بالتيمور (الولايات المتحدة) – شاركت شبكة أريج “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” بكثافة الأسبوع الماضي في مؤتمر السنوي لمنظمة الصحافيين والمحررين الاستقصائيين واسعة الانتشار، وقدّمت عرضين حول أنشطتها الريادية ومضامين 63 تحقيقا استقصائيا أشرفت عليها خلال ثلاث سنوات في أربع دول عربية، تمددت لاحقا إلى ثماني دول. استضاف المؤتمر، الذي عقد في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية، أكثر من 600 صحافي ومحرر استقصائي، في مقدمتهم رواد حركة الصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة أمثال بوب ودوورد من الواشنطن بوست، الذي كشف “فضيحة ووترغيت” التي أطاحت بالرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون عام 1973، ورئيس تحريره آنذاك ليونارد داوني جونيور. ضم الحشد أيضا سيمور هيرش، الذي كشفت آخر تحقيقاته عمليات تعذيب ممنهج اقترفتها القوات الأمريكية في سجن أبو غريب في العراق قبل أكثر من عامين، دونالد بارتليت وجيمس ستييل من مجلة فانيتي فير المرموقة، وجون كلاين، رئيس شبكة كوابل “سي إن إن” الإخبارية في أمريكا. مثّل أريج في مؤتمر بالتيمور مديرتها التنفيذية الزميلة رنا الصباغ والزميلة/المدربة بيا ثوردسون عضو مجلس إدارة الشبكة وعضو مجلس الجمعية الدنمركية للصحافة الاستقصائية.ٍ في إحدى ورشات العمل حول أفضل التحقيقات الاستقصائية في العالم، استعرضت صباغ آليات عمل تحقيقات تبنتها الشبكة في الأردن، مصر، سورية، لبنان وتأثيرات نشرها التي ساهمت في إصلاح مواطن الخلل. تناولت تلك التحقيقات، التي سردت القصة كما هي وليس كما يراها المجتمع مخاطر ناجمة عن استخدام زيوت عادمة في تشغيل المخابز، عرائس تخضع لفحص العذرية تحت وطأة الجهل، وزراعة الحشيش تعود بقوة إلى لبنان. كذلك استعرضت الصباغ تقارير تناولت معاناة مرضى القصور الكلوي في سورية، ومعاناة “مكتومو القيد في لبنان… آلاف لم يولدوا في وثائق الدولة اللبنانية ولم يموتوا”، وستة ألاف طبيب يعالجون 41،6 مليون نسمة داخل وحدات صحية بلا أدوية في مصر، وعصابات للمتاجرة بالمخلفات الطبية الخطرة في مصر. وشددت الصباغ على أن الزملاء الذين عملوا على تلك التحقيقات أظهروا، كغيرهم ممن يعمل مع “أريج”، خصائص مهمة مكنتهم من النجاح في مسعاهم مدفوعين بحس مرهف، صبر، مثابرة وعزم لمواجهة من حاول إعاقة أعمالهم. وجهدوا في إجراء مئات المقابلات مع ضحايا هذه التحقيقات لبناء قاعدة معلومات وتوثيق الحالات لأنهم لم يتمكنوا من الحصول عليها عبر القنوات الرسمية. تلك المعلومات ساعدتهم على توخي أكبر قدر من الدقة والعمق والصدقية. وقالت مديرة أريج التنفيذية إن غالبية التحقيقات ال 63 التي أشرفت عليها الشبكة تناولت تحديات اجتماعية، بيئية، تعليمية تواجه المواطن العربي، بعكس المواضيع الأكثر إثارة في الغرب والمتعلقة بالفساد السياسي والاقتصادي والجريمة المنظمة. مشروع أريج استثمر في ونفض الغبار عن مواهب عشرات الصحافيين الشباب والمحررين المتحمسين سواء في الدول التي يعمل فيها منذ ثلاث سنوات مثل سورية، لبنان، مصر، الأردن أو في الدول التي دخلها أخيرا؛ البحرين، اليمن، العراق وفلسطين، حسبما شرحت الصباغ. وتعمل الشبكة على ترويج ثقافة هذا النمط الاحترافي من العمل الصحافي القائم على توثيق المعلومات والحقائق بإتباع أسلوب منهجي وموضوعي بهدف كشف المستور وإحداث تغيير للمنفعة العامة. وفي ورشة عمل ثانية حول “تبادل الخبرات والتشبيك بين منظمات مماثلة لأريج في قارات العالم الخمس، شرحت الزميلة الصباغ بإسهاب الفرص والتحديات التي تواجه هذا النوع من العمل الإعلامي في الإقليم. فبعكس الغرب، حيث يمارس هذا التقليد منذ أكثر من نصف قرن، ظل هذا العمل المحترف غائب عن معظم غرف التحرير العربية لأنه، بخلاف متطلبات العمل الصحافي اليومي، مكلف ماديا ويتطلب تفرغا لفترة من الوقت لإنجاز تحقيقات مؤثرة. ومن المعوقات الأخرى عدم وجود قانون يتيح الحصول على المعلومات في غالبية الدول لعربية – باستثناء الأردن – وغياب ثقافة مجتمعية أو بيئة قانونية توفر مناخا مناسبا لتداول المعلومات، فضلا عن نقص أدوات الكتابة الصحفية لدى الإعلاميين، بخاصة الشباب، حسبما شرحت الصباغ. لكن في الوقت الذي تشهد فيه الصحافة المكتوبة والمقروءة والمرئية تغييرات عميقة وإعادة هيكلة على وقع الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، التي أخرجت من الساحة عددا كبيرا من وسائل الإعلام، فان العالم العربي بشهد فورة في الحراك الإعلامي، يتمثل في افتتاح عشرات الصحف والمواقع الإخبارية الالكترونية وإطلاق قنوات فضائية ما قد يوفر حافزا لتعزيز مفهوم الصحافة الاستقصائية أو صحافة المساءلة. نظم مؤتمر بالتيمور منظمة المحررين والصحافيين الاستقصائيين، أول هيئة غير ربحية تأسست في أمريكا عام 1975 لتدريب الإعلاميين على انجاز تحقيقات تبحث في العمق وتخرج للسطح مشكلة مجتمعية بهدف مساعدة المتسبب، سواء عن قصد أو بدون قصد، على حلها، بهدف تحقيق المنفعة العامة. أريج نظمت مؤتمرا دوليا للصحافيين الاستقصائيين العرب في عمان الخريف الماضي بمشاركة صحافيين عربا وأجانب. وتنظم مؤتمرا مماثلا بقاعدة أوسع في 20-22 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل
