الزلزلي الفائز بجائزة سمير قصير: كدت أفقد حياتي ثمنا للحقيقة

لم يكن أسعد الزلزلي راضيا عن حياته المهنية التي بدأها في 2004 صحفيا ومقدم برامج تلفزيونية في العديد من القنوات الفضائية العراقية، على الرغم من نجاحه في هذا النوع من العمل الإعلامي. لكن أسعد  وجد نفسه في ورشة للصحافة الاستقصائية نظمتها أريج في العام 2015 فتحت له- حسب قوله- أبواب العمل الاستقصائي لينطلق بعدها في كشف الكثير من قضايا الفساد في العراق.

وخلال فترة قصيرة أنجز الزلزلي ثلاثة تحقيقات بدعم وإشراف من أريج، تنوعت بين اختراق عالم تجارة الأعضاء في تحقيق “تجارة الشيطان” وفساد صفقات الأرز الفاسد المستوردة حكوميا في تحقيق “غير صالح للبشر”، وصولا إلى تحقيق “المشروع رقم 1” الفائز بجائزة سمير قصير لحرية الصحافة عن فئة التقرير المرئي.

كيف أتت فكرة التحقيق الفائز بالجائزة؟ وما هي أبرز ردود الفعل عليه؟

جاءت فكرة التحقيق بعد عملية تدقيق وتعقب لأزمة النقص الحاد في المباني المدرسية في العراق رغم كل المخصصات المالية الحكومية وواقع التعليم البائس في العراق، فلا زال هناك مئات الأطفال يدرسون في كرفانات ومدارس طينية لاتصلح ولا توفر البيئة المناسبة لتعليم الأطفال رغم الميزانيات المرتفعة المخصصة للتعليم.

ارتكزت رؤيتي على أن الإرهاب جزء من الفساد، وليس العكس، وأن جذور الفساد هي السبب الذي أدى إلى الارهاب كنتيجة لظلم الشعوب وحرمانها. لذلك انطلقت في تحقيق رؤيتي في كشف الفساد والتجاوزات لإحداث تغيير في المجتمع وكان من بينها كشف قضية ما يسمى بـ “المشروع رقم واحد”. كانت هناك ردود أفعال كثيرة، وحققت ما كنت أسعى إليه، فأخيرا وبعد سنوات تحركت دعوى قضائية لمقاضاة المتسببين في فساد المباني المدرسية وتم تبرئة مدير الشركة الحكومية وإدانة مجموعة الشركات المتسببة والعمل على استرداد الأموال منها، إضافة إلى اهتمام الشركات الحكومية والخاصة بالإسراع في إنجاز بعض المدارس التي تعاقدت على إنشائها ضمن المشروع خوفا من المحاسبة.

كيف ساهمت أريج وفريقها في إخراج التحقيق للنور؟

انا شخصيا حققت الكثير من أحلامي مع أريج وانتقلت إلى صورة أكثر مهنية واحترافية مع شبكتي وعائلتي العربية أريج.

وبخصوص “المشروع رقم 1” كانت اريج سباقة بالدعم والتطوير والمواكبة والحث والتحفيز والمساعدة فليس غريبا أن نشعر بأن كلنا في أريج عائلة واحدة, والكل يسعى لخدمة الآخر. فبعد اختيار الفكرة مباشرة كانت هناك ورشة غير تقليدية عقدتها أريج لتطوير الفرضيات مع الأستاذ ورائد الاستقصاء العربي يسري فودة والمشرفين أحمد سليمان وعبد الرحمن يحيى. وفعلا استفدت من الورشة في تطوير الفرضية والعمل على البحث وبلورة الفرضية النهائية ووضع الخطط والخطوات لإنجاز التحقيق واستمر التواصل بشكل دؤوب وتحفيزي للعمل، ورغم كل المشاكل والصعوبات التي واجهتني في الحصول على الوثائق التي تؤكد تورط الشخصيات المشتركة في المشروع إلا أن دعم أريج والتواصل المستمر أدى في الأخير إلى نجاحنا جميعا في الخروج بتحقيق “المشروع رقم1”.

ماهي الصعوبات التي واجهتك أثناء العمل على التحقيق وبعد بثه خاصة في ظل الظروف التي تعيشها العراق؟

واجهتني صعوبات كثيرة، كما هو الحال في معظم بلدان العالم العربي، أهمها  صعوبة الحصول المعلومة، فالرغبة في العمل بمهنية والسير فيها لا تعني أن الأرض ستكون معبدة وسهلة. وجدت ألف باب أغلق في وجهي إضافة إلى خوف المقربين مني على حياتي من العمل في قضايا خطرة، أيضا حالة العداء المستمر للصحفيين في بلد مصنف ضمن أكثر البلدان في العالم يتعرض فيه الصحفيون للاعتداء والقتل.

ولا أنسى الرفض المستمر للجهات الحكومية للتعاون معي خلال إنجاز التحقيق، والتي من مهامها مكافحة الفساد، كما تعرضت للتهديد بصور غير مباشرة  حتى الوصول في النهاية إلى تعرضي لطلق ناري في سيارتي أثناء عودتي من العمل، وقيدت الحادثة ضد مجهول.

وحقيقة لم أجد مبررا لإكمال المشوار لولا دعم أريج وجملتي التي أرددها دائما (هذا هو عملي)، وعليه يجب أن اكون على قدر المسؤولية، وما أن تم عرض التحقيق حتى بدأت التهديدات المتنوعة من جهات رسمية وغير رسمية بل حتى من جهات دينية وأخيرا علمت ببحث بعض الشخصيات المستمر عن عناويني وتأديبي حسب قولهم اضافة الى مواجهة صعوبات أكثر وعراقيل عند الدخول للوزارات والمؤسسات المرتبطة بالتحقيق.

كيف ترى أريج اليوم، وما الذي تتوقع أن تكون عليه بعد خمسة أعوام؟

أريج هي المؤسسة الأولى من نوعها والفريدة التي عملت بنسق وسياق استقصائي بحت وابتعدت عن كل المسميات والألوان التي تؤثر في اظهار الحقيقة. فأريج شجرة تكبر يوما بعد يوم وتنمو بغرس المهنية وسقي الكلمة الصادقة وهي اصبحت المثال والطموح الذي يسعى إليه كل صحفي عربي يربو الى العمل دون قيود ويمتهن الصحافة بأصولها الحقيقية لا الترويجية أو الترقيعية أو التطبيلية لهذه الجهة أو تلك.

أريج استمرت لأكثر من عقد وأثبتت أنها المستقبل للصحفي العربي وخلال خطط أريج التي أعلنت عنها في أن تشمل كل الأقطار العربية للمساهمة في نشر صحافة الاستقصاء في كل البلدان وتصبح السلطة التي يخشاها الظالم والفاسد كما هي اليوم تدك بنيان المفسدين.

ما هي نصائحك لزملائك من الصحفيين الاستقصائيين العرب؟

كفانا خوفا وتشبثا بالظروف والقيود فلنطلق لاقلامنا حرية البحث والتقصي ولنبحث عن فرصة أمل أوجدتها أريج وغيرها من المؤسسات التي تسعى لانتشال الصحفي من العمل التقليدي إلى العمل الاستقصائي. عقود كثيرة كانت فيها الصحافة المسيسة هي المسيطرة والتي تفرض بأموالها لغة العرض وفرض الطلب لتسييس الرأي العام. ولنكن بعيدين عن شماعة الخوف وانتظار الآخر حاول حاول حاول حتى تنجح فالصحافة ليست مجرد كلمات تعدها بوصف أي حدث، إنما حدث يؤثر ويصنع فرقا وتغير الواقع. أرى أن لا أمل لشعوبنا العربية المظلومة إلا في منظار صحفي يتوق إلى الخلاص والتخلص من الفساد الذي عاث بحياتنا وعبث بأقلامنا طويلا.