عدالة مفقودة عبر النهر

2 أكتوبر 2012

 صحيفة الغد/ عمان – رام الله – قبل أن تصل الشرطة الفلسطينية إلى مسرح الجريمة حيث قتل المواطن فايد أبو سمرة، 44 عاما، من مدينة قلقيلية كان المتهم (ر.م) قد اجتاز المعبر في طريقه إلى الأردن.

وصول القاتل إلى الأردن في أحد أيام شهر أيار (مايو) الحارة من عام 2008 جعل إلقاء القبض عليه كمن يبحث “عن إبرة في كومة قش”، ما دفع شقيق المقتول رفيق أبو سمرة – المقيم في المملكة – إلى تولي الأمر بنفسه، ومتابعة تحركات المجرم المفترض، وتعقبه “بالتعاون” مع السفارة الفلسطينية في عمان. 

إذا كان هناك من تابع “قضية أبو سمرة” في الأردن ما سهل القبض على القاتل بعد ثلاثة أسابيع أثناء محاولته الفرار عبر الحدود السورية ثم تسليمه للقضاء الفلسطيني، فإن الأمر مختلف بالنسبة لـ “لينا السويطي” (38 عاما)، من رام الله.

فما تزال الدعوى القضائية التي رفعتها السويطي ضد المتهم (خ. ع)، معلقة بعد ثلاثة أعوام، منذ أوهمها بشراء قطعة أرض بمبلغ 35 ألف دولار ولاذ المتهم في الأردن، حيث يمارس نشاطا تجاريا دون أي مساءلة قانونية. 

هذا التحقيق، الذي اعد بالتعاون ما بين صحيفة “الغد” وصحيفة “الحال” الفلسطينية، وينشر اليوم بالتزامن في الصحيفتين، رصد 17 دعوى قضائية مرفوعة بحقّ المتهم نفسه من مواطنين تعرضوا لعمليات نصب مماثلة.

تعتاش السويطي – الموظفة في “سلطة النقد الفلسطينية” – على ثلث راتبها الشهري، بعد أن اقترضت ثمن الأرض الوهمية، آملة في توفير استثمار لضمان مستقبل طفلتيها. وتقول بحسرة: “تمكن النصّاب وزوجته من الهرب الى الأردن قبل أن يصدر النائب العام قرارين بمنعهما من السفر”.

ساعتان فقط يستغرق المسافر من الضفة الغربية إلى الأردن (أقل من 100 كيلومتر هوائي بين القدس وعمان)، وهي مدة كافية لهروب أكثر من 20 متهما من وجه القضاء الفلسطيني خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط، بحسب توثيق فريق التحقيق.

سرعة وسهولة الانتقال من أراضي السلطة إلى الجارة الأردن، وعدم تفعيل الاتفاقيات القانونية الخاصة بتسليم المجرمين بين الطرفين، يبقي المتهمين بعيدا عن يد العدالة، فيما عدّت قضايا الضحايا المرفوعة في المحاكم، إما مفتوحة أو حكم فيها غيابيا، ما يشكّل مسا خطيرا بمصالح العديد من الفلسطينيين.

عمارة الرجبي

قضية “فايز الرجبي”، من مدينة الخليل، تأخذ بعدا وطنيا، فقد احتل المستوطنون “عمارة الرجبي” مدعين شراءها (أذار (مارس) 2007) من مواطن فلسطيني، يحمل الجنسية الأردنية.

الرجبي الذي كان قد أوقف صفقة بيع بنايته للمتهم (أ.ج) لأسباب أمنية اكتشف أن الأخير زور أوراق البيع وباعها للمستوطنين وفر إلى الأردن. جاء تحرك الرجبي لاسترداد ملكه بمعاونة المؤسسات الأهلية الفلسطينية التي تقاوم المد الاستيطاني في البلدة القديمة بالخليل، فرفع شكاوى قضائية لدى المحكمة الإسرائيلية العليا التي قضت بطرد المستوطنين منها من دون ردها لمالكها.

يطالب الرجبي بمحاكمة المتهم الفار ومساءلة شريكه (م. ف)، ويتهم السلطة بالتقصير “لم تكن معنية بأي وقت باستجلاب المتهم، ولم تسمح لي بالسفر إلى الأردن”. وتتضاعف المشكلة كون المتهم يحمل رقما وطنيا أردنيا، ما يحول دون تسليمه، وفق القانون الأردني، حتى لو قدّمت السلطة الفلسطينية طلبا رسميا بذلك.

أعداد كبيرة من الفلسطينيين تحمل الجنسية الأردنية وتعيش في الضفة الغربية، فيما أعداد أخرى منهم تحمل الجنسية الفلسطينية وتعيش في الأردن بجواز سفر أردني ورقم وطني أيضا، ما يجعلهم مواطنين بكامل الحقوق. وبحسب إحصائيات غير رسمية من وزارة الداخلية الأردنية، يبلغ عدد الفلسطينيين ممن يحملون بطاقة صفراء (أي يحملون رقماً وطنياً أردنياً وفي الوقت ذاته لديهم الحق في الإقامة في الضفة الغربية) 800 ألف، أي 15 % من المواطنين الأردنيين. ومنهم حوالي 145 ألف لاجئ غزّي، مسجلون لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ولا يحملون أرقاما وطنية. 

القاسم المشترك في قضيتي السويطي والرجبي وغيرهما من حكايات الباحثين عن حقوقهم المسلوبة يكمن في أن المتهمين يقيمون في الأردن، مستغلين مسألة ازدواجية الجنسية، ومجموعة من القضايا العالقة في اتفاقيات تسليم المجرمين.

تتضاعف تعقيدات هذا الملف مع وجود احتلال يسيطر على معابر الضفة منذ 1967. كل ذلك جعل الأردن ملاذا حتى لمن يرتكب جنحا وجرائم أقل خطورة مثل: الاعتداء على الأعراض، والسرقة، والخلافات العائلية…الخ، بحسب ما تبين لفريق التحقيق.

متعاون.. ولا تسليم!

القاضي فريد الجلاد، رئيس مجلس القضاء الأعلى، يشير إلى أن العلاقة القانونية بين الأردن وفلسطين محكومة بـ “اتفاقية التعاون القضائي/ اتفاقية الرياض” تحت مظلة جامعة الدول العربية. ويؤكد أن “الجهات الأردنية تتعاون وتطبق الإجراءات القانونية إذ تجري الملاحقة والتسليم للسلطة الفلسطينية”. 

يشارك القاضي الجلاد في الرأي وزير العدل الفلسطيني (في فترة إنجاز التحقيق) علي الخشان “فالأردن متعاون كثيرا، ويقوم بالتسليم، فيما الاحتلال هو العقبة”، وهو الأمر ذاته الذي يقرّه سفير فلسطين لدى الأردن عطا الله خيري.

وطالما الأمر على هذا النحو من التعاون والاتفاق، سألنا الجلاد: كيف يمكن تفسير ارتفاع أعداد الهاربين إلى الأردن؟ فرد الأمر إلى “إمكانية هرب المجرم إلى الأردن قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة من الجهات الفلسطينية صاحبة الاختصاص”.

على أن الجلاد يقر بوجود حالات استثنائية في ملفات استحضار المتهمين قضائيا لأسباب خارجة عن إرادة الطرف الأردني. “فالمتهم يمكن أن يتخفى بجواز سفر مزيف، أو أن يهرب عبر الأردن إلى دول أخرى”. 

ورغم هذه الإشادة لم يتسلم الجانب الفلسطيني أي متهم/ مجرم حتى الآن من خلال منظومة الاسترداد القضائية، وهو ما يؤكده النائب العام المساعد والمستشار القاضي عبد الغني العويوي “قدمنا للأردن (بين عامي 2007 – 2010)  خمسة ملفات لتسليم متهمين… لم نتسلم أيا منهم”. 

السفير الفلسطيني في عمان يقلل من حجم المشكلة. إذ يؤكد خيري أن السفارة “لم تواجه أي مشكلة تذكر في مذكرات تبادل مطلوبين أو مجرمين بين الأردن والسلطة، بسبب وجود نصوص قانونية واضحة بتلك القضايا”. على أن السفير الفلسطيني يتحدث عن تقاطع قضائي بسبب ازدواجية الجنسية. ففي حال حمل المطلوب جواز سفر أردنيا أو أي وثيقة أردنية، فإنه يحاكم وفقاً للقوانين الأردنية ويتم التعامل مع قضيته باعتبارها وقعت في الأردن”.

ويقتصر دور السفارة، بحسب خيري، على مخاطبة وزارة الخارجية الأردنية التي بدورها تخاطب الجهات المختصة في الأردن.

أما فيما يخص قاتل “أبو سمرة” الذي تسلمه الجانب الفلسطيني من الأردن عام 2008 فإن ذلك لم يتم وفق منظومة الاسترداد القضائية، بحسب تصريحات محمد أبو سمرة، شقيق الضحية، بل بجهود شقيقه “رفيق” المقيم في المملكة.

أطلع فريق التحقيق المستشار العويوي على أكثر من 20 قضية – سجلت خلال السنوات الخمس الأخيرة- المتهمون فيها خارج الوطن. وسألناه: “لماذا يوجد خمسة طلبات استرداد فقط”؟ فأرجع العويوي الأمر إلى أن “الأولوية تعطى للجرائم الخطيرة مثل: الفساد وجرائم القتل”.

ولدى سؤاله عن عدم شمول طلبات الاسترداد ملفات النصب الكبرى، أرجع العويوي ذلك إلى “تعقيدات في إجراءات التسليم، وعدم استقرار الوضع السياسي، وعدم وجود سيادة على المعابر، وازدواج الهوية”.

وعن الجهة التي تقرر أي القضايا تستحق التقدم لها بطلب استرداد؟ يقول العويوي: “عادة، نفحص القضية وإذا توافرت الشروط الموجبة للتسليم نرفعها دون أي ضغوط من الأهالي أو المسؤولين..، أما قضايا النصب فلا نتقدم بطلبات استرداد فيها كونها لا تنطبق على الاتفاقية”.

تشخيص العويوي يتناقض مع نص الاتفاقية التي لا تصنّف الجرائم التي يتم استرداد متهمين فيها، فهي تنص على تسليم المجرمين الهاربين بغض النظر عن تهمهم.

حاول فريق العمل مرارا مقابلة مصدر مسؤول في الشرطة الفلسطينية أو في قسم مراقبة المعابر، إلا أننا لم نتلق ردا إيجابيا طيلة أشهر من المراسلات.

شرطة المعابر الفلسطينية توقف متهمين كثرا في طريقهم الى الأردن، وتظهر الإحصائيات المنشورة على صفحة الشرطة الرسمية – من مطلع بداية 2010 وحتى نهاية العام 2011 – إلقاء القبض على (1919) مطلوبا بقضايا جنائية مختلفة أثناء توجههم الى الأردن، عبر استراحة أريحا إلى “جسر الملك حسين”.

وبحسب مصدر مخول في وزارة العدل الأردنية، فإن الأردن تسلم سبعة طلبات بين أعوام 2009 – 2012، توزعت على: طلب متعلق بمتهم أصدر شيكات بدون رصيد، وتم تسليم المتهم ….عام 2012، وآخر عام 2012 يتعلق بقضية اختلاس، وتم رفضه كون المتهم محكوما عليه في الأردن، وطلب ثالث عام 2010 لتسليم متهم بجريمة قتل رفض الطلب كون المتهم محكوماً عليه في قضية قتل بالمملكة. وفي 2009 و2012، رفض الأردن طلبي تسليم في قضيتي احتيال كون المطلوبين محكومين على خلفية قضايا اختلاس في المملكة. 

ويضيف المصدر: “سلم الأردن السلطة عام 2010 مطلوباً بقضية غسيل أموال، وآخر في قضية شيكات بدون رصيد عام 2011”. 

إحدى أهم القضايا التي طفت على السطح مؤخرا وفتحت ملف استرداد المتهمين كانت ملف القيادي في حركة فتح محمد دحلان، وفي تصريحات رفيق النتشة، رئيس هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، قال إن السلطة تقدمت إلى الجانب الأردني بالتحفظ على أمواله المنقولة وغير المنقولة في المملكة. في حين جاء رد دحلان بنفي وجود أملاك لديه هناك.

يذكر أن هيئة مكافحة الفساد تتابع مجموعة من القضايا التي يعيش بعض المتهمين فيها في المملكة من دون أن يتم تسليمهم حتى اللحظة، ورغم طلباتنا المتكررة للحصول على تصريحات خاصة حول ذلك إلا أننا لم نتلق أي رد.

شروط التسليم

وعن الشروط التي يكون فيها التسليم واجبا على الدولة يقول المستشار القانوني علي أبو دياك: “شرط أن تكون الجريمة في باب الجنايات يعد أمرا حاكما لتطبيق اتفاقية الرياض”. ويضيف: “المادة 40 تحدد الواجب تسليمهم مثل: أن يكون الاتهام عن أفعال معاقب عليها بمقتضى قوانين الطرفين، بعقوبة مدتها سنة أو أكثر، وأن تكون الجريمة على قدر معين من الأهمية”.

ويتابع أبو دياك: “الاتفاقية وضحت الجرائم التي لا يجوز فيها التسليم مثل: إذا كانت الجريمة ذات صبغة سياسية، أو تنحصر في الإخلال بواجبات عسكرية”.

يقر المستشار العويوي كما أبو دياك بتعقيدات ملف التسليم الذي يشترط حزمة مرفقات، وفي حال نقص بعضها يسقط طلب الاسترداد كليا. ويؤكد: “في مرات عديدة لم نتمكن من تسلم مجرمين بفعل إجراءات شكلية مثل: أن يصر الطرف الأردني على أن يتم إرسال النسخة الأصلية من ملف الاسترداد لا صورا مصدقة عنه”. 

هنا يسرد الخبير القانوني عصام عابدين شروط طلب الاسترداد: “يجب أن يرفق الطلب ببيان مفصل عن هوية المتهم، وأوصافه، وجنسيته، وصورته، وأمر القبض عليه، ومذكرة تتضمن تاريخ ومكان ارتكاب الجريمة، وتكييفها والمقتضيات القانونية المطبقة عليها، مع نسخة معتمدة من هذه المقتضيات، وبيان بالأدلة القائمة ضد الشخص المطلوب تسليمه”.

وفي ضوء تعقيدات اتفاقية الرياض التي تقرها جميع الأطراف يتابع عابدين: “هناك قانون لا زال معمولاً به ونافذاً وسارياً في الأردن والأراضي الفلسطينية، وهو قانون تسليم المجرمين الفارين لسنة 1927”.

والقانون سابق الذكر لا يشترط وجود اتفاق بين الأردن وفلسطين لإمكانية تسليم المجرمين الفارين، بل يُتيح تسليم المجرمين الذين ارتكبوا جرائم في فلسطين وفروا إلى الأردن إذا ما قدم طلب لتسليمهم.

إلى جانب ذلك،  فإن قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 نص في المادة (10) فقرة (4) على أن أحكامه “تسري على كل أجنبي مقيم في المملكة ارتكب خارج المملكة جناية أو جنحة يُعاقب عليها القانون الأردني”.

تقصير من؟

تأكيد عابدين هذا يشير إلى تقصير في مكان ما. المستشار العويوي يرده إلى التجربة القضائية الفلسطينية الحديثة، إلى جانب الرقابة القضائية في الأردن، “ففي حال وجود أيه خلل إجرائي يتم رفض طلب الاسترداد”.

وتحدث العويوي عن أخطاء وقعت من الجانب الفلسطيني وتحديدا من وزارة العدل وهو ما عرقل استرداد بعض المتهمين، كما تحدث عن أخطاء مماثلة وقع بها الجانب الأردني. وزير العدل الخشان رفض اتهام مساعد النائب العام قائلا: “لا نقوم بعمل فني في طلبات الاسترداد، نرفع الطلب للجانب الأردني فقط”.

ويرى العويوي أن الردود الأردنية على طلبات الاسترداد مقنعة!، فهو كجهة تمثل النيابة العامة لا تقدر على التعقيب على قرار قضائي أردني يخبره أن المتهم خارج الأردن، أو أنه مواطن أردني لا يجيز القانون تسليمه…”. 

أبو دياك يعقب على ذلك بداية بإقرار الأمر، فتجربته عندما كان على رأس الفريق الفلسطيني في قضايا الاسترداد في وزارة العدل في الفترة ما بين (2003 – 2007) تؤكد ذلك، لكنه يطرح قضايا فنية غاية في الأهمية والخطورة: “في أحيان كثيرة علم المتهم بطلب الاسترداد وهرب من الأردن، وهو أمر يتعلق بكثرة الجهات التي تتدخل بالأمر، والمدة التي يستغرقها إعداد الطلب”.

وهو ما حدث في قضية “عبد اللطيف حجة” المتهم باختلاس أموال من جمعيات فلسطينية، وكان الرد الأردني حول طلب استرداده الأول بالرفض كونه يحمل رقما وطنيا أردنيا، فيما تمثل الرد الثاني بأن “المتهم خارج الأرضي الأردنية”.

ومن “قضية حجة” تبرز مشكلة أخرى، وهي ازدواجية الجنسية، فالقانونان الأساسيان للبلدين يحظران تسليم من يحمل جنسية الدولة لأخرى، وهو ما يجعل قضايا الاستجلاب أكثر صعوبة، ويضع “اتفاقية الرياض” موضع القصور بحسب قانونيين.

إلا أن القانون يسمح بتجاوز هذه المشكلة بحسب المستشار العويوي، فكثير من الحالات يمكن أن تتم المحاكمة فيها بالأردن، والعكس أيضا مثل قضية المواطن “ع. ج” الذي حكم عليه 21 عاما من القضاء الأردني وتم التقدم بطلب استرداد بحقه لكن السلطة رفضت تسليمه لتقوم بمحاكمته لديها.

ويشير العويوي: “القضايا التي تندرج ضمن فئة الحق المدني مثل: حالات النصب والشيكات من دون رصيد والديون…الخ يمكن التوجه فيها للقضاء الأردني بعيدا عن طلبات الاسترداد”.

أبو دياك بدوره يرى أن فكرة المحاكمة بالأردن قد تكون مقبولة في ملفات كبيرة، لكنها معقدة ومكلفة مع ضرورات نقل الشهود واستجوابهم ونقل ملفات القضية وكل متعلقاتها، وهو ما لا يجعل منها حلا مثاليا.

ملفات بلا استجلاب

 

هذه التكلفة العالية هي ما جعلت المواطن “جمال زماعرة (أبو دهنش)” من بلدة حلحول في الخليل، ينتظر أربع سنوات في سبيل استرداد (إ. ك) الذي نصب عليه وعلى الهيئة العامة للبترول بمبلغ 27 مليون شيقل إسرائيلي وفر إلى الأردن.

يقول أبو دهنش: “إذا كنت لا أستطيع  متابعة القضية هنا، هل سأكون قادرا على متابعتها في الأردن”.

أبو دهنش، وبعد ان فشلت كل الطرق التي سلكها لإعادة تشغيل محطته ومن قبلها استجلاب المتهم لمحاكمته، رفع شكواه في شهر تشرين الأول من عام 2010 إلى رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وهيئة مكافحة الفساد، مطالبا بإعادة التحقيق في الملف. وهو يعتقد جازما أنه ضحية فساد كبيرة تعرض لها مع مؤسسة رسمية.

يؤكد محتدا: “الحل متاح.. لماذا لا يقومون باستجلاب المتهم وفضح حالة الفساد التي مثلها؟”.

أخبرنا أبو دياك أن هناك قضايا قدمت طلبات استرداد بخصوصها ورغم مرور سنوات عليها لم يطرأ أي جديد بخصوصها فاستدعى خبرته قائلا: “في فترة عملي بوزارة العدل تقدمنا بحوالي 6- 7 طلبات بين عامي 2003 – 2007، ولم تتم الاستجابة لأي طلب لأسباب لها علاقة بازدواج الجنسية أو هرب المتهمين أو تعقيدات ملف التسليم والظرف الفلسطيني”. 

هنا يعتبر للظرف الفلسطيني وضعية خاصة لا تراعيها اتفاقية الرياض تحديدا، فالاتفاقية تحدد مددا للرد والتسليم وفلسطين بصفتها دولة محتلة تعاني من معيقات ترتبط بالحدود والقدرة على التسلم والتسليم، وهو ما لا تراعيه الاتفاقية بحسب أبو دياك.

يقر المستشار العويوي أن الجانب الأردني يتعاون في جرائم القتل حيث يلقي القبض على القاتل بمجرد تبليغه بوجود المجرم على الأرض الأردنية.. المثال على ذلك تسليم الأردن للمتهم (ج. غ) بقتل المجني عليه (فايد أبو سمرة). 

عن تلك القضية تحديدا يحدثنا أخ المغدور “محمد أبو سمرة”: “بقي المتهم في الأردن فترة قاربت الشهر، ولولا الجهود التي قام بها أخي “رفيق” الذي يقيم في عمان، وعلاقاته مع السفارة الفلسطينية لكان أمر الاسترداد مشكوكا فيه”. يدعم ذلك بعض حالات القتل التي قدم فيها طلبات استرداد، ولم تنفذ حتى اللحظة.

قوانين بلا فاعلية

الخبير القانوني حنا عيسى عمل سنوات في وزارة العدل، وكان مسؤولا عن ملف تسليم المجرمين يشير إلى وجود رزم من القوانين التي تختص بتسليم المجرمين إلا أنه ورغم قدم بعضها، وحداثة بعضها الآخر لم تفلح في تنظيم العلاقة القانونية بين المملكة والسلطة. ويرد أسباب عدم سن قوانين جديدة مع تنامي الحاجة إليها إلى “السلطة الفتية، وقلة الخبرة في مجال التشريع، والخوف من الوقوع في أخطاء قانونية”.

جميع تعقيدات هذا الملف تطرح فكرة عقد اتفاقية ثنائية بين الطرفين كحل يخفف من معاناة المواطنين بحسب عيسى، وذلك على غرار الاتفاقية الناظمة للعلاقة وتسليم المجرمين بين السلطة وإسرائيل، (البرتوكول الرابع من الاتفاقية المرحلية لعام 1999 “اتفاقية أوسلو”) والذي انبثق منها اللجنة القانونية الفلسطينية – الإسرائيلية المشتركة بحسب تصريحات قائد الارتباط العسكري الفلسطيني اللواء جهاد الجيوسي.

وأضاف الجيوسي: “هذه اللجنة لا تتدخل في قضايا تسليم المجرمين بين الجانبين الأردني والفلسطيني حيث يتم التنسيق في هذه القضايا بين الجانب الإسرائيلي – الأردني من خلال مكتب العلاقات الدولية في وزارة الداخلية الفلسطينية (الانتربول) الذي رفض الحديث أو الرد على استفسارات فريق التحقيق مرارا.

وبعد انجاز اتفاقية ثنائية يُعمل على أخرى ثلاثية بين السلطة والمملكة وإسرائيل كما يرى وزير العدل والنائب العام المساعد وآخرون، لكن القانوني عيسي يضيف معاتبا: “الإرادة السياسية تغيب عن هذا الحل”.

أما مسؤولية الخروج بتلك الاتفاقيات، برأي عيسى وغير خبير قانوني، فتقع على عاتق السلطة القضائية التي تعد مشاريع القوانين وتطرحها على الرئيس لاتخاذ المقتضى القانوني بالتنسيق مع السلطتين القضائيتين بالأردن وإسرائيل.

فملاحقة المجرمين واستجلابهم من الأردن يعتبر حاجة فلسطينية ملحة؛ فهو الأمل الوحيد للضحايا، فيما هروبهم ثانية من المملكة يعني أن يكون الأمر صعبا لدرجة الاستحالة لعدم وجود اتفاقات تسليم ومطارات وموانئ ومعابر للسلطة، ومع عدم اعتراف دول كثيرة بها دولة كاملة السيادة.

أما الاستمرار بعدم تفعيل قوانين الاستجلاب وتطويرها لتتماشى مع خصوصية الحالة الفلسطينية – الأردنية فسٌيبقي حقوق الضحايا معلقة بين ضفتي النهر، فيما المجرمون الذين ينهبون ويسرقون وينصبون ويَقتلون طلقاء بين ضفتي النهر أيضا.

أعد هذا التحقيق بدعم من شبكة أريج (إعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية)، وبإشراف الزميلين سعد حتر من الأردن، ومحمد ضراغمة من فلسطين وبالتزامن من صحيفة الحال


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *