الأردن يزحف ببطء نحو عقوبات "صديقة للحرية" عبر قانون يطال 4 آلاف سجين

28 مايو 2013

عمان – الغد – في أيلول (سبتمبر) 2012 تابع كاتب هذا التحقيق قصّة الشاب العشريني عادل (اسم مستعار)، الذي “سرق علكة”، ثمنها 10 قروش من أحد المولات في عمان، ليحتجز أسبوعا على ذمة القضية، مكلّفا الدولة نحو 200 دينار، فضلا عن إدراجه ضمن القيود الجرمية، رغم أنه لم يكن من ذوي الأسبقيات قبل تلك الحادثة.

بسبب قضية أخرى، شيكات بلا رصيد، يقضي الخمسيني جلال عقوبة الحبس (ما يزيد على العام والنصف)، في وقت تشهد أسرته ظروفا صعبة. ابنه خالد (16 عاما) يعيش في كنف جدته وجده أبي جلال، في حين تقيم ابنته لينا مع والدتها، المطلقة والمتزوجة من شخص آخر، وتحجز نفسها داخل غرفتها إلى حين مغادرة زوج الأم المنزل. يعيش الابن خالد، وفق جدّته حالة نفسية سيئة، ويغدو عصبي المزاج، كلما شاهد أبا بصحبة أبنائه.
لتلافي تكرار حالتي عادل وجلال والمئات على شاكلتها، لا بد من سنّ قانون مواز معني “بالعقوبات البديلة”، وهو مشروع ملحّ، تعود المطالبات بتنفيذه لأكثر من عشر سنوات. وحسب ما يشتكي رجال قانون ونشطاء حقوق إنسان، أدى تراخي أصحاب القرار وضعف التمويل ونقص الكوادر المؤهلة، الى تأخر تبنيه حتى 2012، وهو العام الذي شرعت فيه وزارة العدل بالعمل على صياغة مشروع بهذا الشأن.

يفترض بهذا القانون الاستعاضة عن حبس بعض مرتكبي الجنح (جريمة تقل عقوبتها عن ثلاث سنوات) بتكليفهم بمهام مجتمعية أو حرفية، تعود على مجتمعاتهم بالنفع، توفر على خزينة الدولة نفقات إيواء في السجون، وتحول دون تشتيت عائلاتهم وتسجيل قيد جرمي بحقهم، تظل تبعاته تلاحقهم اجتماعيا فترات طويلة.

64 مليون دينار موازنة السجون سنويا 

ينفق الأردن سنويا 64 مليون دينار على إيواء وإطعام 8 آلاف نزيل يقيمون في 14 مركز إصلاح وتأهيل (بمعدل 780 دينارا شهريا للنزيل الواحد). يشكّل هذا الإنفاق 1 % من الناتج المحلي الإجمالي.

نصف النزلاء تقريبا ستنطبق عليهم العقوبات البديلة، وبالتالي يؤمل أن تنخفض نفقات السجون إلى النصف، وأن تقل معدلات تكرار الجنح والجنايات. 
ويقدّر مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل العميد هاني المجالي أن 40 % من النزلاء معرضون للإصابة  بـ”العدوى الجرمية” (العودة للسجن بعد الإفراج عنهم)، رغم برامج التأهيل واعتماد نظام التصنيف بين السجناء. ويستهدف برنامج العقوبات البديلة تخفيض هذه النسبة إلى  10%. 

قانون العقوبات البديلة، أو “غير السالبة للحرية”، الممول من الاتحاد الأوروبي يتمحور حول سن قانون مواز، أو تعديل قانون العقوبات بتضمينه عقوبات بديلة عن السجن.
بحسب القائمين على هذا البرنامج، فإن العقوبات البديلة تنطبق على من تقل عقوبتهم عن ثلاث سنوات، على خلفية قضايا جنحية، مثل القتل الخطأ، السرقة، الزنا والمشاجرات.
دول متقدمة مثل بريطانيا وألمانيا أخذت بهذا التشريع للتخفيف من اكتظاظ السجون، ومعالجة انتشار الجريمة، ولتخفيض الكلفة المالية التي ترهق ميزانية الدولة، إضافة للحد من حالات التفكك الأسري أثناء فترة قضاء العقوبة.

عقد من المراوحة والتأخير في اعتماد المشروع  

المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان طالب السقاف، أحد أعضاء فريق العدالة الجزائية، المسؤول عن تنفيذ البرنامج في الأردن، أكد أن تاريخ المطالبة بعقوبات بديلة، يعود لمنتصف التسعينات، في الوقت الذي كان يعمل فيه مع الجامعة العربية والمركز الوطني لحقوق الإنسان.
يقول السقاف: “بدأ الاهتمام بموضوع العقوبات البديلة في الأردن بين عامي 1997 و1998، وطرحتها اللجنة الملكية لتطوير القضاء، التي رأسها أحمد عبيدات، ثم جرى نقله العام 2000/ 2001 للجنة أخرى، هي “الملكية لحقوق الإنسان (المركز الوطني لحقوق الإنسان لاحقا). عملت هذه اللجنة على تنظيم ورشة عمل بهذا الخصوص خرجت بجملة توصيات، لتنفيذ هذا النوع من العقوبات، “لكن تأخر الأخذ بهذه التوصيات حتى العام 2012 تاريخ شروع وزارة العدل بالمشروع”.

يرجع السقاف التأخر في تبني هذه العقوبات إلى “ضخامة التكاليف التي يتطلبها إنشاء هذا النظام وإدامته، إضافة إلى النقص في الكوادر المؤهلة، للإشراف على تنفيذ تلك البدائل.
على أن السقّاف يؤكد أن المشروع، الذي يجري العمل عليه الآن للعقوبات البديلة، يستهدف أن لا تتجاوز كلفته 10 % من حجم الإنفاق الحالي على السجون، لإقناع المشرعين والرأي العام بجدواه المالية، والوفر الذي سيحققه لخزينة الدولة.

يتطلب تطبيق العقوبات البديلة مراقبي سلوك، من حملة شهادات جامعية في علم الاجتماع أو النفس، معززين بدورات متخصصة في هذا المجال. يقول السقاف إن النسبة العالمية

هي مشرف لكل 10 سجناء، غير أنه يلفت إلى أن المشروع في الأردن يسعى “للاستفادة من البنى الحالية، مثل مؤسسة التدريب المهني، بكوادرها الموجودة أصلا للمساعدة في تطبيق المشروع، عوضا عن تأهيل كوادر جديدة”.

يؤيد هذا الطرح قاضي التمييز الدكتور محمد الطراونة، الذي أعد دراسة تتعلق بالعقوبات البديلة قبل عامين. وبينما يحمّل المشرّعين (مجلس الأمة) مسؤولية تأخير إصدار مثل تلك القوانين، التي “لا تمنح صفة الاستعجال”، فإن المفاهيم الثقافية السائدة في المجتمع ما تزال رافضة للعقوبات البديلة، كما يعتقد الطراونة.
ويدلّل القاضي الطراونة على ذلك بتأخر العمل بالتعديلات غير السالبة للحرية، التي أدخلت على قانون الأحداث الجديد 2006، وأحيل إلى مجلس الأمة في أواخر 2012، حيث يفترض أن تناقشه اللجنة القانونية هناك، مع عشرات القوانين الأخرى، ما قد يؤخر البت فيه، في وقت “يفترض أن يأخذ فيه هذا النوع من التعديلات صفة الاستعجال” بحسب الطراونة.
برأي السقاف، فقد “تأخر العمل بتضمين العقوبات البديلة لقانون الأحداث، ذلك أن طبيعة قوانين الأحداث تهدف للحؤول دون سجن الطفل وسلب حريته، مراعاة للمصالح الفضلى له، وهو ما يعتبر معيارا عالميا في التعامل مع الحدث”.

مسؤول فريق العدالة الجزائية، الذي تنفذه وزارة العدل، البريطاني أيان لانكشير، يوضح في سياق حديثه لـ”الغد” أن الفريق المشرف على تنفيذ البرنامج “لن يغفل عادات المجتمع الأردني وتقاليده، لدى وضع تشريعات العقوبات البديلة”. ويؤكد لانكشير أن فريقه يتشاور مع مختلف المعنيين بالموضوع، من قانونيين وممثلين للمجتمع المحلي في المحافظات، ويستمزج رأيهم بخصوص القانون. إلى ذلك يشدّد على أن الفريق “لن يطبق النموذج البريطاني كما هو دون مراعاة خصوصيات البيئة الأردنية”.

المدير الإقليمي لمنظمة الإصلاح الجنائي في عمان تغريد جبر، وهي ناشطة في مجال العدالة الجزائية وحقوق الإنسان، تعتقد أن الأمر “يحتاج إلى رجل دولة وصاحب قرار لتبني هذا القانون. لكن المشكلة تبقى في من سيقرع الجرس”، إذ أن لدى الحكومة والأمن العام الرغبة بسن مثل هذا القانون، بحسب قولها.
وتطالب جبر بتنفيذ “حملة توعوية اجتماعية لقبول العقوبات البديلة، وتحديدا لمن يحملون نزعة الانتقام، على أن يستثنى من العقوبات البديلة قضايا الجنايات”.
وتدعم جبر سن تعديلات تشريعية لتحديد المستفيدين من العقوبات البديلة، بما يغطي أصحاب الجنح (كحوادث السير، الجرائم المالية والمخالفات والجنح البسيطة)، بالإضافة إلى تعديل تشريعي لاستحداث وظيفة قاضي لتنفيذ العقوبة.

العميد هاني المجالي يؤكد أن العقوبات البديلة “متطلب أردني” قبل أن يكون دوليا. “فالعقوبة السالبة للحرية هي من أقصى أنواع العقوبات، لأنها تحاكم أكثر من شخص لذنب ارتكبه شخص واحد، إضافة لتعارضها مع المبدأ الإسلامي: ولا تزر وازرة وزر أخرى”. وبحسب المجالي، فإن عقوبة حبس النزيل في قضية جنح قابلة للمصالحة تشمل أسرته بحرمانها من معيل، وجعلها عرضة للانحراف والجريمة.

السجن.. تكاليف في الداخل والخارج

فضلا عن تكاليف إيواء النزيل (780 دينارا شهريا)، تخصّص الدولة مبالغ مالية لأسر نحو 1021 نزيلا، من أصل 8 آلاف، يصل إجماليها إلى 134 ألف دينار شهريا (مليون و610868 دينارا سنويا)، على ما يضيف العميد المجالي.
وتحصل 1747 نزيلة على دعم نقدي من صندوق المعونة، يقدر بـ37560 دينارا  سنويا، كما استفاد 6450 نزيلا من المساعدات العينية، المقدمة لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل خلال العام الماضي.

أستاذ علم الاجتماع المشارك والمتخصص بعلم الجريمة في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، يرى أن المجتمع الأردني “ليس مدنيا بقدر ما هو متحول باتجاه المدنية، ولم يحسم هويته بين المدينة والريف، قيما وسلوكات اجتماعية وقانونية”. 

ويدلل محادين على ذلك بمزاحمة القانون العشائري للقانون المدني، في مجتمع بلغت نسبة التعليم فيه 94 %، بالتوازي مع وجود عشرات كليات القانون في الجامعات.
في معرض تشخيصه لعنف الجامعات والمخارج المقترحة، يستشهد الزميل الكاتب/ النائب جميل النمري بحوار مع رئيس جامعة اليرموك. ويذكر النمري، في مقاله يوم الجمعة 3 أيار (مايو) 2013: “حين اقترحت عليه مرة استبدال الفصل الدراسي (لمثيري الشغب) بخدمة مجتمعية داخل الجامعة أو خارجها، رد متسائلا: بأي قوة تطبق على طالب الالتزام بكنس الشوارع في الجامعة، وهو منفوخ بذاته يضرب الذبابة بطلقة إن مرّت تحت أنفه؟”.   

مروان سلطان رئيس الجمعية الأردنية لمراكز الإصلاح والتأهيل يقول إن غالبية أسر النزلاء تعاني الفقر، بسبب وجود المعيل داخل السجن، لذا تلجأ الجمعية إلى تقديم مساعدات مالية

وعينية لذوي النزلاء.

دائرة الضحايا تتعدى مرتكب الجنح والجرائم 

عائلة جلال شهدت تحولات اجتماعية عديدة، من بينها معاناة أسرته من آثار نفسية بعد دخوله السجن، نتيجة شيكات بلا رصيد، كان قد حررها لدائنين اقترض منهم لغايات البحث عن فرصة عمل حرة.

ومن الآثار السلبية للسجن، بحسب العميد المجالي، عودة المحكومين لارتكاب جرائم بعد الإفراج عنهم، نتيجة تأثرهم ببيئة السجن، بمن فيها من مجرمين وأصحاب سوابق، فنسبة “العود” مرتفعة، بسبب غياب برنامج للرعاية اللاحقة، ولعدم قدرة المجتمع على دمج النزيل. 

 العدوى الجرمية 

محمود (40 عاما)، دخل السجن مدة شهر مطلع التسعينيات الماضية، بسبب مشاجرة وخرقه حرمة منازل. في روايته للقصة، يقول محمود: “استعان بي أحد أصدقائي لتهديد مستأجر لديهم، يمارس أعمال البغاء والدعارة داخل العمارة، التي يقيم فيها صديقي. دخلت منزل هذا الشخص، وقمت بضربه لإجباره على ترك العمارة، حتى لا يجلب لساكنيها السمعة السيئة”.

بعد خروجه من الحبس شعر محمود “بالنبذ الاجتماعي”. لم يجد من يحتضنه سوى بعض “الأصدقاء”، ممن تعرف إليهم داخل السجن. وبرفقة هؤلاء دخل عالم الجريمة. بدأ بالمشاجرات، ثم انتهى بالشروع بالقتل، والإضرار بممتلكات الآخرين، والإيذاء البليغ، وإطلاق العيارات النارية.

ومحمود، الذي نصّب نفسه “عقيدا لإحدى مناطق طبربور في عمان، ومسؤول أمن الضعفاء” هناك، يقول بنبرة ملؤها الحسرة: “لو أنني خضعت لعقوبات بديلة ومراقبة اجتماعية، كتعليمي حرفة أعيش منها، بدلا من زجي بالسجن، لتحولت إلى إنسان فاعل في مجتمعي”. يعتبر محمود أن دخول السجن يجعل من ارتكاب الجرائم “أمرا هينا على النزيل حتى لو لم يكن من أصحاب الأسبقيات”.

الخبير الألماني لمشروع “دعم المؤسسات العقابية في الأردن”، الذي تنفذه إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل توربن آدمز، يعدّد أضرار السجن، بفقدان الوظيفة، ووصمة العار في المجتمع، فضلا عن تفكك أسري بعد فقدان المعيل. يقترن ذلك بسجل جرمي سيمنع السجين من العمل لاحقا.

وزارة العدل تشرع بإعداد مشروع “العقوبات البديلة” منذ العام 2012 وبتمويل من الاتحاد الأوروبي

ومن خلال مقابلة آدمز لعدد من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، وجد أن غالبيتهم يائسون، وفرصة التقائهم بمجرمين خطرين داخل الزنازين متاحة.
يقول آدمز: “السجن جامعة متخصصة في علم الإجرام. والجاني إذا تم سجنه لجريمة بسيطة، ومن ثم جرى إطلاق سراحه دون وجود مكان يذهب إليه، مع رفض المجتمع له، وانعدام فرصة عمل ملائمة، فإنه سيخضع لاستغلال المنحرفين، بعد إغرائه بدخل مالي، مقابل ارتكاب جرائم أخرى”.

هذا ما حصل مع العشريني يوسف. عندما دخل والداه السجن بتهمة السرقة والسرقة بالاشتراك، عانى أفراد الأسرة شظف العيش. شقيقتا يوسف لم تتمكنا من إكمال دراستهما الجامعية، في وقت كان عم الأبناء يتكفل بنفقات البيت الأخرى. ولأن والدته كانت حاملا في شهرها السادس، لدى سجنها فقد أنجبت طفلها هناك، لترسله بعدها إلى أحد مراكز الإيواء.

يروي يوسف: “أثناء وجود أبوَيّ خلف القضبان، اشتريت هاتفا خلويا من أحد الأشخاص، تبين لاحقا أنه مسروق، وتم إلقاء القبض عليّ بتهمة شراء مقتنيات مسروقة. تلقيت معاملة سيئة خلال فترة الاعتقال، بسبب القضايا المتهم بها والدايّ، ومن ثم تم توقيفي في دار رعاية الأحداث”.

ينهى يوسف حديثه، وملامح وجهه تدل على تعرضه لظلم اجتماعي كبير، قائلا: “لولا الله وعمي الذي وقف إلى جانبنا لتدمرت أسرتنا بالكامل. فبعد سنوات من التوقيف، أعلنت المحكمة براءة والدتي من معظم القضايا التي اتهمت بها، كما تم تبرئة والدي من معظم القضايا، باستثناء قضية واحدة صدر فيها بحقّه حكم يزيد على عشر سنوات، وحاليا ينفذ العقوبة داخل أحد السجون”. وهو ما يؤكده وكيل الدفاع عن الأبوين المحامي إبراهيم الضمور.

المستفيدون من العقوبات البديلة

يحدد توربن أدمز بأن المستفيدين بالدرجة الأولى من القانون هم من تقل احكامهم عن الحبس مدة 3 سنوات، مستندا، في تقديراته عقب زياراته لجميع السجون ولقائه مع عديد نزلاء، الى أن نسبة 50 % من قضايا النزلاء تقل عقوباتها عن 3 سنوات.
وحتى هذه اللحظة لم يستطع آدمز تحديد العدد الدقيق لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل المفترض استفادتهم من القانون، حال الانتهاء من صياغته، لكن آدمز يؤكد أهمية مثل هذا القانون، وأن “الدولة تخسر الناس عند دخولهم السجن في قضايا جنحوية بدون أسبقيات”.

ويتساءل آدمز: “ماذا سنجني من عقوبة السجن، سوى الحرمان وخسارة النزيل لسمعته، بالإضافة للوصم الاجتماعي، الذي سيلاحقه، واحتمالية إصابته بالعدوى الجرمية وتفكيك اسرته”؟

قائد فريق العدالة الجزائية ايان لانكشير، يؤكد أن الجناة أول المستفيدين من قانون العقوبات البديلة، إذ يجري تأهيلهم لمنعهم من ارتكاب جرائم أخرى. كما تستفيد أسر الجناة من القانون عبر الحؤول دون تعريضها لخطر الحاجة والوقوع في فخ الجريمة لتأمين العيش بعد احتجاز المعيل. ويعود القانون بالنفع أيضا على المجتمع والدولة، عبر تقليل نسب الجرائم والتوفير على الخزينة.

ويقول لانكشير إن التجربة الألمانية تشير إلى أن تكلفة احتجاز النزيل لمدة يوم واحد، قبل تطبيق العقوبات البديلة، كانت تصل الى 91 يورو، فانخفضت إلى أربعة يورو.
لا يوجد لدى لانكشير أو أي من الأطراف الأخرى، المعنية بهذا المشروع، أرقام، ولو تقريبية، عن الوفر الذي قد يحققه هذا النوع من العقوبات، فـ”إعطاء مثل تلك الأرقام يحتاج وجود القانون ابتداء”. ويشير لانكشير الى أن الفرق أردنيا سيكون مشابها للتجربة الألمانية، فيما يتعلق بالعقوبات البديلة، من حيث تخفيض التكلفة المالية، لكن في البداية سيكون هناك تحد على مستوى التطبيق.

أنواع العقوبات البديلة

قبل إعداد مشروع للعقوبات البديلة، بما يتناسب مع الأردن وطبيعة مجتمعه، يشير الخبير البريطاني إلى ضرورة معرفة نوع المجرمين والجرائم لصوغ النص الذي يتناسب مع العقوبات البديلة. بعد ذلك يصار لتحديد خيارات لنوعية العقوبة البديلة التي سيخصع لها المحكوم بدلا من الحبس.
من بين تلك العقوبات البديلة عن الحبس، تقديم خدمة مجتمعية لعدد معين من الساعات يوميا، في إحدى المؤسسات العامة أو الخاصة، كأن يعمل المحكوم في خدمة البيئة، وذلك لمن ينطبق عليهم تصنيف الجنح البسيطة، كجرائم السرقة البسيطة أو أي جنحة عقوبتها تقل عن ستة أشهر؛ وهي العقوبة التي سيطبقها الشخص داخل المجتمع، لكن دون أن يبعد عن أسرته ومع ضمان عدم إضراره بالمجتمع.

وتتضمن مقترحات العقوبات البديلة، وفق لانكشير، إخضاع المحكومين، من متعاطي الخمور والمخدرات ومرتكبي قضايا العنف الأسري، لدورات توعوية نفسية، تحت إشراف مراقبي السلوك، والذين سيقدمون تقارير بذلك.

ومن أمثلة العقوبات البديلة، بحسب لانكشير، الإقامة الجبرية للجانح، داخل بيته على أن تتم مراقبته إلكترونيا (سوار إلكتروني)، ضمن منطقة معينة لا يغادرها. وتعد هذه المراقبة الإلكترونية واحدة من وسائل التوقيف أو بديلة عنه.

توربن آدمز، المسؤول عن إطلاق السراح المشروط كعقوبة بديلة، يشير إلى نوع آخر من العقوبات البديلة أثناء السجن، يسمى “إطلاق السراح المشروط”.  
يقوم هذا النوع من العقوبة على مخاطبة مراقب السلوك للقاضي، مطالبا إياه بالإفراج عن النزيل، إذا ثبت أن مسلكيته تحسنت، وتطور في سلوكه داخل السجن نحو الأفضل. يجري إطلاق سراح المسجون تبعا لهذا النوع من العقوبة البديلة، شريطة تحويله الى ضابط مراقبة آخر، يتابع سلوكه بعد الإفراج عنه، على أن يعاد للسجن في حال مخالفته شروط اطلاق سراحه.

يرى آدمز أن الإفراج المشروط عن النزيل يعد عقوبة بديلة، فالنزيل ليس حرا تماما بعد إطلاق سراحه، “فالشروط توتره أكثر من وجوده داخل السجن”.
ويرى آدمز أن بالإمكان تطبيق مثل هذا النوع من الإفراج المشروط على من تزيد أحكامهم على ثلاث سنوات.

ورغم أن إحصائيات إدارة المعلومات الجنائية تفتقر لعدد المحكومين او الموقوفين في القضايا الجنحوية، التي ربما تنطبق عليها العقوبات البديلة، لكنها كشفت عن تعامل مديرية الأمن العام مع 22149 جريمة جنحوية خلال العام 2011، بارتفاع بلغت نسبته 25.79 % عن العام 2010، حين كان العدد 17680 جريمة جنحوية.

ستبقى خزينة الدولة الأردنية تتكبد كل عام زهاء 64 مليون دينار، وسيصاب 40 % من النزلاء بالعدوى الجريمة، فضلا عن الآثار السلبية، التي تنعكس على أسر النزلاء والمجتمع بشكل عام، إلى حين إقرار تعديلات تشريعية، تفضي إلى عقوبات بديلة، لن تكلف أكثر من 10 % من حجم الإنفاق الحالي على السجون، وتخفض العدوى الجرمية إلى 10 %. 

 أعد هذا التحقيق من قبل “الغد”، بدعم من شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية)، وبإشراف الزميلين سعد حتر وعماد الرواشدة.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *