ARIJ Logo

شباك اليمن الخاوية

صيادو المهرة والمكلا يُمنعون عن رزق البحر

تحقيق : صفية مهدي

اعتاد الصيادون اليمنيون الإبحار على شواطئ يصل طولها إلى أكثر من 2500 كيلومتر. ممتدة عبر واجهتيْن بحريتيْن، من البحر الأحمر إلى بحر العرب، مروراً بمضيق باب المندب. مئات السنين، لا بل أكثر، وأجداد سامي مرعي وغيره من الصيادين يمخرون عباب البحر، دون قيود، بحثاً عن رزقهم.

منذ عام 2016، وشباك سامي مرعي خاوية. اعتاد سامي، الذي يقيم في مدينة المكلا عاصمة حضرموت شرق اليمن، النزول إلى البحر لمدة 15 عاماً، إلى أن تمّ منعه من الاقتراب من مناطق على سواحل مدينة الشحر، حيث يعتاش من مينائها أكثر من أربعة آلاف صياد.



إلى الشرق قليلاً من حضرموت، تقع محافظة المهرة، وفيها أبو عباس المهري الذي يمتهن الصيد منذ تسعينيات القرن الماضي، مُنع أيضاً من الاقتراب من أماكن محددة في البحر، ونتيجة هذا المنع الذي تضرر منه الصيادون، "تجد الصياد، غير قادر على توفير قوت يومه"، حسبما يقول المهري. ويضيف أنّ بعض الصيادين الذين يصل دينهم إلى 400 أو 500 ألف ريال يمني يعجزون عن السداد.


أصل الحكاية

بدأ التدخل العسكري في اليمن من قبل التحالف المؤلف من مجموعة دول عربية في آذار/مارس 2015، بطلب من الحكومة المعترف بها دولياً. وخلافاً لما أُعلن عنه في البداية من أنّ العمليات العسكرية قد تستمر من أسابيع إلى شهور، تحوّل دعم القوات الحكومية في مواجهة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إلى حضور عسكري مباشر لأبرز دولتيْن في التحالف، السعودية والإمارات العربية المتحدة، في محافظات لا تواجد للحوثيين فيها، كحال المحافظات الشرقية: حضرموت والمهرة.

التدخل كانت له أضرار مباشرة على الصيادين اليمنيين. تأتي مدينة المكلا في صدارة المدن المتأثرة، إذ يقول الصيادون إنّهم مُنعوا من الاقتراب من البحر في المنطقة الواقعة بين مطار الريان وميناء الضبة النفطي، بمبرر وجودها "قرب مواقع عسكرية ونفطية"، وذلك اعتباراً من نيسان/أبريل 2016، تاريخ انتشار قوات التحالف والقوات اليمنية المدعومة منها في المدينة.

تظهر صور الأقمار الصناعية قوارب الصيادين مرمية على شواطئ مدينة المكلا التي تغنّى بها الشعراء، في دلالة على غياب النشاط البحري في المناطق المحظورة، منذ أن قامت قوات التحالف بإصدار تعليمات تمنع الصيادين من الوصول للبحر، والدخول الى أعماق معينة وبالتالي حرمانهم من مصدر رزقهم، علماً أنّ غالبيتهم لا يعرف مهنة إلّا الصيد.

ورغم تأكيدات المعنيين من صيادين ومسؤولين على المنع، إلّا أنّه لم يتسنَّ لمُعِدَّة التحقيق الوصول إلى نسخة من التعليمات أو القرارات الصادرة عن التحالف بهذا الشأن، بقدر كونها تعليمات نافذة لا يختلف حولها اثنان.



بحث هذا التحقيق واقع الصيادين اليمنيين في منطقتيْ المهرة والمكلا استناداً إلى الإجراءات التي بدأت منذ عام 2016، وتشير البيانات التي قامت مُعِدَّة التحقيق بتحليلها للفترة من 2003 إلى 2019 إلى تراجع كمية وقيمة إنتاج اليمن من الأسماك بشكل عام. إذ بلغت نسبة الثروة السمكية المستخرجة خلال العام 2004 ما يعادل 10% من إجمالي كمية إنتاج الأسماك خلال الفترة من 2003-2019، فيما كان إجمالي إنتاج الأعوام من 2015 حتى 2019 ما نسبته 4% فقط.




وتظهر بيانات الفترة التي سبقت الحرب وتشمل الأعوام 2003-2014، أنّ المهرة وحضرموت أنتجتا ما يقرب من ثلثي إجمالي الناتج المحلي للبلاد من الأسماك، إذ تحتل المهرة المرتبة الأولى في الإنتاج السمكي خلال الفترة ذاتها بما يزيد عن ثلث إجمالي إنتاج البلاد، وتأتي حضرموت بالمرتبة الثانية بإنتاج ربع الكمية.




بعد إجراءات منع الصيد في المناطق المذكورة، لجأ الصيادون إلى الأساليب السلمية بما فيها تنظيم الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بإنهاء الحظر، لكنّ قوات التحالف والجهات الأمنية المحلية الموالية لها، واجهتهم بالقمع والتهديد، كما يقول الصياد أبو عبدالله، "عندما نقوم أو نعتزم عمل وقفات احتجاجية يتمّ تهديدنا بالاعتقال من قبل الاستخبارات التابعة للمنطقة الثانية (القوات اليمنية) وذلك بإيعاز من قوات الإمارات المتواجدة في المطار". كما أنّه ووفقاً للصياد سامي مرعي، فإنّ محاولاتهم التواصل مع مسؤولي السلطة المحلية تفشل.

ويضيف مرعي الذي كان يملك قاربيْن، أنّ قرارات الحظر "انعكست علينا بالضرر، والدخل ما عاد يساعد والصياد ما يشتغل صيد لوحده". ويضيف "بعدما تمّ إغلاق البحر من قبل التحالف تركت مزاولة المهنة واشتغلت في مهن ثانية من شان نعيش، نشتغل فرزة أو محل سندوتش ونمشي.. نمشي".

نقاط عسكرية على سواحل المهرة

يظهر تحليل صور الأقمار الصناعية لمحافظة المهرة استحداث التحالف 11 موقعاً عسكرياً، على طول الشريط الساحلي، وبالقرب من 11 مركز إنزال سمكي من بين 12 مركزاً هي إجمالي مراكز الإنزال في المحافظة. تمّ إنشاء أول قاعدة عسكرية قرب مركز نشطون في آب/ أغسطس 2018 وأول معسكر قرب ميناء قرحيت السمكي في أيلول/ سبتمبر من العام ذاته. وواصل التحالف إنشاء المعسكرات خلال عام 2019، مضيفاً ثمانية معسكرات جديدة وعدداً من القواعد العسكرية. وبحسب تأكيدات أبو عباس المهري فإنّ وجود هذه النقاط، زاد من حدة الحصار على الصيادين ومنع الأسمدة الزراعية من الدخول، بالإضافة إلى التحكم بكل ما يمر إلى المهرة بحراً.

حرك/ي المؤشر على المواقع في الخريطة

قواعد ومواقع عسكرية مراكز إنزال سمكي

رئيس ملتقى الصياد التهامي بمحافظة الحديدة محمد الحسني، أوضح أنّ خسائر الصيادين ليست في ضياع مواسم الصيد فقط، بل يُضاف إليها تعرضهم للاعتقال، مشيراً إلى أنّ هناك أكثر من 1104 صيادين اعتقلوا من جانب التحالف، على حدّ قوله.

وتظهر بيانات "المشروع اليمني" الذي وثّق غارات جوية للتحالف خلال الفترة من 2015-2019، أنّ نصيب الصيادين وقواربهم والبنية التحتية الخاصة بالصيد من الغارات كان 52 غارة جوية توزعت بين محافظتيْ الحديدة وتعز، وأدّت إلى مقتل 125 صياداً، وإصابة 75 آخرين.

وأفاد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش نُشر في آب/ أغسطس 2019 بمقتل 47 صياداً يمنياً على الأقل، جرّاء خمس هجمات، شاركت فيها سفن حربية ومروحيات، كما أشار التقرير نفسه، إلى احتجاز أكثر من 100 صياد يمني من قبل القوات السعودية لفترات تتراوح من 40 يوماً إلى عاميْن ونصف، في مراكز الاحتجاز والسجون في السعودية، ووثّق التقرير شهادات لمعتقلين سابقين أفادوا بتعرضهم لـ "التعذيب أثناء الاحتجاز في السعودية".

أما في المكلا، فتبلغ المساحة المحظورة على الصيادين 12 ميلاً بحرياً، وفق تأكيدات سالم بادؤود، رئيس جمعية الصيادين في المدينة. ويكشف بادؤود للمرة الأولى كواليس استدعائه من قبل السلطة المحلية في المكلا إلى جانب آخرين، بعد خروج "القاعدة" في نيسان/ أبريل 2016، بهدف تحديد مناطق الصيد المحظورة.

ويوضح بادؤود أنّ قوات التحالف التي اتخذت من مطار المدينة مقرّاً لها، قامت باستدعاء المسؤولين عن قطاع الصيد البحري لتبلغهم أنّه نظراً لترتيبات أمنية جديدة فقد تمّ حظر مناطق من البحر على الصيادين، وهي مناطق غنية بالأسماك وتشكل مصدر رزق هائلاً للعاملين في البحر، وهذا ما أكده رئيس الاتحاد التعاوني للصيادين بالمكلا عمر قمبيت.


قائد قوات خفر السواحل في مدينة المكلا الرائد ماجد العوبثاني، قال إنّ فرض المناطق المحظورة يعود لسببيْن إما الوقوع قبالة موقع عسكري، أو في مدار منشأة نفطية، نافياً وجود قوات غير يمنية في هذه السواحل. وأكد تعويض الصيادين المتضررين براتب شهري.

وأكد "أبو عبدالله" أحد صيادي منطقة "الشحير"، الذي يعمل في البحر منذ 30 عاماً، تلقّي بعض الصيادين الذين تضرروا من الإجراءات مبلغ 600 ريال سعودي شهرياً (ما يعادل 180 دولاراً تقريباً) وهذا ما يمثل إقراراً إضافياً بوجود مناطق محظورة من السلطات المحلية والتحالف.

مبررات أمنية وبؤر فساد

إجراءات التضييق على الصيادين اليمنيين، شرقاً يجري حصر مبرراتها بدواعٍ أمنية، في المهرة تحديداً، التي يبلغ طول شريطها الساحلي أكثر من 750 كيلومتراً، يدافع رئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية بالمحافظة عبد الناصر كلشات، عن استحداث نقاط عسكرية للقوات السعودية أساساً ويصفها بأنّها "نقاط مراقبة أمنية". ويقول إنّها بمشاركة قوات خفر السواحل اليمنية، وإنّها مسألة ترتبط بمكافحة التهريب ولا تشكل قيداً على "وضع الصيادين شبه المستقر" في المحافظة.

الخبير والباحث العسكري في الشؤون البحرية د. علي الذهب بدوره، لا يستبعد المبررات الأمنية المتعلقة بكون مناطق الاصطياد السمكي والمناطق القريبة منها ليست بعيدة عن أعمال التهريب، لكنّه يؤكد أنّه مهما يكن الأمر فهي في كل الأحوال تضييق على الصيادين، كما أنّها تمثل "بؤر فساد، لأنّ هذه المناطق يكثر فيها الاعتياش، من قبل العسكريين والفاسدين على أموال الصيادين"، الذين يضطرون لدفع رشاوى، لاتقاء العراقيل في طريق نشاطهم.

الثروة السمكية في اليمن، تأتي في المرتبة الثانية للمنتجات الصادرة بعد النفط سنوياً، بنسبة تصل إلى 4%، ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء د. عدنان الصنوي إنّ القطاع السمكي بحاجة إلى إعادة توظيف وتنظيم وسيصبح من القطاعات الواعدة التي يمكن أن تحقق أو تساهم في الناتج المحلي الإجمالي مثل بقية القطاعات كالخدمات والنفط.



إيران

التدخلات الخارجية في السواحل اليمنية، تمتد أيضاً إلى أطراف أخرى، إذ كشف تقرير منظمة مراقبة الصيد الجائر أنّ الفترة من يونيو 2019 وحتى أبريل 2020، شهدت دخول أكثر من 200 سفينة إيرانية منها 144 سفينة صيد وبنسبة 89% من إجمالي السفن التي دخلت المياه اليمنية خلال الفترة المذكورة.

تقرير منظمة مراقبة الصيد



دولة تحميه

يخلص الصياد اليمني علي سودة، وهو في الـ 70 من العمر، وأب لـ 11 ابنا وابنة، أغلبهم يعملون في مهنة الصيد، إلى أنّ الوضع الذي آلت إليه البلاد، قد جعل "ابن الوطن محروماً"، إذ يصل سعر كيلو السمك الديرك، إلى 10 آلاف ريال (ارتفع لنحو ضعفيْن في السنوات الأخيرة). في حين لا تقتصر سلسلة من الأحداث والتحولات المؤسفة، بالنسبة لسودة، على الجانب السمكي، بل إنّ البحر، الذي يشير إليه يقول "انظر كيف صار ملوثاً"، ويشدد على أنّ ما يحتاج إليه وضع القطاع السمكي هو "دولة (سلطات) تحميه زيما الدول الأخرى".