ضيف العدد الأريجي محمد طارق

ضيف هذا العدد من النشرة الشهرية لشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج” الصحفي المصري محمد طارق الذي فاز مؤخراً بجائزة سمير القصير عن تحقيقه “شبر وقبضة” والذي لاقى رواجاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، التحقيق كشف عن وفاة المحتجزين داخل أماكن الاحتجاز في أقسام الشرطة المصرية نظراً لرداءة الظروف المعيشية داخل أماكن الاحتجاز المكتظة. يعمل طارق حالياً بقسم التحقيقات في جريدة المصري اليوم، ومراسلاً صحفياً لعدد من الصحف العربية. بدأ  مسيرته المهنية كمحرر مهتم بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، بأقسام الأخبار في جريدتي التحرير والوطن.

مؤخراً فزت بجائزة سمير القصير لحرية الصحافة 2016 عن تحقيقك «شبر وقبضة»، كيف تقيم تجربتك في إنجاز التحقيق وصولاً لسمير قصير، وكيف دعمتك ” أريج” في مسعاك؟

كانت تجربة صعبة، لكنها كانت ممتعة للغاية، مررت خلالها بلحظات إحباط أثناء جمع المعلومات والأدلة، لكن كسرها الأمل عند النجاح في الحصول على المعلومات، كانت تجربتي الأولى التي تلقى صدىً واسعاً ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستوى الدولي أيضاً. أرى أنها ليست تجربتي وحدي، لكنها تجربة جيل كامل من الصحفيين عملت معهم واستفدت من تجاربهم، وأحياناً كانوا يقدمون لي نصائح هامة ساعدتني في إنجاز التحقيق.
مؤسسة أريج قدمت لي الدعم في مجال التطوير أولاً، تلقيت دورة تدريبية هامة في بداية مشوار التحقيق عن صناعة الأفلام الوثائقية للمبتدئين، وكانت دافعاً أساسياً لأن أرفق النسخة المكتوبة بنسخة وثائقية، كانت تجربتي الأولى في مجال التلفزيون، كما قدمت لي أريج دعماً متواصلاً لكي يخرج العمل في النهاية وينتزع جائزة سمير قصير.

ما هي الصعوبات التي واجهتك في مجال الحصول على معلومات لإنجاز تحقيقك؟ وكيف تغلبت عليها؟
بيئة العمل الصحفي في مصر أصبحت ضيقة للغاية، خصوصاً في الثلاث سنوات الماضية، كصحفيين أكثر ما نعانيه هو انعدام الشفافية أو تداول المعلومات، ومن الصعب الحصول على المستندات الرسمية لغياب قانون ينظم ذلك.
أضف إلى ذلك أن تحقيقات النيابة في وفاة المحتجزين ، أبطال القصة المنشورة، استغرقت وقتاً طويلاً، إذ امتدت في بعض التحقيقات إلى سنة كاملة، فكان على الانتظار إلى أن تغلق ملفات التحقيق، وهو بالمناسبة كان أحد الأسباب الرئيسية التي أهلتني للفوز بالجائزة، وفقاً لرأي لجنة التحكيم.

ما هي أبرز ردود الفعل في الشارع المصري بعد نشر “شبر وقبضة”؟ هل أحدث التحقيق تغييراً؟
لقد فاز التحقيق بانتشار واسع على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، كانت ردود الفعل مفرحة للغاية وحزينة في نفس الوقت، تلقيت رسائل عديدة من محتجزين سابقين وضباط شرطة عملوا في بعض الأقسام يعترفون بالأزمة، شعرت بأنني حزت بثقة الجميع وكان ذلك شيئاً مفرحاً جداً.
بعد يومين من نشر التحقيق، اجتمع رئيس مجلس الوزراء مع وزير الداخلية وألزمه بوضع خطة عاجلة لتطوير أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة، مع بناء سجون جديدة للمحبوسين احتياطياً. وبدأت وزارة الداخلية في شن حرب صحفية معاكسة رداً على التحقيق، بترويج أخبار عن قوافل طبية تنظمها وزارة الداخلية في أماكن الاحتجاز للكشف عن المحتجزين، كان هذا مضحكاً للغاية بالنسبة لي، لقد رفضوا في البداية الرد على ما أثبته خلال التحقيق، وقرروا الاعتراف بالأزمة بعد النشر دون مواجهة.

– ماهي التكتيكات الاستقصائية التي اتبعتها لاختراق المصادر المغلقة في تحقيقك الذين يتناول عالم السجون مايجري بداخلها؟
كان لزاماً علي في البداية أن أجمع كل المعلومات من على الإنترنت، أن أكون على دراية بكل حادثة وفاة وقعت داخل أماكن الاحتجاز.
بعد ذلك كنت أريد معرفة ما يجري في الداخل، كان دليلي في ذلك مواطنون احتجزوا من قبل، كان الشئ المشترك بينهم هو إصابتهم باضطرابات نفسية بالغة عند تذكر التجربة والحكي عنها، كان شيئاً صعباً على أن أجعل الضحايا يتكلمون عن تجاربهم دون أن أسبب لهم أوجاعاً، بعضهم أراد أن يساعدني حتى تتوقف تلك الظروف السيئة خصوصاُ أن أغلبهم قضى تلك الفترة كمحبوس احتياطي ولم يدان في النهاية بأي شيء.
كانت تلك المسألة ضرورية لكي أكون ملماً بكل تفاصيل القصة عند مواجهة المصادر المغلقة، كالنيابة ووزارة الصحة، فهناك طريقتين إما أن تذهب تلك المصادر دون أن تكون ملم بكل المعلومات والأدلة وهنا سيكون لديك أزمة، أو أن تكون على دراية كاملة بالتفاصيل وتعرف أين تكمن الأدلة وهنا ستفوز بما ترغب به.

– كيف قدرت المخاطر وتعاملت معها في كل مرحلة من مراحل التحقيق ومابعد نشره؟
أتعامل مع تلك المسألة كأنها لعبة، لعبة سرية على المهتم الأساسي يجب ألا أكشفها إلا قبل إقفال التحقيق مباشرة، استفدت أيضاً من عملي بجريدة «المصري اليوم» كصحيفة مستقلة نوعاً ما يمكن أن تعطيني مظلة قانونية، في حال وقعت أي مشكلة، أكثر ما كان يقلقني هو عدم إمكانية النشر، لكنني انتظرت الوقت المناسب ورميت الشبكة.

كيف تعاملت في هذا التحقيق مع الصور وإعادة تمثيل المشاهد والانفوغراف … ماهي الخلاصة التي خرجت بها من هذه التجربة؟

– كانت تجربة الفيديو هي التجربة الأولى بالنسبة لي في عالم الإنتاج التلفزيوني والوثائقيات، أتذكر في إجابتي على هذا السؤال محاضرة ألقاها الأستاذ ياسر الزيات أحد مدربي شبكة أريج، عن خلق التصور البصري، شرح لنا وقتها كيفية تحويل ما هو مكتوب إلى ما هو مرئي، كنت أستمع جيداً لتلك المحاضرة وأتخيل ما يمكن أن فعله في الفيلم، فضلت أن أعيد تمثيل المشاهد عن طريق الرسوم المتحركة، كل أوثق من خلالها تفاصيل المكان ومحتوياته والأشخاص الموجودين. فادني أيضاً في ذلك اطلاعي على أفلام وثائقية كثيرة، استفدت منها في كيفية التصور البصري.

ثلاثة نصائح تقدمها لصحفيين في بداية طريقهم المهني في الصحافة الاستقصائية من وحي تجربتك؟
– لا تيأس، اختر قصتك بعناية. وأعمل عليها بشغف .