البي بي سي والسر النووي

2012/05/22
التاريخ : 22/05/2012

القدس العربي- مسكينة بي بي سي فقد اعتبرت أنها إكتشفت السر النووي وهي تصور وقائع إنتهاك حقوق الأطفال ذوي الحاجات الخاصة في فيلمها الشهير الذي أثار عاصفة جدل في عمان.

وشعرت بالأسف على فريق بي بي سي لإنهم لا يعرفون حقائق ووقائع المواطن الأردني فمن غير المعقول أن يوجه اللوم للسلطات فقط في قصة مراكز التربية الخاصة لأن المسألة (ثقافية) بإمتياز وتخص عقليتنا كمواطنين وكأفراد ومجموعات .. لا يؤمن أغلبنا بما تفعله المجتمعات المتحضرة ونحن قوم مهووسون بالنميمة وبالتمسك بتراثياتنا البالية الرقيعة.

في كل مرة أسأل فيها رجل النظام القوي في الأردن فيصل الفايز عن الإصلاح والديمقراطية يرد الرجل بسؤال: بصراحة هل نحن ديمقراطيون في بيوتنا؟..هل نحن ديموقراطيون عندما يتعلق الأمر بنمط تربيتنا لأولادنا؟.. السؤال يبدو منطقيا لكنه ينبغي أن لا يتحول دوما لذريعة تمنعنا من المحاولة على أقل تقدير.

لا أعرف ما إذا كانت بي بي سي المتحسرة على ضرب أو تقييد طفل يحتاج للمساعدة في سلوك غير أخلاقي فعلا تعرف بأن مجتمعنا للأسف يدعم وبقوة من يقتل إمرأة بداعي الشرف وغالبا ما يكون القاتل أصلا في أبعد مسافة عن الشرف في حياته اليومية ولا تعرف بان أمهات بيننا سلمن الخنجر وحرضن الأبناء على قتل شقيقات لهم بداعي (غسل العار) ولا تعرف بأن بعضنا في الحقيقة يضرب المعاقين حركيا من أولاده أو يجوعهم أو لا يتعامل معهم بإحترام.

.. كل هذا الضجيج أثارته بي بي سي دون أن تنتبه لأن بيننا من وافق على تنظيم تظاهرة أعاقت المرور في طريق دولي وحيوي لإجبار وزير التربية والتعليم على السماح بالغش في الإمتحانات، ودون أن تنتبه لأن شنق الكلاب ودهس القطط قد يكون سلوكا لا يثير أي إستهجان في أوساطنا، ودون ان تنتبه الى ان ضرب الزوجة والإبنة والأخت والأطفال سلوك لا يستوجب أي عقاب في مجتمع يلوك الكلام مستهلكا يوميا أطنانا من الشعارات والخطابات الفارغة.

بي بي سي وضعت أصبعها الصغير على بعض وجعنا الداخلي لكن مشكلتنا أعمق مما يحصل في أروقة مراكز التربية الخاصة فالكبار من ذوي الإحتياجات الخاصة دفعوا وضربوا من قبل قوات الدرك عندما خطر في ذهنهم تقليد موجة الربيع العربي والإعتصام على بوابة الديوان الملكي بحثا عن ملاذ ومغيث… إذن حب إيه اللي إنت جاي في بي بي سي تقول عليه.

إفتح يا سمسم

وضعت إدارة التلفزيون الأردني خطة للنهوض بالأغنية الوطنية .. خبر سار بكل الأحوال فأغاني الوطن بحاجة للنهوض فعلا لكن السؤال هو: هل يوجد من ينهض أو يتولى إدارة النهوض وسط أكوام الفشل الإبداعي التي تجتاح مؤسسة الإعلام الرسمي الأردنية؟

بعد برنامج بي بي سي عن إنتهاكات حقوق الأطفال المعاقين في عمان شاهدت صباح السبت كاميرا برنامج (صباح الخير يا عرب) في إم بي سي تتجول في مشارح طبية بالمستشفيات المحلية وتتحدث عن مشكلاتها التي تمس بكرامة الموتى، وفي الأثناء لم نشاهد برنامجا مماثلا على شاشة الحكومة.

طبعا يوجد شعراء وكتاب كلمات مدهشة وموسيقيون أفذاذ فرضوا أنفسهم على العالم مباشرة بعدما طردتهم مؤسسة التلفزيون في الماضي ومنعتهم حتى من تجاوز الأبواب المحروسة جيدا رغم شعوري كمواطن أردني بأن كلفة حراسة مؤسسة التلفزيون والإذاعة يمكن إستثمارها لصالح مشاريع أخرى أكثر إنتاجية فلا توجد عمليا داخل حرم هذه المؤسسات أي ثروة قومية او فنية او إبداعية تستحق الحراسة وزمن الإنقلابات والبيان رقم واحد والسيطرة على مقرات المؤسسات المتلفزة ولى بلا رجعة ولم تكن المملكة الأردنية الهاشمية أصلا معنية به في أي يوم من الأيام.

لذلك تبدو تكاليف الحراسة مكرسة للحفاظ على هيبة مفترضة لا يوازيها إنتاج إبداعي حقيقي فأخبار الأردن الهامة جدا لا زالت تسمع في إذاعة مونتي كارلو أو محطة بي بي سي والتقارير المتلفزة عن ما يحصل في الأردن يشاهدها المواطن الأردني عبر الجزيرة وشقيقاتها وكل إيقاعات الأخبار يتابعها القارئ الأردني في المواقع الإلكترونية المستقلة بعدما أصبحت الوظيفة اليتيمة للصحافة اليومية الورقية هي نشر إعلانات العزاء أو نشر مقالات مؤجرة على طريقة الشقق المفروشة لكتاب طارئون يتصرفون كالدببة فيحطمون كل الجرار تحت شهية الدفاع عن الحكومة والمواقف الرسمية والأمنية.

وقد تلمست الأمر مباشرة الأسبوع الماضي عندما طرحت قضية سحب الجنسيات وفك الإرتباط فقد تلقيت شخصيا إتصالات من تلفزيون فلسطين وإذاعة مونتي كارلو وتلقى أصدقاء إستفسارات من بي بي سي وفضائية العالم وفضائية أبو ظبي وتطور الأمر ليصبح حديث الناس في الشارع والبرلمان وكل مكان إلا تلفزيون الحكومة كان غائبا تماما عن العرس فحتى الزملاء المبدعون المهنيون في المؤسسة يعملون بلا سقف ولا موارد ووسط نخبة من الموظفين البيروقراطيين مفروضة عليهم وفقا لنظام المحاصصة العشائري والمناطقي ويصلح في حالة الغيورين على المهنة منهم مقولة (كأنه تزوج من أربعة) فشاشة الحكومة يوجد لها آباء متعددون وأزواج متعددون والمطلوب منها كل ليلة (ملاطفة) أحدهم وعمليا لا يوجد أكثر من الجهات المرجعية التي يضطر أي زميل إعلامي أردني للتعامل معها حتى ينتج قصة تلفزيونية.

لذلك لا يوجد ما يستحق مظاهر الحراسة فلا أحد ينتبه أصلا لوجود تلفزيون حكومي إلا نحو ثلاثة الاف موظف يدخلون يوميا من البوابات ويخرجون ولا أحد يعرف ما الذي يفعلونه لثماني ساعات في الداخل فحزمة البرامج لا تتضمن ولو برنامج حواري واحد يعتد به والقضايا الأردنية والمحلية بإمتياز يغطيها الإعلام العربي والأجنبي والأغاني والأناشيد المبثوثة ليلا نهارا تنتحل صفة (وطنية) وغالبيتها من طراز (ويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل..).. لذلك نشد على يد زميلنا المبدع المدير الجديد للتلفزيون رمضان الرواشده ونقول : نرجوك إفعلها وأقنعنا ولو مرة واحدة بأن شيئا ما يتغير فعلا على شاشتنا.

فوق ذلك برزت مؤخرا قرينة إضافية على ان الشباب في تلفزيون الحكومة لا يفعلون شيئا حقيقيا فقد فهمنا من صحيفة خبرني الإلكترونية مثلا بأن كلفة ماكياج المذيعات لشهر واحد إقتربت من 45 ألف دولار رفض المدير المالي دفعها لصالون حلاقة الستات المتعهد للمسألة .. الغريب أن المبلغ يوحي بأن أطنانا من الدهانات والأصباغ إستخدمت لإظهار تأنق فتيات الشاشة الذهبية وخلال نفس الشهر أنا شخصيا شاهدت ثلاث مذيعات فقط لا غير، الأولى تلعثمت عشرات المرات وهي تستنطق أحد كبار المسؤولين، والثانية تقرأ الأخبار على طريقة برنامج (إفتح يا سمسم) حيث التلقين سيد الموقف، والثالثة تطل علينا في الصباح الباكر ببرامج حية تتحدث مثلا عن نقص البيض في الأسواق فيما تشتعل محافظات الجنوب بالحراك والهتافات الساخنة .. أين أنفقت إذا مصاريف الماكياج الستاتي ؟.. هل يتعهد تلفزيون الحكومة مثلا بمكيجة الأعراس في المناطق المجاورة دعما للمجهود الوطني في مساندة وتوسيع الفرح؟

للإطلاع على التحقيق كاملا

أخبار ذات صله