشقق حصلوا عليها عن طريق مؤجر أصلي و11% أحيلت لهم من الأصول (الأب أو الأم) في مخالفات جلية للفصل السابع من عقود الكراء الذي ينص على أنه “يمنع على المتسوغ منعا باتا احالة المكرى (اي تركه لاحد الابناء) او تسويغه بصفة ثانوية او تفويض حق التسويغ بأي صفة كانت أو اعارته كله أو بعضه ولو كان ذلك بصفة وقتية ودون مقابل يتحمل المتسوغ كل المسؤولية ويلتزم بدفع كل التعويضات بقطع

النظر عن فسخ عقد التسويغ إذا ما قام باي عمل أو إجراء من شانه أن يضع المالك أمام شخص آخر يقطن بالمحل”.

وقد تمكنت معدة التحقيق من خلال الاستبيان الكشف (من خلال استجواب السكان أو أحد أفراد عائلاتهم) عن 16 حالة استغلت هذه الشقق المحدثة في سبعينات القرن الماضي، من قبل غير مستحقيها، أو من غير منخرطي الصندوق، ومن غير الفئات المستهدفة/ مدراء عامين بوزارات وقناصل وموظفين من مالكي منازل خاصة فخمة، وهو ما يتعارض وشروط الانتفاع بهذه الشقق المتمثلة أساساً في الانخراط في الصندوق وعدم ملكية مسكن آخر.

هذه التجاوزات، يرصدها يومياً ويؤكدها متساكنون ونظار أحياء، وتبقى، دون محاسبة وتتبع، حسب سعاد /اسم مستعار/ إحدى متساكنات هذه الأحياء”.

مختلف التجاوزات، أقر بوجودها كمال شويخ مدير إدارة التصرف بالممتلكات بالصندوق، الذي أوضح أن عملية التأجير لمستأجر ثانٍ أحياناً من غير منخرطي الصندوق، تتم عن طريق المستأجر الأصلي، في شكل إحالة ووضع على ذمة أحد الأبناء/ متزوجاً كان أو أعزب/ أو تأجير لأحد الأقارب أو الأصدقاء، مشيراً إلى أن البعض قد يعمد إلى الاحتفاظ بالشقة مغلقة لاستغلالها لغرض أو آخر، دون إعلام الإدارة التي تواصل اقتطاع معلوم الكراء مباشرة من راتب المؤجر الأصلي.

ولاحظ أن هذه التجاوزات، وخاصة طول فترة استغلال الشقة من قبل مؤجر واحد، تفاقم معاناة عائلات عديدة على قائمة الانتظار، مبيناً أن الإقبال المتزايد على هذه الشقق يفسره موقعها المتميز وسط المدن وفي العاصمة، ومعاليم التأجير المنخفضة مقارنة بالأسعار المتداولة لدى الوكالات العقارية.

 ويتراوح معلوم كراء إحدى شقق الصندوق بحي المنزه السادس/حي راقي / بين 210 دينار و310 دينار و380 دينار للشقة المكونة من صالون وغرفة واحدة وصالون وغرفتين وصالون ثلاث غرف مقابل 500 دينار و850 دينار، كمعاليم متداولة في محيط هذا الحي بالنسبة لشقق الخاصة وبذات المواصفات. وتتباين معاليم التأجير في الأحياء السكنية رادس الغابة والرمانة 1 و 2 (الطبقات الوسطى) بين 160 دينار و255 دينار و 310 دينار بالنسبة للشقة المتكونة على التوالي من صالون وغرفة وصالون وغرفتين وصالون وثلاث غرف مقابل معاليم تتراوح بين 300 و600 دينار خارج إطار شقق الصندوق.

منتفعون بالشقق لا يستجيبون لشروط الانتفاع

يضاف إلى مختلف التجاوزات التي تمس ببنود عقد التأجير، عدم استجابة مؤجرين لشروط الانتفاع، حيث توصلت معدة التحقيق إلى إثبات وجود حالات استغلال لهذه الشقق لا تتوفر فيها هذه الشروط، أهمها أن 40% من سكان هذه الشقق أصيلو تونس الكبرى، في حين يشترط في المنتفع عدم ملكية مسكن بذات الولاية التي يقع بها محل السكن موضوع الطلب. وبالنسبة لتونس الكبرى عدم ملكية مسكن

بولايات تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس، كما أن هاته الشقق أحدثت أساساً لتوفير سكن للموظفين ممن اضطرهم عملهم للتنقل من مكان إلى آخر.

كما يشترط في المترشح للظفر بإحدى هذه الشقق أن يكون، منخرطاً في الصندوق بصفة مباشرة لمدة عامين على الأقل ومباشراً مترسماً في وظيفته (ليس متعاقداً)، وفق المعايير المعتمدة من قبل لجنة إسناد الشقق منذ سنة 2013 والتي تأخذ اللجنة بعين الاعتبار في عملية الإسناد أقدمية الطلب والحالة العائلية (دخل الأسرة وعدد الأبناء) والحالة الصحية والاجتماعية، في حين وثق التحقيق عشرات الحالات من شاغلي الشقق في سن التقاعد أو من غير منخرطي الصندوق.

وخلافاً لما أكده رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، في تصريح خصنا به، أن

الهدف من بعث هذا المشروع في حقبة توليه وزارة الشؤون الاجتماعية من سنة 1979 إلى 1984، مساعدة موظفي الدولة والأعوان العموميين من محدودي الدخل المدعوين بحكم وظائفهم إلى الانتقال للعمل بولايات أخرى، وحمايتهم من ظروف إقامة مهينة بمساكن جماعية يطلق عليها “الوكايل”، فقد بينت نتائج الاستبيان الميداني أن نسبة 26% فقط من شاغلي هذه الشقق تقل أجورهم عن ألف دينار/ ينطبق عليهم شرط محدود الدخل الذي يقدره البنك الدولي بـ 600 دولار شهرياً/ و34 بالمائة من المتسوغين يتجاوز دخلهم الشهري الألف دينار.

وأكد رئيس مجلس النواب، أن تجربة المساكن الاجتماعية الموجهة لموظفي الدولة المنخرطين في الصندوق والبالغ عددهم آنذاك حوالي 166 ألف منخرط في تونس، كغيرها من التجارب الأخرى في العالم تعتمد بالأساس على مبدأ مساعدة الموظف محدود الدخل “والذي من حقه العيش داخل سكن لائق ومحترم”.

وحسب الناصر، فإن هذا المشروع انطلق في بدايته بتسويغ المساكن القديمة التي كانت على ملك الصندوق، وتم تشييدها في عهد الاستعمار الفرنسي وسط العاصمة، والبالغ عددها 52 مسكناً، ثم توالت عملية التشييد ليتجاوز عددها حالياً نحو 2800 شقة.

ضعف الرقابة وقلة الموارد البشرية وراء استمرار التجاوزات

ويعود استمرار التجاوزات المسجلة على مستوى استغلال هذه الشقق، إلى ضعف آليات رقابة ومتابعة وضعية هذه الشقق، وقلة عدد النظار المكلفين من قبل الصندوق بالقيام على هذه الشقق والتبليغ عن أي تجاوز.

كما تعد قلة الموارد البشرية، خاصة على مستوى انتداب العدد الكافي من النظار في مختلف الأحياء خاصة الكبيرة، وعدم تعويض المحالين على التقاعد، من الأسباب الرئيسية الكامنة وراء استمرار التجاوزات.

ويبلغ عدد النظار القائمين حالياً على 25 حياً تابعاً للصندوق، 13 ناظراً، ينتظر أن يتعزز قريباً بالإعلان عن نتائج مناظرة لانتداب خمسة نظار جدد.

وعلى الرغم من توفر آليات رقابة كالمتابعة اليومية للنظار وعرائض التجاوزات التي يرفعها متساكنون إلى إدارة النزاعات بالصندوق، والتي تحيلها على الناظر لمزيد التحقق منها قبل اتخاذ قرار إنهاء عقد التسوغ إن ثبت التجاوز، والدور الرقابي الذي يقوم به النظار، إلا أن “المخالفين موجودون والتعويل على النظار بدرجة أولى غير كاف”، حسب تقدير، مدير إدارة التصرف في الممتلكات بالصندوق كمال شويخ.

وبين المتحدث، أن الصندوق ينظم حملات مراقبة تهم تجمعاً سكنياً أو كل التجمعات السكنية، مرة كل أربع أو خمس سنوات بهدف تدعيم الرقابة والتداول على هذه الشقق والحد من التجاوزات.

ويتم في إطار هذه الحملات مطالبة المتساكنين بتقديم شهادات في عدم ملكية مسكن خاص به أو بقرينة، مستخرجة من إدارة الملكية العقارية، تثبت عدم امتلاكه مسكناً خاصاً بما يسقط أحقيته في السكن، على أن تتولى إدارة النزاعات بالصندوق، في حال عدم الاستجابة لهذا الطلب رفع قضية في إنهاء عقد التسوغ وفسخه واسترجاع الشقة من متسوغها. وقد تم خلال آخر حملة أجراها الصندوق، بعد الثورة وتحديداً خلال سنة 2012، /تجرى الحملات عادة كل أربع أو خمس سنوات على كل الأحياء أو تتم بحي معين على إثر ورود شكاوى من المتساكنين يتم اثباتها من خلال ناظر الحي/، إنهاء عقود عدد من المتسوغين من بينهم وزيرين في النظام السابق وفق ما أفاد به مدير عام الصندوق محمد الشريف في تصريح لمعدة التحقيق.

وتتعهد إدارة النزاعات سنوياً بنحو 60 قضية ضد متساكنين مخالفين، غير أن هذه النسبة تراجعت خلال السنوات الأخيرة التي تلت ثورة 14 جانفي 2011، لتصل إلى 20 قضية في السنة، بسبب نقص المتابعة والرقابة لهذه الشقق، حسب ياسين بوبكر مسؤول بإدارة النزاعات بالصندوق الذي بين أن هذه الإدارة، تولت خلال سنة 2015 تنفيذ 18 حكماً بإخلاء / مغادرة / المحل السكني بسبب إثبات الإخلال ببنود عقد التسويغ.

كما تم خلال عامي 2014 و 2013 تنفيذ على التوالي 16 و26 حكماً بالخروج، حسب ياسين بوبكر، الذي أكد أن 50% من هذه الأحكام شملت المتساكنين بشقق تقع في تونس العاصمة.

ولاحظ المسؤول بإدارة النزاعات بالصندوق أن تواصل التجاوزات، يستوجب “تشديد الرقابة على المستأجرين للوقوف على التغييرات التي قد تحدث بين يوم وآخر على وضعياتهم الاجتماعية”، مبيناً أن عجز الآليات الرقابية المتبعة عن الإيفاء بغاياتها والنقص الحاصل، خاصة على مستوى متابعة المخالفات بشأن العقارات الراجعة بالنظر للصندوق، يعود أساساً لقلة الموارد البشرية وخاصة عدد النظار.

كما أوضح أن غياب التنسيق مع الإدارات الأخرى من أجل دعم جهود المتابعة، ولا سيما مع البنك المركزي بهدف تحديد هوية المستأجرين المنتفعين بقروض سكنية، ومع إدارة الملكية

العقارية و الوكالة العقارية للسكنى للحصول على قائمة المنخرطين الذين تملكوا منازل خاصة أو أراضٍ سكنية، حال دون اضطلاع الصندوق بدوره في المراقبة.

ومن جهته أكد المدير المساعد بالصندوق، ابراهيم البرايكي أن إدارة الصندوق تقوم عند تسجيلها لمخالفات في عقود التسويغ بمتابعة هذه الوضعيات، حسب التراتيب الجاري العمل بها، على غرار توجيه مراسلة إدارية مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ إلى المتسوغ المخالف للمطالبة بتسليم الشقة في ظرف 15 يوماً من تاريخ الإبلاغ. وفي صورة عدم الاستجابة يتم التنبيه عليه عن طريق عدل منفذ بفسخ العقد قبل 3 أشهر من حلول الآجال التعاقدية وفي صورة التلكؤ يتم رفع دعوى استعجالية في الخروج لانتهاء المدة.

وأشار في هذا السياق، إلى أن إدارة التصرف في الممتلكات، تقوم برفع دعاوى قضائية استعجالية في الخروج ضد المتسوغين المخلين ببنود العقد بعد التنبيه عليهم. وتعلقت مجمل المخالفات المسجلة بانتهاء آجال التعاقد ترك شقق مغلقة دون استعمالها أو امتلاك مسكن خاص أو وفاة المتسوغ وقرينه، وبقاء أبناء راشدين في الشقة أو فقدان صفة المنخرط، أو إحالة المكري للغير. ورغم صدور الأحكام لفائدة الصندوق في عدد من هذه المخالفات المرفوعة للقضاء إلا أن تنفيذ هذه الأحكام لم يتم إلى حد الساعة.

وقد تم الحكم لفائدة الصندوق في 9 قضايا بين سنتي 2010/2013 وما تزال في طور التنفيذ، فيما حكم ضد الصندوق في 4 قضايا تعلقت بامتلاك المتسوغ لمسكن خاص وشقق مغلقة غير مستغلة لإعادة التنبيه في الأجل التعاقدي.

كما تناول خمسة ملفات في طور ما قبل النزاع، حيث قام الصندوق بالتنبيه بانتهاء أمد الكراء ضد المتسوغين الذين تعلقت مخالفاتهم بامتلاك مسكن خاص أو وفاة المتسوغ والقرين أو فقدان صفة المنخرط.

كما اقترحت الإدارة المعنية بالصندوق خلال سنة 2016، القيام بإجراءات فسخ عقد التسويغ قبل 3 أشهر من حلول الآجال التعاقدية ضد 6 متسوغين، تعلقت بهم مخالفات بخصوص شقة مغلقة أو وفاة المتسوغ، وترك الشقة للأبناء الراشدين أو إحالة مكترى للغير.

الإدارة تقر بضعف الرقابة واعتزامها إجراء حملات مراقبة قريباً

بمواجهة الرئيس المدير العام للصندوق محمد الشريف (أقيل من منصبه بعد ثلاثة أيام من إجراء الحوار بسبب الوضعية المالية الصعبة للصندوق) بالتجاوزات المثبتة من خلال الاستبيان، أقر الشريف، بوجود “حالات قد تشذ عن القاعدة وغفلت عنها أعين الرقابة”.

كما بين أن ضعف آليات الرقابة وتنوع طرق تحيّل المتساكنين على الصندوق، ساهم في استشراء الاختلالات وتدهور العلاقات بين الصندوق والمتسوغين، مؤكداً أن اعتماد آلية الرقابة المتمثلة بنظار الحي لا تفي الغرض حقه، و” لا يعني بالضرورة أن الناظر سيمد الصندوق بكل

التجاوزات الحاصلة” في إشارة إلى أنه قد يغض النظر على بعض التجاوزات من منطلق أن كل شيء مرتبط بشخص يمكن التلاعب بشأنه.

وأكد أن التجاوزات المسجلة في إطار التحقيق موجودة فعلاً وقد تتجاوزها، فبالإضافة إلى وجود مدراء عامين وسفراء وقناصل وأصحاب أملاك خاصة وعقارات، قام الصندوق، بإخراج وزيرين بعد الثورة من الشقق التي يشغلانها.

وباستفسار معدة التحقيق عن مواصلة إدارة الصندوق السكوت عن المخالفين والمخلين بعقود التسوغ، لاسيما في جانب تجاوز المدة الزمنية التي ينص عليها العقد (الفصل 2)، أفاد الشريف أن الإدارات المتعاقبة، تجنبت هذا الإشكال حتى لا تسقط في إثارة تحرك اجتماعي من قبل المتساكنين الذين تصل مدة إقامتهم بهذه الشقق لـ 37 سنة وفقاً لنتائج الاستبيان، ولم تتم محاسبتهم، مشدداً على ان الإدارة لا تتدخل، إلا في حالات تسجيل تجاوزات، أما بخصوص امتلاك المستأجر لسكن خاص، أو إحالته لأحد أفراد العائلة أو تسويغه أو تركه مغلقاً دون استغلال.

وأفاد الشريف في هذا الشأن أن الصندوق حالياً بصدد إعداد برنامج جديد للحد من هذه التجاوزات وإنهاء عقود المخالفين، وذلك في إطار حملة مراقبة سيطلقها قريباً، للتثبت من مدى الالتزام ببنود عقد التسويغ.

كما يعتزم الصندوق في إطار هذه الحملة، تعزيز التنسيق مع كل من البنك المركزي وإدارة الملكية العقارية، للتعرف على قائمة المنخرطين الشاغلين لشقق، والذين تحصلوا على قروض سكنية أو قروض لاقتناء أرض صالحة للبناء وعلى المالكين الجدد لمساكن. بالإضافة إلى التثبت من قائمة المؤجرين المنتفعين بقروض سكنية من الصندوق، والتي لا تتجاوز قيمتها 15 ألف دينار، وذلك لمتابعتهم بهدف إلغاء عقد الكراء لمن تثبت ملكيته الخاصة، وتمكين غيرهم من المسجلين على قائمة الانتظار من فرصة تأجير شقة.

وأكد الشريف وجود تعطيل على هذا المستوى في الحصول على معطيات خاصة من قبل البنك المركزي وإدارة الملكية العقارية، على اعتبار أن هذه المعطيات تعد من قبيل المعلومات المحمية بقانون حماية المعطيات الشخصية.

وفي إطار متابعة مدى تقدم تنفيذ الإجراءات التي تم الإعلان عنها، اتصلت معدة التحقيق بالرئيس المدير العام الجديد للصندوق عماد التركي، الذي أفاد بأن الصندوق قد انطلق في متابعة وضعية هذه المساكن للوقوف على الاختلالات الحاصلة، ويعمل الآن على جرد المساكن والمتساكنين، وذلك في إطار برنامج إعادة النظر في أهداف هذه العقارات وغاياتها.

وأكد أنه تم توجيه مراسلات للبنك المركزي وإدارة الملكية العقارية للتنسيق معهم في مجال التثبت من المتساكنين حالة بحالة، مؤكداً أن البنك المركزي لم يتفاعل مع طلب الصندوق، في حين أن إدارة الملكية العقارية، طالبت بوثائق إضافية يعمل الصندوق حالياً على تحضيرها

لاستكمال برنامج المراقبة والتثبت، لتكون المعالجة أيضا حالة بحالة بحسب ما ستفرزه نتائج البحث حتى تعود هذه المساكن لتأدية دورها الحقيقي، وإرساء حوكمة أنجع لهذا الملف.

وبخصوص عدم تدخل إدارة الصندوق لإيقاف عقود تسويغ عدد من المنخرطين الذين طالت مدة تسويغهم للشقق بعقود من الزمن عوض خمس سنوات، كما ينص عليه الفصل الثاني من العقد، أكد المسؤول أن إدارة الصندوق الحالية والإدارات السابقة تجنبت تنفيذ ذلك، وإلزام الناس بالخروج من هاته المساكن، مخافة أن يتسبب ذلك في حدوث تململ اجتماعي وإثارة تحركات غاضبة في صفوف المتساكنين المدعوين للمغادرة، وكذلك للنأي بنفسها عن كل ما يمكن أن يهز من صورتها.

وإلى حين الوقوف على نتائج التدابير المتخذة ودفع عملية الرقابة، يظل صبري وسلوى وغيرهم بالمئات يكابدون الأمرين في تحمل مصاريف الحياة في ظل تدهور المقدرة الشرائية لكل التونسيين، و ينتظرون خبراً ساراً قد تزفه لهم لجنة إسناد الشقق ينهي معاناة عقود من الزمن.

table

أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) www.arij.net وبإشراف د. مارك هنتر والزميلة بهيجة بلمبروك


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *