فلنخجل من أنفسنا!

2012/05/16
التاريخ : 16/05/2012

*محمد أبو رمان -صحيفة الغد

 لو لم تتطوّع الزميلة حنان خندقجي بتكريس نفسها، عاماً كاملاً، للتحقيق المرعب عن الانتهاكات التي تحدث في مراكز التربية الخاصة، لبقيت هذه القصص التي قرأناها في “الغد”، وشاهدناها على “بي. بي. سي” طي الكتمان، ولظلت هذه الاعتداءات البشعة على أبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة روتيناً يومياً. لا أظن أنّ من شاهد التقرير والصور له قلب لم ينفطر. ليس موضوعنا حالياً مناقشة المستوى الأخلاقي للمشرفين والموجهين في هذه المراكز، بل القضية الآن هي سؤال المسؤولية القانونية والإدارية تجاه مراقبة حدوث الانتهاكات في هذه المراكز ومنعها، ومحاسبة المسؤولين عنها، وهي بالدرجة الرئيسة تقع على عاتق وزارة التنمية الاجتماعية، وضمن نطاق تخصصها. أمّا المسؤولية الأخلاقية والدينية والوطنية، فهي بكل تأكيد تتجاوز وزارة التنمية الاجتماعية، بل والدولة بأسرها، إذ نتحمّل جميعاً، أي نحن المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، المسؤولية الكبرى عن هذه الانتهاكات، ليس فقط ما يحدث في هذه المراكز، بل وفي مؤسسات ومراكز وحالات أخرى في المجتمع؛ فنحن غارقون من رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا في إثم التقصير، وخطيئة الصمت، وتجاهل ما يدور حولنا وبجوارنا، من معاناة وأزمات لشريحة اجتماعية عريضة وواسعة! القصة أبعد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتطاول الأطفال المتسولين الذين يفقدون طفولتهم وحقهم في حياة كريمة طبيعية، على الشوارع والأرصفة، يبيعون الأشياء البسيطة (وهي أقرب إلى التسول المقنّع)، وأمام المقاهي. وتطاول كذلك العنف الأسري، وظروف الحرمان الاجتماعي والفقر والبطالة، فنحن نراهم يومياً، فنغمض أعيننا وكأنّ الأمر لا يعنينا، أو أنّهم يقطنون في كوكب آخر، ليسوا بشراً لهم حقوق طبيعية، مثل أبنائنا وعائلاتنا! على الدولة مسؤولية، هذا صحيح. لكن هنالك في المقابل مسؤولية علينا جميعاً. فالحكومة اليوم تعاني لتأمين النفقات الجارية والتشغيلية بصعوبة شديدة، وتغرق في أزمتها المالية والاقتصادية، بينما الغياب الحقيقي هو للمجتمع المدني ولدورنا، نحن المواطنين، ومسؤولياتنا تجاه مجتمعنا، سواء بتكريس جزء من جهودنا أو أموالنا أو حتى أوقاتنا للعمل الخدماتي التطوعي والاجتماعي، لمساعدة الآخرين! هنالك ضمور كبير في التضامن الاجتماعي، وفي إدراك أهمية المجتمع المدني والعمل التطوعي، بالرغم من أنّ هذا المجال الواسع والعريض هو بمثابة صمام الأمان الاجتماعي الحقيقي للمجتمع ورأسماله الاجتماعي! لنعترف أنّنا نعاني من أنانية مفرطة في التعامل مع واجباتنا الأخلاقية ومسؤولياتنا الاجتماعية؛ فثمة شريحة اجتماعية ميسورة يمكن أن تساهم في الحد من معاناة العائلات الأخرى، لكنها لا تفعل. ولدينا طبقة مثقفة تكنوقراطية عريضة مستنكفة عن العمل التطوعي، وعن تأسيس شبكات مدنية واجتماعية للخدمة العامة، نتجاهل ما يمكن أن نقوم به خدمة لمجتمعاتنا، التي نعيش فيها، إذ لا يمكن أن نكون جزراً معزولة داخل المركب نفسه، بينما نكتفي جميعاً بالجلوس والمراقبة وتحميل مسؤولية التقصير للآخرين، وفي الحقيقة نحن المسؤولون والمتهمون. للإعلام دور حيوي ومهم، أيضاً، ليس فقط في القضايا السياسية الساخنة، بل ما هو أهم من ذلك؛ أمراض المجتمع وأزماته ومشكلاته. أجزم أنّ ما تم اكتشافه إلى اليوم قليل ومحدود. وربما ما قامت به حنان وما تقوم به بصورة دورية مؤسسة أريج للتحقيقات الاستقصائية (التي رعت هذا التحقيق وأشرفت عليه)، بمثابة نموذج تقدمي لدور الإعلام ورسالته، يفترض بالصحف اليومية والمواقع الالكترونية تمثله، فالأزمة تتجاوز اليوم الدولة إلى المجتمع المدني والمجتمع الأهلي والقطاع الخاص والإعلام والجميع!

للإطلاع على التحقيق كاملا

أخبار ذات صله