موسم إعدام الشجر

29 أغسطس 2016

آفاق البيئة والتنمية: في كل عام مع هطول أول قطرة مطر معلنة قدوم فصل الشتاء، تبدأ عمليات إعدام الشجر والتي تجري بشكل ممنهج لأشجار يتجاوز عمرها مئات السنين، حيث يعلو صوت المناشير التي تغرس أسنانها في سيقان الشجر الحرجي المعمر في الخفاء والعلن.
تزداد الحالات مع بدء موسم الشتاء، نظراً لارتفاع اعتماد الأسر الفلسطينية على الحطب كوسيلة للتدفئة، مع غلاء أسعار المحروقات في الأراضي الفلسطينية (لتر الوقود يعادل دولار وثلاثة سنتات أمريكي)، ما جعل الحطب يتحول لصيد ثمين وتجارة رابحة، مع وصول سعر الطن في مدن مركزية كرام الله إلى 250 دولار.
الحطابون معروفون للجميع. ويمكنك في أي لحظة التواصل معهم ليقطعوا لك أي شجرة في أرض خاصة أو حرش حكومي خاصة في الليل، وذلك عندما يغادر طوافو الحراج متجهين إلى بيوتهم، تاركين الأحراش الحكومية البالغة 104 في الضفة الغربية بلا حراسة.
ولإثبات أن القطع متواصل قامت معدة التحقيق بالذهاب إلى حرش مسليه في جنين (أقصى شمال الضفة الغربية في يوم 6/4/2016. الحرش يقع ضمن مناطق ب الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية.

اجتثاث أشجار البلوط في حرش حكومي بمنطقة جنين

اجتثاث أشجار البلوط في حرش حكومي بمنطقة جنين

هناك، لم تجد فيه أي طواف. كما أن الحطابين قد سببوا أضراراً من خلال قطع ما يقرب العشر من أشجار البلوط المحمي.
ولتأكيد استهداف الأحراش بشكل مستمر، قامت معدة التحقيق، بالعودة إلى ذات الحرش بـتاريخ 26/4/2016 حيث وثقت قطع خمس شجرات بلوط أخرى. 

قانون غير رادع
عمليات إعدام الغطاء الأخضر تتم رغم أن القانون الفلسطيني ينص نظرياً على عقوبة بالسجن مدة سنة، وغرامة قد تصل إلى ألف دينار أردني، لكن الأمور مختلفة كلياً على أرض الواقع، فالعقوبة رمزية في التطبيق والسلطات تستنجد بمواعظ رجال الدين لوقف مجزرة الشجر.
اطّلعت معدة التحقيق على ملفات عشرين دعوى قضائية أدين أصحابها بقطع الشجر الحرجي عمداً في السنوات الثلاثة الأخيرة. لكن أياً من القضايا لم تتضمن عقوبة السجن، ولم تزد غرامتها عن خمسين ديناراً أردنياً، ما يسمح للمخالفين باستمرار مخالفاتهم.
مثلا، انتهى اعتداء على شجرة معمرة في منطقة رام الله يزيد عمرها عن 4 قرون في العام الماضي بقيام القاضي بإخراج المعتدي من السجن بكفالة قيمتها 25 دولاراً.

وبالعودةً إلى سجلات النيابة، فقد بلغت القضايا التي حققت فيها النيابة العامة في قضايا قطع الحراج، منذ مطلع 2012 ولغاية اليوم نحو 194 قضية توزعت على النحو التالي: رام الله (88 قضية)، محافظة الخليل (44 قضية)، نابلس (30 قضية)، سلفيت (30 قضية)، طولكرم (2 قضية). ولم تسجل أي قضية في نيابات أريحا وبيت لحم وقلقيلية وطوباس وجنين، مع أن تلك المناطق باستثناء أريحا تضم العديد من الأحراش الحكومية.
إطار رقم 1 والمتضمن جدول يوضح أنواع المخالفات

إطار 1: جدول استند على بيانات أربع نيابات فلسطينية ( الخليل، سلفيت، رام الله ونابلس) يوضح نوع المخالفة، اسم الحرش الحكومي، المشتكي والمشتكى عليه ونوع المخالفة:  
نوع العقوبة المشتكى عليه مواطن من دون ذكر أسماء المشتكي اسم الحرش  الحكومي نوع المخالفة
منظور بالقضية مواطن طواف حرش في الخليل قطع أشجار الحراج الحكومية
غرامة 50 دينار24-12-2014 مواطن شهود عيان أحراش طولكرم قطع أشجار الحراج الحكومية
10-2-2016 غرامة1400 دينار مواطنين اثنين شهود عيان أحراش طولكرم- قفين احداث ضرر كبير عبر قطع عشرات أشجار الحراج الحكومية
حبس مواطن طواف أحراش كوريا بيت أولا-حلحول قطع أشجار الحراج
غرامة مواطن طواف أحراش نوبا حلحول قطع أشجار الحراج
منظور بالقضية من 2013 مواطن أحراش نابلس التعدي بالقطع والإتلاف
منظور بالقضيةمن 2014 مواطن أحراش في نابلس التعدي بالقطع والإتلاف
منظور بالقضيةمن 2015 مواطن أحراش في نابلس التعدي بالقطع والإتلاف
الحبس مدة أسبوعين 2011 مواطن مواطن أحراش رام الله التحتا التعدي على أشجار حكومية
مؤجلة حتى 13-6-2016 مواطن بلدية البيرة البيرة قطع أشجار في شارع عام
براءة2016 مواطن مواطن الرام التعدي على أشجار ملك خاص
غطاء محدود
وفق بيانات وزارة الزراعة، يصل عدد الأحراش الحكومية إلى 104 حرش، تتراوح مساحتها من (100 دونم إلى 63 ألف دونم). أكبرها في طوباس 63 ألف دونم، ثم جنين 41500 دونم، فالخليل 11 ألف دونم. وتنقسم إلى نوعين: أحراش طبيعية تتألف من أشجار البلوط، الخروب والبطم والسريس. والنوع الثاني أحراش مستزرعة: تتألف من الصنوبر الحلبي والكناريا والسرو.
الاعتداءات تكون متساوية على الجهتين لكن الضرر الأكبر يكون على المستزرعة، لأنها إذا قطعت أو حرقت فلا يمكن أن تعود لتنبت من جديد، وفق مدير دائرة الأحراش والغابات في وزارة الزراعة، حسام طليب من ذات الوزارة.
عدد ضخم من الأشجار يعتبر فريسة سائغة للحطابين الذين يهدفون تسمين جيوبهم بالأموال

عدد ضخم من الأشجار يعتبر فريسة سائغة للحطابين الذين يهدفون تسمين جيوبهم بالأموال

خيوط التحقيق الأولى
يأتي هذا التحقيق بعد نحو خمسة أشهر من المتابعة وجمع المعلومات حيال مسار الاتجار بالحطب القادم من أشجار الأحراش الفلسطينية والذي تحول إلى ظاهرة تتنامى بشكل مطرد في السنوات الأخيرة. فغلاء أسعار المحروقات ( بنزين سولار ديزيل، كاز، غاز) والذي سجل أعلى معدل له عام 2012 ( 2 دولار للتر)، وفقاً لهيئة البترول في وزارة المالية، قبل أن يعاود الانخفاض في الأعوام التالية ليصل إلى 1,3 دولار للتر، ما يزال يعدُّ مرتفعاً نسبياً مقارنة بالدول المجاورة غير النفطية كالأردن ولبنان بسبب تحكم إسرائيل بأسعار الوقود والضريبة العالية التي تفرضها عليه. هذا الارتفاع قابله اقتناء مدافئ الحطب التي تعد اقتصادية، لكنها في المقابل مستهلكة للحطب ما يفتح الباب على السؤال عن مصدر كل هذا الحطب والغطاء الأخضر محدود في فلسطين، يبلغ (4%) من مساحة الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية والمقدرة بـ 5,860 كم²، أي 21% من مساحة فلسطين التاريخية.
ثم يأتي السؤال الثاني: هل يتم قطع الخشب ونقله بإشراف وزارة الزراعة (الجهة المخولة بمتابعة كل ما يتعلق بالشجر) أم يتم استيراده من الخارج بهدف بيعه لمن يملك مواقد حطب والتي يتراوح سعرها بين 40$ لصوبة الصاج و 100$ لصوبة الحديد أو تلك المصنوعة من الحجر والتي تبدأ من 600$ وتتعدى الـ 3000$ في بلد يبلغ فيه معدل الأجر اليومي وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2015: 120 شيقلاً/ 25 دولار يومياً.
الإقبال على هذا النوع من التدفئة وفق تأكيد عددٍ من تجار المدافئ، يأتي من كافة شرائح المجتمع (الدخل المحدود، المتوسط والعالي). وهو ما يتطابق وإحصائية الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2015 والتي توضّح أن التدفئة بالحطب 324.% هي نسبة متقاربة مع المحروقات التي تصل 532.%، فيما تصل نسبة الاعتماد على الكهرباء في التدفئة إلى: (839.% كهرباء والنسب الباقية 4.3% من مصادر أخرى.

الشجر من ناحية علمية وبيئية

يقول خبير النبات الفلسطيني ومدير مركز بيرك للأبحاث د. محمد سليم اشتية أن التحطيب العشوائي يعد أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى تدهور الغطاء الطبيعي وبخاصة مع انتشار استخدام المناشير الآلية في قص جذوع الأشجار الكبيرة المعمرة. وأضاف أنه على الرغم من أن التحطيب ليس المسؤول الوحيد في تدهور الغطاء النباتي الطبيعي، ولكن يمكن أن يسهم مع عوامل أخرى في حال استمراره في تهديد أنواع نباتية وشجرية كاللوز البري، الزيزفون، الدردار السوري، العرعر، الصفصاف، والسرو دائم الاخضرار.

وتأتي أهمية دور الغطاء النباتي وبخاصة الغابات والأحراش في البيئة الفلسطينية وفق د.اشتية فيما يلي: إنتاج المادة العضوية والأكسجين والتأثير إيجابا في عوامل المناخ ومنها الأمطار والرياح والحرارة والرطوبة والثلوج، وحماية المياه من التلوث عن طريق تقليل انجراف التربة وحماية المياه من التلوث البكتيري والتأثير في درجة حرارة الهواء وتأين الهواء في الغابات، وتحسين خواص الهواء وتعقيمه والتأثير إيجابا في صحة الإنسان، وتخفيف شدة الرياح وحماية التربة من الانجراف.

يؤدي تدهور الغابات وبخاصة الواقعة منها في المناطق الجافة في فلسطين، وفق د. اشتية، إلى تدهور التربة وانجرافها وإلى زوالها كليا في بعض المناطق، كما يسبب الجريان السطحي الشديد إلى تكوين أخاديد في السفوح وفقدان التربة لقدرتها على الاحتفاظ بالماء، وانخفاض مستوى تغذية المياه الجوفية والينابيع.

كيف نحمي الشجر؟
الخبير البيئي الفلسطيني ومدير وحدة الدراسات في مركز معا جورج كرزم يرى بحكم موقعه افتقار الأراضي الفلسطينية، إلى القوانين المشددة الهادفة إلى صيانة الأشجار والثروة الحرجية وردع أو معاقبة من تسول له نفسه تخريب تلك الثروة أو اجتثاثها.

وباعتقاد كرزم فالضرورة البيئية والوطنية القصوى تتطلب التحرك السريع على مستوى الهيئات المحلية والمنظمات الأهلية الفاعلة في المجالات البيئية والزراعية، لصيانة وتوثيق الأشجار التراثية في مختلف المناطق الفلسطينية، بهدف إنهاء حالة الفوضى والاستباحة التي تجتاح المساحات الخضراء والشجرية، والسيطرة عليها وفرملتها ووضع حد لها. ناصحاً بضرورة العمل المنظم والمنهجي، من خلال تنفيذ عملية مسح، تهدف إلى بلورة قائمة بالأشجار الفلسطينية المعمرة والمميزة التي يجب الحفاظ عليها في أماكن تواجدها. وذلك وفقا لمعايير معينة، مثل تحديد عمر الشجر المعمر بدءاً من (60 سنة على سبيل المثال)، وإيلاء أهمية وجدانية للشجر من خلال ربطها بقصص مثيرة من زمن الأجداد توثق في قائمة وطنية لحفظ هذا الموروث النباتي

رسمياً
ووفق الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء لعام 2013، فإن واردات الحطب المتعلقة بالتدفئة بلغت 10150 طن مقارنة بـ 329,864 طن من التحطيب المحلي ما يدل على أن ستهلاك الحطب للتدفئة هو محلي بالمجمل، بحسب عبد الله عزام مدير إحصاء الطاقة في جهاز الإحصاء الفلسطيني. فيما يبلغ إنتاج الجفت كبديل صديق للبيئة من مخلفات عصر الزيتون الصلبة (20 ألف طن)، ما يعكس عدم الإقبال عليه فلسطينياً مقارنة بالحطب.

نوع الطاقة الإنتاج الابتدائي بالطن محلياً الواردات
الحطب  والفحم 329,864 10,150 
الجفت (المخلفات الصلبة للزيتون) 20,000  0

بالتزامن، يقول تجار أدوات زراعية وصناعية أن إقبال الناس على شراء مناشير الخشب والتي يبدأ سعرها بـ 200$ ازداد خلال الثلاث سنوات الأخيرة، حيث يبيع كل محل خلال موسم الشتاء ما بين من 200 إلى 300 منشار، والتي وصل عددها كمحلات تبيع بالجملة وفق جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى 11 محلاً في الضفة الغربية.
ويتفاوت سعر طن الخشب المحطب محلياً في المحافظات من 100 إلى 250 دولار للطن بحسب فروقات مستوى الدخل بين المدن المختلفة. السعر الأكثر ارتفاعا للحطب المحلي في رام الله وبيت لحم أغرى الحطابين لشحنه من المحافظات الشمالية إلى المدن الوسطى، لكسب أفضل بحسب ما تظهر بيانات الضابطة الجمركية والبلديات.
يقبل المستهلكون من أصحاب المدافئ على شراء حطب بمعدل طن إلى طنين في موسم الشتاء، معظمه من الزيتون بالدرجة الأولى لسرعة اشتعاله يليه الصنوبر فالسرو والبلوط، فاللوز وغيرها من الأشجار الحرجية. الزيتون والبلوط أفضلها وأغلاها.

إطار 2 : الحطابون
الحطابون الذين لا يطلب منهم أي ترخيص سوى دفع رسوم قيمتها 2 دولار على نقل كل طن في حال تم ضبطتهم من قبل الزراعة أو الضابطة، يستمرون بالتحطيب في موسم الشتاء كمهنة ثانوية نظراً لكونها تتركز بهذه الفترة. ويتولون هم عملية القطع وتوزيعه على المحاطب مقابل 100 – 130 شيكل للعامل كل يوم أي ما يعادل (20-25 دولاراً)، أو يقوم أصحاب المحاطب بالمهمة بأنفسهم سواء من أراضي خاصة أو أحراش حكومية.
ويباع الخشب القانوني وهو المستورد من الخارج، والآخر الناجم عن تقليم الأشجار بشكل طبيعي (أجزاء وأطراف الاغصان) مع غير القانوني من الأشجار المعمرة والأصلية (سيقان وجذوع) بشكل مكشوف بحسب زيارات معدة التحقيق لهذه المحال.
جدول يوضح أسعار حطب المدافئ بالدولار ( كل شيقل يعادل ربع دولار) استناداً  إلى بحث ميداني أجرته معدة التحقيق في مدينة رام الله:
 
نوع الحطب حسب الرغبة أكثر السعر
زيتون ( من الأفضل للتدفئة) 150 – 200 دولار
بلوط (محمي) ( أفضل نار للتدفئة) 100-150 دولار حسب درجة تيبس الحطب، كلما كان ناشفاً أكثر، ارتفع سعره.
سرو( غير محمي) 85 دولار
صنوبر(غير محمي) 100 –  125 دولار
خروب (محمي) 100 –  125 دولار
 
لا يفكرون مرتين

تعاونت كاتبة التحقيق مع ناشط بيئي لتوثيق الاتصالات مع ثلاثة حطابين، لم يترددوا كل مرة بالإعلان عن موافقتهم فور إخبارهم بنية المتصل قطع شجر محمي ومعمر كالبطم والخروب والزيتون، سواء في أراض خاصة أو أحراش حكومية.
ذلك يعني أن عامل الردع الاخلاقي أو القانوني مغيب لدى الحطابين. فتشديد وزارة الزراعة على ضرورة عودة أي حطاب لها لقطع أي شجرة، أمر غير وارد في حسبانهم.

باستخدام كاميرا سرية، استدرج الناشط البيئي حطابين اثنين لقطع شجرة خروب معمرة في إحدى قرى رام الله على أرض خاصة، حيث أخبرهم أنه يريد إزالتها لغرض البناء. وبعد حضور الحطابين للموقع، وتحاشياً لعدم الوقوع في جرم قانوني بقطع الشجرة، قام الناشط بالتذرع للحطابين بحدوث خلاف مع شقيقه على الشجرة، فتم إلغاء عملية القطع.

https://www.youtube.com/watch?v=nf_pajaud14

كما وثّق ذات الناشط  اتصالين مع حطابين اثنين لاستدراجهما لقطع شجر معمر، في الاتصال الأول طلب من الحطاب الأول قطع شجر زيتون معمر في أرض خاصة، وفي الاتصال الثاني طلب من الحطاب الثاني قص شجر بطم معمر ومحمي في حرش حكومي.
الحطابان لم يظهرا أي معارضة لعملية القطع، وتحديداً في الاتصال الثاني، لم يخشَ الحطاب، إلا من سماع جيش الاحتلال لصوت منشاره بسبب قرب الحرش من مستوطنة إسرائيلية، وليس من الطوافين “مراقبي وزارة الزراعة الفلسطينية”.

https://youtu.be/LB7iHMk8HiE

إطار 3: المحاطب
المحاطب وعددها ما بين 40 إلى 50 محطبة بحسب تقديرات تجار الحطب تتواجد عادة على أراض خالية، وتشتمل أكواماً من الخشب متعدد الأنواع، وتكون المحاطب إما دائمة أو مؤقتة تنتهي بموسم الشتاء. بعضها متنقل من خلال مركبات شحن تبيع الحطب متجولةً بين المنازل.
وزارة الاقتصاد غير قادرة على توفير أعداد هذه المحاطب لأنها بالعادة غير مرخصة وفق منال فرحان مدير عام الصناعة، حيث تصنف ضمن العمل الآني غير المنظم أو غير الرسمي (خدمات بسيطة لعدم استيفاءها شروط أي منشأة تجارية أو صناعية من موقع ومبنى وتكلفة إدارة). ولكن من المفترض أن تخضع تلك المحاطب لقانون الحرف والصناعات الذي تطبقه البلديات والمجالس المحلية، القانون الذي لم تنضوِ تحته أيضاً المحاطب وذلك بعد تواصل معدة التحقيق مع عدد من المجالس البلدية.
الشرطة لا تقتحم أي محطب مخالف دون بلاغ من وزارة الزراعة وفق مصدر رسمي من الشرطة. وزارة الزراعة ينحصر دورها في متابعة عملية النقل والقطع للحطب من خلال مفتشيها والضابطة الجمركية، فكل حطاب ملزم إن تم ضبطه بإبراز شهادة موافقة من المجلس المحلي للقرية التي تم فيها القطع، كما عليه دفع رسوم تبلغ 2 دولار عن كل طن.

بين التقليم والتحطيب
تصر وزارة الزراعة على الطمأنة بحسب مدير مديرية رام الله، سمير سمارة بأن المصدر الأول لحطب المدافئ هو تقليم أشجار الزيتون التي يصل عددها في فلسطين حوالي 11 مليون شجرة.
برز ذلك بوضوح من حجم جذوع وسيقان بعضها فهي من النوع المعمر “الروماني” إن تحدثنا عن الزيتون مثلاً، ومن الخروب والبلوط والصنوبر والسرو إن تحدثنا عن الحرجي.
وحول الاعتداءات على الأحراش الحكومية عموماً، فحسب وزارة الزراعة تم الإبلاغ عن قطع 27 شجرة، وتجريف ثلاثة دونمات، واعتداءات حدود على 74 دونماً في عام 2013. أما في عامي 2014-2015: فتم الإبلاغ عن قطع 71 شجرة، وقلع 100 دونم لأشجار حديثة الزراعة.

حطب مجهول المصدر في ظل ضعف النظام القضائي

حطب مجهول المصدر في ظل ضعف النظام القضائي

مديرية الزراعة في رام الله
يصرّ مدير زراعة رام الله “سماره” بأن تحطيب الأشجار في تزايد “لكنه لا يصل إلى حجم ظاهرة”. ويرى أن الاعتداءات فردية وحقيقة قائمة ولكنها لا تعكس حالة عامة. إلّا أنه في ذات الوقت وجه رسالة إلى الوكيل المساعد لشؤون المحافظات في ديسمبر من عام 2015 يقترح عليه ضرورة تطوير قانون الزراعة لعام 2003 المتعلق بالغطاء الأخضر لجعله أكثر ردعاً وخاصة شجر الزيتون. وحول المفارقة بين طمأنته من أن القضية ليست كبيرة وبين توجهاته الأخيرة للحد منها، أشار سمارة إلى أنه يريد وضع “فرامل” لتزايد الاعتداءات قبل أن تصبح ظاهرة.
وأرسلت مديرية الزراعة كتباً بتاريخ 29/12/2015 إلى الأوقاف الإسلامية لطرح الموضوع في خطب الجوامع. وجاء في نص الكُتب: “هناك زيادة ملحوظة بالاعتداء على الأشجار الحرجية والزيتون من قبل المواطنين والبلديات أثناء تنفيذ مشاريع البنية التحتية، الأمر الذي يؤثر سلبا على الغطاء النباتي”.
أشار كتاب رئيس نيابة رام الله أحمد حنون حول الاعتداءات على الغطاء الأخضر في السنوات الأربعة الأخيرة، إلى إحالة 88 قضية إلى محكمة صلح رام الله كثير منها ما زال منظوراً فيه أمام المحكمة، ومنها ما تم الفصل به، فيما تراوحت الأحكام بين البراءة في بعضها والحبس من أسبوع وحتى ثلاثة أشهر، مع الغرامات من خمس دنانير وحتى 50 ديناراً.
يقول ثائر رابي مدير دائرة حماية الطبيعة في وزارة الزراعة، إن القاضي دائماً يلجأ لأسهل عقوبة (حبس يوم) وأقل غرامة في قانون عام 2003) بضعة دنانير.

الخطوة الأولى ولكن
يقر مسؤول الخدمات في مديرية الزراعة في رام الله طاهر تايه بتزايد التعديات على الغطاء النباتي، “دورنا تباعاً، يكون في تقييم حجم الضرر ورفعه للشرطة، وما يجري بعد ذلك فهو من اختصاص القضاء والنيابة التي تنظر بتقييم وزارة الزراعة وتحدد العقوبة بناءً عليها”. ( مرفق نماذج عن تقييم الضرر للأشجار في الأراضي الخاصة)
في ذات اللقاء، عرضت معدة التحقيق على تايه فيديو قام بالتقاطه ناشط بيئي لصالح التحقيق، يوثق قيام حطاب بالخفاء بقطع شجرة صنوبر (غير محمي) بارتفاع سبعة أمتار في منطقة أحراش أم صفا (مساحتها 450 دونم). والتي تم بيع أخشابها – حسب ما وصل الناشط البيئي من معلومات- كحطب تدفئة للمنازل.

https://www.youtube.com/watch?v=6VSrmaW98tE

بعد مشاهدة الفيديو، وبالرغم من حالة الجدل حول ما إذا تم القطع في أراض محاذية للحرش أم في الحرش ذاته، إلا أن تايه عقّب بأن ما فعله الحطاب جريمة ومخالف للقانون، والمفترض أخذ إذن وزارة الزراعة وأخذ تصريح بالقص لتقدير ما مدى حاجة الأرض لخلع هذه الشجرة.
حول التصاريح المتعلقة بقطع الشجر، أشار حسام طليب من وزارة الزراعة أن التصاريح عادة تقدم من البلديات، ولكنها شبه نادرة من المواطنين من أصحاب الأراضي الخاصة.
في مديرية زراعة رام الله يرى عزمي سلمان، مدير دائرة الغابات والمراعي بأن الطوافين في حرشي بيتلو وأم صفا، يتواجدون باستمرار، ولا يوجد تعديات على الأحراش الحكومية في رام الله، إلا بنسب ضئيلة وفق بلاغات الطوافين التي لم تتعد بلاغ أو اثنين في العام.
ولكن بعد إثارة موضوع الفيديو ومواجهته به، قام سلمان بالتواصل مع طواف الحرش أمام معدة التحقيق سائلاً إياه عن موضوع قطع شجرة في الحرش. وأخبره الطواف بقطع شجرتين أخريين غير تلك المقصودة، فسأله سلمان: ” لماذا لم تبلغني؟”.
ففي الأشهر الأخيرة، يشير تايه إلى اتخاذ مديريته إجراءات جديدة لتشديد الرقابة على تجار الحطب، من خلال توقيعهم على “تعهد عدلي” حول الالتزام بالقوانين، وعدم نقل وقطع الشجر إلا وفق القانون والعودة إلى وزارة الزراعة.
تم توقيع خمس تعهدات عدلية مع حطابين ومحاطب في رام الله منذ العام الحالي 2016، مبادرة لم تحذ حذوها بلديات ومجالس محلية أخرى، رغم أن التعهد العدلي “قديم جديد” تم اعتماده بعد مجيء السلطة في أواسط التسعينيات.

إطار4: الاستيطان وتدمير الغطاء الأخضر
الاستيطان المدمر الأكبر، ولكن!
وفق وزارة الزراعة فإن الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال الاستيطان على الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 ساهم في تدمير 51 ألف دونم، أبرزها كان في جبل أبو غنيم عام 1996 حيث سيطر على غابة خضراء بلغت مساحتها 2085 دونماً، وما بين أعوام 67 حتى عام 1994 فقد تعرضت أحراش طوباس لاعتداء كبير من قبل الاحتلال حيث استخدمت كمناطق تدريب عسكرية، ومن قبل السكان المحليين لغياب أي جهة رقابية من قطع وحرق ورعي جائر.
ووفق معهد الأبحاث التطبيقية الفلسطيني فقد نقص حجم الأحراش الحكومية منذ عام 1974 حتى عام 2007 بنسبة 29% نتيجة بناء المستوطنات وانشاء مناطق عسكرية مغلقة.

الضابطة الجمركية: نضبط والبقية عند الزراعة
الرائد حسام خلايلة من الضابطة الجمركية يقول أنهم وبالتنسيق مع وزارة الزراعة، ضبطا في الفترة الأخيرة أطنان من شحنات الحطب القادم من شمال فلسطين والمتجه إلى جنوب الضفة كبيت لحم والخليل. وتم إيقاف التاجر والتنسيق مع الزراعة لتقييم المضبوطات وتحديد المخالفة.وتم ضبطومخالفة 16 قضية في 2015، وفي أول ثلاثة أشهر من العام الحالي 2016 تم ضبط 12 حالة.
يؤكد خلايلة بأن فترة موسم الشتاء في السنتين الأخيرتين، قد شهدتا ومن خلال المضبوطات ازدياداً في كمية الحطب المهرب في الشاحنات، حيث يتم إيقاف الحطاب وتحويل ملفه لوزارة الزراعة التي تتابع الموضوع.
ويقول: “الموضوع ليس بسيطاً، فعلى مدخل بيت لحم لوحدها ضبطنا خلال موسم الشتاء الأخير ما يزيد عن 24 طناً من الخشب”.
ويشير خلايلة إلى أن التعهد العدلي المطبق حديثا هو إجراء شكلي لا يردع: “على المعتدي أن يعرف بأن العقاب، سيجعله يفكر 100 مرة قبل قطع أي شجرة”.

طوافون قلة وأحراش ممتدة
لتوفير الحماية للحراج الحكومي، عينت الوزارة 42 حارساً أو (طوافاً) في مختلف الأحراش موزعين حسب مساحة الحرش وقرب الأحراش من بعضها. حيث قد يحرس طواف حرشين متلاصقين أو ثلاثة، فيما قد يحرس طوافين اثنين حرشاً كبيراً، وتكون مهمتهم الرصد والرقابة والحماية، ولبعضهم صفة الضابطة القضائية، وهم غير مسلحين، لكن ينسقون مع الأجهزة الأمنية لتأمين الحماية والسيطرة على الحرش.
كشف الطوافون في مختلف المحافظات خلال العام الماضي 12 حالة اعتداء على الشجر سواء أثناء أو بعد العملية، ولم يحدث أن تم الإبلاغ عن اعتداءات من حطابين ضد الطوافين. عدد البلاغات من الطوافين، يقل عن حجم الاعتداءات التي اتضحت لمعدة التحقيق من خلال قضايا النيابة في المحافظات وأرقام الضابطة الجمركية.

من هو الطواف؟
يتلقى الطواف راتباً من 400 دولار إلى 600 دولار وفق نظام المياومة التابع لسلم الرواتب الفلسطيني، حيث يزيد الراتب مع زيادة الخبرة. يتم تزويدهم بألبسة وأحذية مناسبة، وأحيانا هواتف متنقلة، ولا تؤمن لهم أي وسيلة نقل كالتراكتور أو الماتور داخل الحرش وذلك بسبب عدم توفر ميزانية.
ويرى طليب بأن الطوافين يلتزمون بدوامهم، ولكن ما يحدث أن الطواف حين يكون مشرفاً على حرش في مناطق (جـ) يخشى التصادم مع المستوطنين أو مع الحطابين، وقد سُجلت العام الماضي حالتي اعتداء في حرش بيتلو، رام الله، حيث تعرض الطواف للضرب المبرح من المستوطنين، وفي عينون شرق طوباس تعرض الطوافون للاعتقال من قبل جيش الاحتلال.
وبمواجهة المسؤول حول الطوافين ولتحسين عملهم ورفع جودة أدائهم فوفق حسام طليب يجب التالي: ان لا يقل مؤهلهم العلمي عن ثانوية عامة، ليكون مستواهم العلمي منسجماً مع مهامهم المتعلقة بالالمام بطبيعة الشجر وعمليات الرصد، وتنفيذ عملية الضبط القضائي أي كتابة تقرير ضد المعتدي وتحويله للنيابة.
– توفير وسائل اتصالات حديثة من أبراج مراقبة، تسهيل الحركة من خلال وسائل تنقل كالمركبات الجبلية ذات الدفع الرباعي “جيبات”.
-زيادة عدد الطوافين إلى 62 طوافاً وفق المعيار العالمي الذي يحدد لكل 1000 دونم طواف على الأقل.
توفير شبكة اتصالات مجانية (مخشير) لكل طواف.

ملاحقة احد الحطابين

ملاحقة أحد الحطابين

أين الطوافون؟
يؤكد “محمد محاسنة” مدير المحميات الطبيعية والغابات في سلطة جودة البيئة حقيقة أن الطوافين لا يتواجدون، فبحكم متابعته لمحمية القف في الخليل (أكبر محمية في فلسطين) وعند كل زيارة يقوم بالبحث عن الطوافين، ولا يجدهم! لكنه يعود ويجد لهم العذر، فلا تسهيلات للتنقل (متور أو تركتور) أو معدات ضرورية للحراسة والمراقبة ولا حوافز. وفق طليب فالميزانية هي العائق الأكبر لتحسين عمل الطوافين وزيادة عددهم.

الحل الممكن
سعت وزارة الزراعة للسيطرة على عملية القطع والاعتداءات ضد الشجر – في ظل عدم القدرة على الرقابة الكاملة – من خلال تشجيع الاستيراد عبر خفض رسوم الاستيراد على الحطب بدءاً من أواخر العام الماضي (دولار و30 سنت) على كل طن، فيما تبلغ رسوم نقل الحطب المحلي 2 دولار لكل طن.
بالرغم من محاولات تحجيم ظاهرة هذه الاعتداءات، فإن الغطاء الأخضر (الحكومي والخاص) يعُتدى عليه وخاصة في موسم الشتاء مع انتشار مدافئ الحطب بشكل كبير وفق تواريخ محاضر الشرطة والضابطة الجمركية، وشهادات المحاطب وقضايا النيابة (توزعت على أشهر ديسمبر، يناير، فبراير ومارس)، ما يهدد بانجراف التربة والقضاء على التنوع الحيوي. ويفاقم الوضع استمرار سيطرة الاحتلال على الموارد الحيوية معيقاً التطور في الأراضي الفلسطينية، ومسبباً الضرر الأكبر للشجر عبر تجريف آلاف الدونمات واجتثاث عشرات الآلاف من الأشجار.

 كانت الأشجار الحرجية على امتداد وادي الزومر المار من بلدة طولكرم لوحة جميلة متكاملة تجذب الأسر للتنزه والاسترخاء، أما الخروب فمن ثماره صُنعت أطيب الحلويات وتحت أغصانه استظلت العائلات من قيظ الصيف، فيما كان الصنوبر ملهى الصبيان للتسلق والتقاط الفراشات والطيور، وفي الربيع كان زهر اللوز يكسو البلدة برداء ابيضٍ باهي… مشاهد باتت نادرة وفق الستيني فايق مزيد من طولكرم ولم يبق منها إلا الذكريات.

*أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” (أريج).


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *