آثار المنيا التاريخية تتحول إلى مقالب للقمامة

12 نوفمبر 2014

تقرير خبري 

الشروق  – حين ترى النساء يقُمن بتجفيف روث البهائم حول معبدالملك رمسيس الثانى لإعداد وقود لأفرانهن الطينية، فلا تستغرب.. وأعلم أنك قد وصلت إلى مركز ملوى بمحافظة المنيا حيث آثار أجدادهن من قدماء المصريين لم يعد لها قيمة وأصبحت مقالب للقمامة التى تلقيها هناك السلطات المحلية المسئولية عن النظافة.

تحتل محافظة المنيا المركز الثالث على مستوى الجمهورية، بعد الأقصر والجيزة، فى اقتناء الآثار التى تمتد ستة عصور مختلفة، كما يظهر فى المراجع التاريخية ومن بينها كتاب مصر القديمة للدكتور عبدالقادر خليل الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة المنيا والإسكندرية.

لكن بعد غياب الأمن عقب ثورة 25 يناير 2011، تحولت المناطق الأثرية خاصة فى مركز ملوى إلى مقالب للقمامة نتيجة قيام سيارات نقل القمامة التابعة للوحدات المحلية بالتخلص منها هناك بدلا من إلقائها فى المقالب الصحية.

يوجد فى ملوى 4 مدافن صحية لا تبعد سوى 10 كيلومترات عن المواقع الأثرية حيث تُلقى القمامة. لكن سائقى السيارات يوفرون على أنفسهم جهد النقل بحسب ما يقول الأهالى، ولعدم توافر شاحنات مخصصة لذلك حسبما يذكر سائقون بالوحدة المحلية.

كان وزير الآثار السابق، الدكتور محمد إبراهيم شاهدا على هذا الوضع خلال زيارته للمنيا، منذ عدة أشهر، عندما ناشد المحليات على الهواء مباشرة إزالة القمامة من أمام المناطق الأثرية، ثم كرر نداءه ليلا فى مداخلة تليفزيونية يوم 14 مايو الماضى، مشيرا إلى أن الوزارة لا تستطيع التحكم فى الشوارع المتواجد بها الآثار، مطالبا المواطنين بالوعى الكافى لأهمية وقيمة الآثار وعدم إلقاء القمامة أمامها أو بداخلها.

وفى مكاتبة سابقة إلى السكرتير العام لمحافظة المنيا اللواء أسامة ضيف ورئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة المنيا المهندس اسماعيل الفحام، طالب مدير عام آثار مصر الوسطى يحيى زكريا محمد بإزالة القمامة من أمام مدخل منطقة طهنا الجبل ومقابر فريزر الأثرية.

وقال محمد فى خطابه إنه لاحظ أثناء مروره على المنطقة الأثرية قيام سيارات نقل القمامة التابعة للمركز بالتخلص منها فى الطريق المؤدى إلى مقابر فريزر الأثرية وأن هذه المخلفات تشوه المنظر العام للمنطقة الأثرية.

جدير بالذكر أن مقابر فريزر ترجع إلى عصر الدولة القديمة من أواخر الأسرة الرابعة حتى بداية الأسرة السادسة، وتضم مجموعة من المقابر لعائلة كهنة المعبودة «حتحور»، وترجع تسميتها إلى مكتشفها جورج فريزر الذى أجرى حفائره بها بين عامى 1889 و1893.

الآثار مقلب للقمامة بعد الثورة

يقول حسين محمد عثمان العضو فى جمعية محبى الآثار بالمنيا إن الهجوم على الآثار بدأ عقب أحداث ثورة 25 يناير وشهدت المنيا كما هو ثابت فى محاضر الشرطة التى قامت الجمعية بتحريها تحت أرقام 6 أحوال قسم ملوى لسنة 2012، و2415 لسنة 2013 إدارى مركز ملوى، وغيرهما ممن سجل الإهمال الكبير لآثار المنطقة والتعديات عليها.

ويضيف عثمان أن الإهمال شمل منطقة الأشمونين وتونا الجبل وهى تمثل حقبة فرعونية وبها آثار معابد تضم قرودا محنطة، بدون حراسة فاستخدمها أهالى القرى المتاخمة مقالب للقمامة وسط صمت من الوحدة المحلية لمركز ومدينة ملوى.

وعندما سألنا رئيس مركز ومدينة ملوى شحاتة عبدالقادر عن هذا الاتهام، جاء الرد بأن هذه المناطق تابعة لهيئة الآثار، وأن سلوك الأهالى الخاطئ هو المسئول عن تناثر القمامة فى كل مكان، وأن المحليات لا تستطيع رفع أى شيء إلا بحضور مسئولى الآثار.

أما قرية الشيخ عبادة ــ أو مدينة أنتينوبوليس ــ الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيل جنوب مركز ملوى بالمنيا، والتى شيدت عام 130 ميلادية على مساحة 7 كيلومترات فوق مدينة فرعونية لا تزال أسوارها الحجرية تقف شاهداً عليها حتى اليوم، فقد تركتها الوحدة المحلية دون عناية أو رفع للقمامة فتبعثرت آثارها وتعرضت للنهب والسرقة وتحولت المنطقة إلى حفر وبرك وتلال قمامة تضارع الآثار فى ارتفاعاتها، حسب ما يذكر كل من محمود حسين وحسن على الجلاد وهما من أهالى القرية.

وتقوم سيارات القمامة التابعة لمركز ملوى والتى تجمعها من القرى بإلقاء شحنتها فى المنطقة بدلا من السير بضعة كيلومترات إلى المدافن الصحية.

ويقول محمد صفى الدين سعادة، رئيس جمعية محبى آثار مصر، إن قريتى الشيخ عبادة والبهنسا الأثريتين تشهدان انتهاكا خطيرا، حيث قام الأهالى بالبناء فوق بقايا أثرية تاريخية، وحولوا باقى الآثار لمقالب قمامة ومخلفات البناء.

ويقول مدير آثار جنوب المهندس محمد رجب سيد «الأهالى يحرقون القمامة أيضا قرب معبد قديم للملك رمسيس الثانى، الذى مازالت معظم أعمدته قائمة، فضلا عن تجفيف روث البهائم لإعداد وقود الأفران».

المسئولون يستهينون بالمشكلة

لم يبد المسئولون اهتماما عند محاولة مناقشة القضية معهم ولم يعرضوا أى حلول لهذه المشكلة التى تمس جزءا من تاريخ مصر.

فرغم أنها ليست المسئولة عن هذه الفوضى، رفضت مديرة آثار ملوى نجوى محمد إجراء لقاء صحفى معها، وطالبتنا بحذف الصور التى تم التقاطها للانتهاكات، وذلك فى حضور شهود.

وأكد حسين هوارى ومحمود على حسين وجاد إبراهيم السيد ومهندس ترميم الآثار إبراهيم محمد عبدالحكيم، وهم أعضاء فى جمعية محبى آثار ملوى، أنهم نظموا أكثر من زيارة للمحافظة وللوحدات المحلية التى تكثر بها هذه الظاهرة وبها مناطق أثرية كما هو الحال فى المنيا وملوى وبنى مزار، وذلك لمحاولة التعاون فى تغيير أسلوب إلقاء القمامة بجوار الآثار بل وبداخلها، إلا أن هذه الزيارات لم تفلح كما يقول عبدالحكيم.

ويزيد عبدالحكيم أن الأمر وصل إلى أن «محافظ المنيا اللواء صلاح الدين زيادة طردنا من مكتبه قائلا: إنه «مش فاضى للموضوعات دى، وإن مشاكله أكبر من شوية قمامة عود كبريت يخلصنا منها».

وفى مقابلة هاتفية مع المحافظ للتأكد من هذه الواقعة، أكد المحافظ أن «البلد فيها مشاكل كثيرة وإحنا بنحاول نصلح ونزيل الإشغالات فى الشوارع»، متجاهلا الإشارة إلى مسألة الآثار.

لكن سكرتير عام مساعد المحافظة عبدالناصر الدمياطى يؤكد أن ما يحدث للآثار جريمة حقيقية، قائلا: «نقوم بإرسال سيارات جمع القمامة إلى الأماكن التى يرصدها ملاحظونا أو تردنا منها شكاوى المواطنين».

ويضيف الدمياطى أنه تم تكليف رؤساء الوحدات المحلية بمتابعة أعمال التعدى بالبناء على المناطق الأثرية أو تجميع القمامة فوقها لإزالتها «إلا أن الإجراءات الأمنية وظروف الأمن تحول دون ذلك فى بعض الأوقات».

ثم يلقى الدمياطى جزءا من المسئولية على الأهالى قائلا: «لا بد من تغيير ثقافة المواطن الذى ينتظر كل شيء من الدولة والدولة فى ظروف صعبة منذ أحداث 25 يناير وحتى الآن فالاستقرار محدود».

ويوضح أنه على المواطن أن يسهم مع الدولة فى وضع القمامة فى أماكن مجمعة ثم تأتى إليها الشاحنات لنقلها إلى أماكن دفنها، ثم يقوم بالإبلاغ عن أى سائق يخالف التعليمات.

لكن الأهالى يؤكدون أن المحافظة لم توفر لهم أماكن لتجميع القمامة وأن شاحنات القمامة التابعة للمحافظة هى التى تلقى بالقمامة فى أنحاء المنطقة.

يقول علوان فراج حسين، وهو مزارع يعيش فى قرية طهنا الجبل الأثرية، إن ما يدفعهم إلى إلقاء القمامة ليس الجهل بقيمة الآثار «لكن لأننا لا نجد مكانا آخر لتجميع القمامة وسيارات الوحدة المحلية نفسها قلبت المنطقة كلها إلى مقلب قمامة بحجة أنها منطقة جبلية».

ويوضح عرابى عبدالسلام، وهو من أهالى قرية طهنا الجبل أيضا، الوضع قائلا إن عدد السكان قد زاد وقامت المنازل بجور الآثار بل ربما بنيت المنازل فوق الآثار، وإن كل هذه الأسر لا تجد صناديق قمامة أمامها وبالتالى تلقى القمامة بين الآثار.

ويتساءل المدرس حسين إسماعيل، 45 عاما «لماذا لا تعمل الدولة على حمايتها (الآثار) ووضع صناديق قمامة لنا. فكيف لقرية بها 25 ألف نسمة بلا صندوق قمامة واحد. وننتظر الجرارات (شاحنات القمامة) لرفع القمامة، وبعدها تقوم الجرارات بإلقائها وسط الآثار أيضا ولكن فى منطقة بعيده نوعا ما عن القرية».

ويكشف سائق بالوحدة المحلية رفض نشر اسمه أن سيارات الوحدة المحلية لقرية نزلة عبيد وقرى شرق النيل جميعها شبه معطلة وأن الوحدات المحلية عموما تعتمد على شاحنات الجمعيات الأهلية فى رفع القمامة مرة أسبوعيا رغم أن كميات القمامة تحتاج إلى رفعها يوميا.

ولم يستطع هو أو غيره من المسئولين تحديد كمية القمامة التى يتخلص منها الأهالى يوميا فى المناطق الأثرية. لكن بحثا أعده الدكتور جمال فخرى، أستاذ البيئة بجامعة المنيا ورئيس مركز قياس الأثر البيئى، يظهر أن محافظة المنيا تنتج يوميا قرابة 15 ألف طن قمامة، ويوجد بها مصنع واحد لتدوير المخلفات لكنه لا يعمل. ويبلغ عدد سكان المحافظة حوالى 4.2 مليون نسمة طبقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *