ARIJ Logo

اختلاط مميت على الطريق "الصحراوي" !

إيثار العظم

1/12/2020
تصوير: نزار أبو كركي
quote

ما في بيت إلّا فقد واحد على الصحراوي

قالها أمجد الجرادين، وهو يستذكر الحادث الذي وقع في صيف عام 2020، وراح ضحيته أخوه وزوجة أخيه وابنة أخيه العشرينية، بالإضافة إلى الخال وزوجة الخال، في حادث تصادم مع شاحنة داخل إحدى التحويلات على الطريق الصحراوي في منطقة السلطاني التابعة لمحافظة الكرك جنوبي الأردن.

يقول الجرادين إنّ نتائج التحقيق المروري أشارت إلى أنّ سائق المركبة كان يسير فوق حدود السرعة المسموح بها داخل التحويلة وهي 60 كيلو متراً في الساعة. وحمّلت سائق الشاحنة التي تسير بجانبه جزءاً من المسؤولية عن الحادث، بسبب قيام الأخير بزيادة السرعة عندما حاولت المركبة الصغيرة تجاوزه، لينتهي الأمر بتصادمها وجهاً لوجه مع شاحنة أخرى من الاتجاه المقابل داخل التحويلة.

يتكرر وقوع الحوادث التي تشترك فيها مركبات نقل البضائع على الطريق الصحراوي، الذي يشهد حركة كثيفة لهذا النوع من المركبات في ظل أعمال صيانة امتدت لسنوات.

يبحث هذا التحقيق المدفوع بالبيانات في دور مركبات نقل البضائع في وقوع الحوادث، خاصة المميتة منها، على الطريق الصحراوي في الفترة بين عامي 2017 و2020، التي تخللها تنفيذ مشروع تأهيل الطريق.

"الصحراوي" نقطة سوداء في سجل السلامة المرورية

شهد الطريق الصحراوي تزايداً في أعداد الحوادث التي وقعت عليه خلال السنوات الخمس الماضية، وراح ضحيتها 281 شخصاً منذ عام 2015، فضلاً عن إصابة 2878 من مرتادي الطريق.

90 وفاة وقعت على الطريق الصحراوي في عام 2019 ليكون العام الأكثر دموية، بعدما سُجلت 70 وفاة في 2017. وسُجلت 796 إصابة عام 2019 مقابل 426 إصابة عام 2015. هذا ما تكشفه بيانات المعهد المروري وإدارة السير.

مركبات نقل البضائع خطر ملموس

تكشف إحصائيات مديرية الأمن العام أنّ مركبات نقل البضائع شكلت نحو ربع المركبات المشتركة في حوادث أسفرت عن إصابات بشرية في العاميْن الماضييْن، مقارنة بـ 14% في عام 2016، ويشمل ذلك الرأس القاطر ومركبات الشحن والقاطرة والمقطورة وغيرها.

تبرز مركبات الرأس القاطر، غير المُعَدَّة للشحن، باعتبارها الأخطر بين مركبات نقل البضائع، فهي تشكل أكثر من نصف مركبات البضائع المشتركة في الحوادث، ونحو 15% من جميع المركبات المشتركة في الحوادث في البلاد، مع أنّ حصتها من إجمالي المركبات المسجلة لا تتجاوز 2%.

الرأس القاطر: المركبة غير المُعَدَّة للشحن بذاتها والمصممة لجر مقطورة أو نصف مقطورة.

ويستخدم مصطلح الرأس القاطر للتعبير عن الشاحنات الثقيلة (أسطول نقل البضائع الثقيل)، وفق تقارير هيئة تنظيم قطاع النقل البري.

ولا توجد تسمية موحدة للرأس القاطر غير المُعَدّ للشحن سوى في التقارير الإحصائية المرورية، ولا يشمل ذلك بيانات إدارات الأمن العام حول الحوادث، والتي قد تحوي كلمات أخرى مثل شاحنة أو تريلا لوصف تلك المركبات، الأمر الذي شكل تحدياً خلال إعداد التحقيق.

وفي المقابل اشتركت 70% من سيارات الركوب الصغيرة في حوادث تخللتها إصابات، وهي نسبة تعادل حصتها من المركبات المسجلة.

وعند مقارنة المركبات مع فئتها، تشترك سيارة صغيرة من كل مئة في حوادث. مقابل 12 رأساً قاطراً من كل مئة في فئتها.

ركز التحقيق على الحوادث المميتة على الطريق الصحراوي، إذ تبين أنّ مركبات نقل البضائع اشتركت في نحو 40%-60% من الحوادث المميتة للفترة 2017-2020، وفقاً للعينة.

وبحسب تحليل العينة فإنّ بين كل عشر وفيات نجمت عن حوادث على الطريق الصحراوي عام 2019، وقعت خمس منها بسبب حوادث اشتركت فيها تلك الفئة من المركبات، مقابل سبع وفيات من أصل عشر في عام 2018.

يوضح نقيب أصحاب السيارات الشاحنة الأردنية محمد داود أنّ أعداداً كبيرة من الشاحنات تتوجه يومياً إلى العقبة لنقل النفط الخام، والمشتقات النفطية الأخرى، والغاز والحبوب والبضائع العامة، وغيرها، مقدّراً عدد الشاحنات التي ترتاد الطريق الصحراوي يومياً بنحو 2000-2500 شاحنة.

وأرجع داود أسباب وقوع الحوادث على الطريق الصحراوي في السنوات الماضية إلى "رداءته"، الأمر الذي ألحق أضراراً بالشاحنات وكبّد السائقين تكاليف صيانة متكررة للإطارات وجسم الشحن بسبب وجود الحفر والمطبات سابقاً.

تكشف بيانات المعهد المروري لعام 2015 أنّ الجزء الأخير من الطريق الصحراوي، وبالتحديد الممتد بين معان والمريغة، شهد عدداً أقل من الحوادث وما نتج عنها من وفيات وإصابات، الأمر الذي تكرر في الأعوام اللاحقة 2016-2018، بالرغم من أنّ هذا الجزء سجل أعلى نسبة من حركة الشاحنات الثقيلة من مجموع المركبات التي ترتاد الطريق.

شاحنات قديمة وقطاع غير منظم

تعتمد صناعة الشحن في الأردن على الشاحنات بدرجة كبيرة، في ظل غياب بدائل لنقل البضائع داخلياً، حسب استراتيجية قطاع النقل طويلة المدى.

يصف تقرير للبنك الدولي لعام 2016 التركيبة المؤسسية لقطاع النقل الأردني بأنّها شديدة التفتّت، فهو مقسّم بين وزارتيْن وثلاث هيئات رسمية، وسلطتيْن محليتيْن هامتيْن؛ هما أمانة عمّان الكبرى وسلطة العقبة الاقتصادية الخاصة، ما يؤدي إلى ازدواجية المسؤوليات، وتدني التنسيق في القطاع صغير الحجم نسبياً.

تزايد المتوسط العمري للشاحنات الثقيلة (الرأس القاطر) في الأردن، خلال السنوات العشر الماضية، من 13 عاماً تقريباً إلى نحو 19 عاماً، وفق بيانات هيئة تنظيم النقل البري.

وبحسب التقرير السنوي الأخير لوزارة النقل (2018)، فإنّ خمسين على الأقل من كل مئة شاحنة ثقيلة مسجلة، يتجاوز عمرها المتوسط العام، وفقاً لسنة الصنع. كما تشكل الشاحنات الثقيلة التي يزيد عمرها على 23 عاماً نحو خُمس المركبات المسجلة من تلك الفئة.

تعود ملكية 70% من الشاحنات الثقيلة في الأردن إلى أفراد، وهو ما يُشار إليه بقطاع النقل غير المنظم.

يشمل قطاع النقل غير المنظم جميع المركبات العمومية العاملة في البلاد التي يملكها أفراد، ولا توجد في مكان محدد أو عنوان ثابت، وهو يتضمن مركبات من الفئات المختلفة لسيارات الركوب الصغيرة والباصات الصغيرة والكبيرة، ومركبات الشحن الصغير والمتوسط، والصهاريج والشاحنات والبرادات، حسب تقرير صدر عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.

كشفت دراسة أُجريت لصالح وزارة النقل الأردنية عام 2013 أنّ إلغاء الحكومة الأردنية للأجور الثابتة المحددة للنقل البري والدعم للوقود، جعل من الصعب على مالكي الشاحنات الاستثمار في مركبات جديدة، خصوصاً الأفراد، الذين يعمل أكثرهم لحساب الشركات الخاصة بنظام العمولة.

تقرّ وزارة النقل الأردنية بارتفاع متوسط عمر الشاحنات في البلاد، وتقترح في استراتيجيتها لقطاع النقل طويلة المدى شراء الشاحنات القديمة وإعادة تصديرها أو تحويلها إلى خردة، موضحة أهمية إخراج الشاحنات التي يزيد عمرها على عشرين عاماً من الخدمة، لغايات السلامة، نظراً لتراجع كفاءتها على الطريق.

مناطق خطرة

اعتمد التحليل الذي تناوله التحقيق تقسيم مسار الطريق الصحراوي إلى ستة مقاطع، بالاستناد إلى عدد من النقاط التي تكشف اختلافاً واضحاً في إجمالي المركبات التي تمر عبره، مع الاستعانة ببيانات المعهد المروري حول الأحجام المرورية على هذا الطريق لعام 2016.

يكشف التحليل أنّ المقطع 3 سجل أكبر عدد من الوفيات الناتجة عن الحوادث على الطريق خلال العاميْن الماضييْن، كما تصدّر في عدد الوفيات عام 2017 إلى جانب المقطع 2، الذي حل ثانياً في إجمالي الوفيات التي وقعت في الفترة بين عاميْ 2017-2020.

كما تظهر النتائج أنّ المقطع 3 سجل أكبر عدد من الحوادث المميتة خلال تلك الفترة، وأكبر عدد من الوفيات والإصابات على الطريق، تلاه في ذلك المقطع رقم 1، فيما برزت المقاطع الثلاثة الأولى كأكثر المقاطع تسجيلاً للحوادث المميتة التي كانت مركبات البضائع طرفاً فيها.

لا تقتصر التحديات التي تواجه مستخدمي هذا المقطع على كمية الشاحنات الكبيرة الموجودة، بل تمتد إلى افتقار العديد من أجزائه إلى الإنارة، ما يزيد من خطورة القيادة فيه.

صرح أمين عام وزارة الأشغال العامة في وقت لاحق من هذا العام أنّه يجري دراسة فكرة إنارة الطريق في الأجزاء التي تمر بمناطق مأهولة بالسكان، بالاستعانة بالطاقة الشمسية، لتحديد كلفتها وإمكانية التنفيذ، حسبما نشرته وكالة الأنباء الأردنية (بترا).

تشكو إسراء محادين، وهي محامية تعمل بين عمان والكرك، غيابَ الإنارة عن أجزاء الطريق الصحراوي. وتقول: "الأماكن التي لا توجد فيها إنارة تصبح جميعها خطرة. العاكسات لا تعطي إنارة للطريق".

"تحويلات الصحراوي" نقاط ساخنة

خضع الطريق الصحراوي لصيانة مرات عدة بسبب اهتراء أجزاء منه، إلّا أنّ الحكومة أطلقت مشروع "تأهيل الصحراوي" في أيلول/ سبتمبر 2017 ووصفته بأنّه "مشروع إنشاء طريق جديد وليس تنفيذ أعمال صيانة".

تتضمن أعمال المشروع كشط الخلطة الإسفلتية القديمة وتنفيذ طبقات جديدة من الخلطة الإسفلتية، وأعمال التحويلة المؤقتة والسلامة المرورية للطريق، مع إضافة مسرب ثالث للشاحنات لاحقاً، حسب التقرير السنوي لديوان المحاسبة لعام 2018.

يعتمد إنشاء التحويلة على إغلاق أحد الاتجاهين (نحو الجنوب أو نحو الشمال) في الجزء الذي سيخضع لأعمال الإنشاء، مع فتح المقطع الموازي من الاتجاه الآخر أمام حركة المركبات للسير في اتجاهيْن، يترافق ذلك مع خفض السرعة المسموح بها للمركبات إلى نحو 60 كيلو متراً/ الساعة، كما يتطلب الأمر خفض السرعة إلى 40 كيلو متراً/ الساعة عند مدخل ومخرج بعض التحويلات.

لا تخفي وزارة الأشغال العامة والإسكان خطورة التحويلات، إذ كشفت المديرة التنفيذية للطرق في الوزارة إيمان عبيدات أنّ ثلثي الحوادث وقعت داخل التحويلات، معللة ذلك بارتكاب السائقين أخطاءً مثل زيادة السرعة والتجاوز، حسبما صرحت به في ندوة أقامتها صحيفة "الغد" الأردنية حول حوادث الطريق الصحراوي.

كشف تحليل عينة الحوادث الإجمالية التي استند إليها التحقيق عن تسجيل 37 وفاة و114 إصابة نتجت عن 30 حادثاً فقط من حوادث التحويلات، شكلت حوادث التصادم ثلثيْها.

لا يمثل هذا العدد كافة الحوادث التي وقعت على التحويلات، إذ استند جمع عينة الحوادث إلى منهجية دقيقة للوصول إلى نتائج حاسمة، ما اقتضى استبعاد كافة الحوادث التي لم يُشِر نص الخبر أو البيان حولها إلى وقوعها داخل تحويلة (عندها، أو عند بدايتها، أو فيها، أو في منتصفها أو نهايتها).

التحويلات في منطقة ضبعة -يشمل ذلك الاتجاهين- سجلت الرقم الأعلى في الحوادث المميتة، التي نتجت عنها 14 وفاة و38 إصابة، وقعت في الأعوام 2018 و2019 و2020، تلتها تحويلات منطقة القطرانة التي سجلت 6 وفيات و10 إصابات في العاميْن 2019 و2020.

مواصفات السلامة

لا تستبعد مراجع مهنية زيادة وقوع الحوادث داخل التحويلات، عند الطلب من السائقين خفض سرعاتهم بدرجة كبيرة داخلها، مقارنة بالسرعة المسموح بها على الطريق.

يُشير دليل التحكم المروري لإدارة الطرق الخارجية الفيدرالية الأمريكية (MUTCD) إلى أنّ البحوث أظهرت أنّ خفض السرعة داخل التحويلات عن السرعة المسموح بها على الطريق بمقدار 30 ميلاً/ ساعة (48 كم/ ساعة)، من شأنه أن يزيد من خطر وقوع حوادث التصادم في تلك المناطق.

وبحسب الدليل الذي يشكّل مرجعاً للعديد من الباحثين في مجال هندسة الطرق ويستند إليه عدد من الأدلة العربية في هذا المجال، فإنّ خفض سرعة التحويلة بقدر 10 أميال/ الساعة (16 كم/ ساعة)، يبدو أكثر فعالية ويقلل من احتمالية وقوع التصادم.

اعتمدت وزارة الأشغال العامة والإسكان سرعة 60 كم/ الساعة كحد أعلى مسموح به داخل التحويلات، في فترة إنجاز المشروع المنفّذ بمواصفات عالمية معتمدة من السعودية، ما يعني أنّ الفرق بين السرعة المسموح بها على الطريق والسرعة داخل التحويلات بلغ 50 كم/ الساعة للمركبات الصغيرة و40 كم/ الساعة للشاحنات.

يرى رئيس بلدية الحسا إبراهيم أبو جفين أنّ بعض مواصفات التحويلات اختلفت بحسب الجزء الذي أُنشئت عليه، فهناك متعهدون قاموا بالفصل داخل التحويلات بين المسربين، في حين أبقاها آخرون مفتوحة من دون حواجز فاصلة.

يقول أبو جفين: "أكثر الوفيات نجمت عن حوادث في المنطقة بين ضبعة والحسا، وكانت ضمن تحويلات مفتوحة، وهي مناطق سهلة وليست وعرة، فكانت تشهد سرعات زائدة وتجاوزاً من السائقين في الاتجاهيْن".

لم تقتصر الخطورة على التحويلات من دون فواصل، إذ شهدت تلك التي استخدمت فيها الأعمدة والفواصل البلاستيكية حوادث مميتة أيضاً.

جاءت التحذيرات من خطورة الحوادث في مناطق الصيانة مبكرة، وبعد شهرين من إعلان وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق سامي هلسة تنفيذ أول نموذج تحويلة على الطريق بهدف اعتماده لاحقاً لستِّ مناطق.

واحدة من أوائل تلك التحذيرات تمثلت بطلب قيادة أمن إقليم البادية الملكية، بداية تنفيذ المشروع، إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان الإيعاز إلى المتعهد المسؤول عن الصيانة قرب منطقة أرينبة، بتركيب قواطع أسمنتية تفصل بين جانبيْ الطريق، عقب وقوع حوادث مميتة في التحويلة في تلك المنطقة، لأنّ الأعمدة والمشيرات البلاستيكية لا تقوم بدورها في فصل جانبيْ الطريق.

كما قدمت لجنة نيابية توصيات حول مواصفات التحويلات على الطريق الصحراوي، في أعقاب زيارة أجرتها للتقييم بعد مرور عاميْن على بدء مشروع التأهيل، سُجِّلَت خلالهما 69 وفاة و1056 إصابة بسبب حوادث على الطريق، حسب بيانات المعهد المروري.

تواصل وقوع الحوادث الخطرة على الطريق في المراحل الأخيرة من تنفيذ المشروع، إذ قامت وزارة الأشغال العامة والإسكان بفصل تحويلة القطرانة لمنع عمليات التجاوز الخاطئ، بعد أربعة أيام من بدء العمل فيها، بسبب وقوع حادثيْن أوديا بحياة تسعة أشخاص، حسبما نشرته إدارة الدوريات الخارجية على صفحتها الرسمية على فيسبوك في أيلول/ سبتمبر 2020.

مسرب الشاحنات وغياب التخطيط

ألمحت دراسة أجراها المعهد المروري حول الطريق الصحراوي لعاميْ 2016-2017 إلى أهمية فصل الشاحنات عن المركبات الأخرى، إذ أوصت بإيقاف حركة مركبات الشحن على الطريق أثناء ساعات الذروة في أيام محددة، وتحويل حركتها إلى طريق دبة حانوت الجفر.

وزير الأشغال العامة والإسكان كان قد أعلن عن إنشاء مسرب ثالث مخصص للشاحنات في بداية انطلاق المشروع، لتتراجع الوزارة عن ذلك لاحقاً، وتكتفي بإلزام مركبات الشحن الكبيرة بالجانب الأيمن في اتجاه العقبة، وصهاريج الوقود بطريق الجفر-الأزرق.

مشروع تأهيل الطريق الصحراوي
icon money
التمويل
منحة وقرض من الصندوق السعودي للتنمية، وتمويل جزئي من الخزينة.
icon invoice
التكلفة
نحو 312 مليون دولار أمريكي = 226 مليون دينار أردني تقريباً.
icon pin
الموقع
يمتد 220 كم من تقاطع مطار الملكة علياء الدولي وحتى المريغة.
icon calendar
مدة العقد
لكل جزء 609 أيام وامتدت إلى 943 يوماً بعد إضافة مسرب ثالث.
icon tools
جهة التنفيذ
ثلاثة عطاءات أُحيلت إلى ثلاثة ائتلافات من المقاولين، بينهم سعوديون، وينفذ بإشراف وزارة الأشغال العامة والإسكان.
icon tools
جهة التنفيذ
ثلاثة عطاءات أُحيلت إلى ثلاثة ائتلافات من المقاولين، بينهم سعوديون، وينفذ بإشراف وزارة الأشغال العامة والإسكان.

يكشف تقرير للبنك الدولي لعام 2016 عن وجود "خلل واضح في توازن الإنفاق لصالح إعادة البناء المكلفة مقارنة بالصيانة المنتظمة"، المتعلقة بالبنية التحتية للطرق في الأردن.

وحسب التقرير فإنّ وزارة الأشغال العامة والإسكان "تمنح الأولوية لإصلاح الطرق التي تضررت بشدة، بسبب عدم كفاية الأموال والرصيد المتراكم من أعمال الصيانة".

ويعتبر خبير التخطيط الحضري د. مراد كلالدة أنّ مشروع تأهيل الطريق الصحراوي يعكس غياب التخطيط، إذ لا يشكل أولوية في ظل توجه الدولة نحو اللامركزية، بتخفيف الضغط عن المركز والعودة إلى الأطراف، ويقول الكلالدة: "ما بدنا نجيب الشعب ونسكنه بعمّان".

ويرى الكلالدة أنه لا بدّ من وجود استراتيجية عمرانية وطنية كمرجعية توضح الاحتياجات وتطرح الأولويات، "وهذا يعني أننا قد نكون بحاجة إلى هيكلية مختلفة للطرق"، مؤكداً أنّه كان لا بدّ من إعادة النظر في الطريق الصحراوي من الناحية التخطيطية، لا أن يجري تأهيله وهو الذي أُنشئ قبل ثلاثين عاماً.

ووصف الكلالدة، وهو رئيس المنتدى الأردني للتخطيط، مشروع تأهيل الطريق الصحراوي بأنّه "جريمة اقتصادية وهدر للمال العام تضمن إزالة طبقة ووضع أخرى عن الطريق، لأنّه لم يؤخذ بالاعتبار البعد التنموي".

أخطاء بشرية أم عيوب في الطريق

تكشف بيانات المعهد المروري لعام 2017، أنّ "تغيير سائق المركبة المسرب بشكل مفاجئ" كان مسؤولاً عن نحو 60% من الأخطاء البشرية المرتكبة في حوادث الإصابات على الطريق الصحراوي، ونحو ثلثي حالات الوفيات الناتجة عنها. كما تصدّر قائمة الأخطاء البشرية في الربع الأول من عام 2018 على الطريق ذاته.

وأشارت دراسة أجراها المعهد المروري الأردني عام 2015 على الطريق الصحراوي إلى أنّ السائقين قد يلجؤون إلى "تغيير المسرب للهروب من الحفر والعوائق التي تصادفهم، ما يؤدي إلى انحرافهم عن المسار والتسبب بوقوع حادث".

في حين تعتبر وزارة الأشغال العامة والإسكان مخالفات السرعة أبرز الأخطاء التي تسببت بوقوع حوادث على الطريق الصحراوي.

تتبع التحقيق عدداً من مخالفات السرعة التي رصدتها إدارة الدوريات الخارجية على الطريق الصحراوي، ليتبين وقوع 28 حالة مخالفة للسرعة عند التحويلات في عام واحد، وهي التي تكررت فيها حوادث مميتة أفضت إلى وفاة 22 شخصاً وإصابة 52 آخرين في الفترة بين عاميْ 2018-2020.

تشير التقارير الإحصائية الرسمية إلى العنصر البشري باعتباره مسبباً للغالبية العظمى من حوادث الإصابات البشرية في الأردن، وكان آخرها ما ورد في "التقرير السنوي للحوادث المرورية- الأردن 2019"، من أنّ مساهمته بلغت 98.2%، مقابل 0.6% تتحملها عيوب الطريق.

يحتل الأردن المرتبة الثالثة والستين عالمياً في جودة الطرق، بمؤشر تبلغ قيمته 4.1/7 حسب تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي للفترة 2017-2018، ما يثير تساؤلات حول المعايير التي تعتمد لحساب مساهمة العنصر البشري في حوادث الإصابات في الأردن.

تبدو الصورة أكثر وضوحاً عند مطالعة مؤشر دولة الإمارات العربية المتحدة التي احتلت المركز الأول عالمياً في جودة الطرق، مع ذلك لا تتجاوز مساهمة الخطأ البشري في الحوادث لديها 85%. أما مصر فأحرزت قيمة قريبة من الأردن بلغت 3.9/7، وتبلغ مساهمة العنصر البشري في الحوادث 77%، مقابل 15% تشكل مساهمة حالة الطريق في الحوادث المسجلة لديها.

تعتبر منظمة الصحة العالمية أنّ البنية التحتية للطرق ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما تفضي إليه الحوادث المرورية من وفيات وإصابات بليغة، ولا بدّ أن يراعي تصميمها وصيانتها نهج نظام سلامة يأخـذ بالاعتبار الخطأ البشري حسب التقرير العالمي عن حالة السلامة على الطرق (2015).

تُعد وزارة الأشغال العامة والإسكان مسؤولة عن الطرق بما في ذلك الطرق الخارجية، وهي تتحمل مسؤولية تأمين سلامة مستخدمي الطريق، وفقاً لأحكام القانون.

بموجب المادة (4) من القانون رقم (24) لعام 1986 وهو قانون الطرق: تتولى وزارة الأشغال العامة والإسكان مهمة "الإشراف على الطرق وصيانتها وتحسينها أو تنفيذ كافة الأعمال التي تضمن رفع كفاءتها وتؤمن أقصى درجات السلامة في استخدامها، وتزويدها لذلك الغرض بشواخص وعلامات المرور وتثبيت أيّ إشارات أو إعلانات على جوانبها".

استندت محكمة التمييز الأردنية إلى تلك المسؤولية القانونية عند الحكم في دعوى رفعها ورثة أحد المتوفين، لتعويض الضرر الناجم عن وفاة معيلهم في حادث سير وقع على الطريق الصحراوي قبل 12 عاماً، ونجم عن سقوط المركبة في نفق لا تحيط به حواجز حماية وأدى إلى وفاة جميع الركاب. حّمل قرار المحكمة الوزارة مسؤولية الحادث بنسبة 50%، معللاً ذلك بأنّها المسؤولة عن الطرق الخارجية وسلامتها، وصيانتها، ووضع الإشارات التحذيرية، والحواجز، وغيرها، لغايات تأمين السلامة لمستخدمي تلك الطرق.

قرار محكمة التمييز الأردنية رقم (4001) لسنة 2017، الصادر في (كانون أول/ ديسمبر 2017) اعتبر أنّ وزارة الأشغال العامة "لو قامت بوضع حواجز على كافة جهات النفق، كما فعلت بعد الحادث مباشرة، لمنع ذلك سقوط المركبة داخله ولما تحققت النتيجة أو على الأقل لنهضت بالمسؤولية عن نفسها".

يقول المحامي مراد البستنجي، الموكل في القضية، إنّ المحكمة استندت إلى تقرير الخبرة الفنية لإبراز عيب الطريق، بعد أن كان سائق المركبة يتحمل وحده الخطأ تحت بند تجاوز السرعة المقررة. فقد أناط القانون بسائق المركبة أخذ الاحتياطات اللازمة للسلامة المرورية، في حين تتحمل وزارة الأشغال العامة والإسكان، وكذلك البلديات، المسؤولية عن عيوب الطريق.

توجهنا بطلبات لإجراء مقابلات لهيئة تنظيم النقل البري، ووزارة الأشغال العامة والإسكان، لاستيضاح تفاصيل نتائج توصل إليها التحقيق، ملحقة بطلبات بحق الحصول على المعلومة، لكن لم نحصل على رد حتى موعد نشر هذا التحقيق.

عيّنة الحوادث ومنهجية البحث

يستند التحقيق إلى عيّنة من الحوادث وقعت بين كانون الثاني/ يناير 2017 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وشملت نحو 60% من الوفيات المسجلة في تلك الفترة كحد أدنى (تشمل عينة 2018 الحوادث المتسببة بنحو 98 من الوفيات)، بالإضافة إلى 27 حالة وفاة في عام 2020.

استند جمع وحدات العيّنة (الحوادث) بشكل رئيسي إلى فحص أرشيف الأخبار في المواقع الإلكترونية الخاصة بكلٍّ من مديرية الدفاع المدني- أرشيف الأخبار، وإدارة السير، وإدارة الدوريات الخارجية، وإذاعة الأمن العام، ووزارة الأشغال العامة والإسكان، ووكالة الأنباء الأردنية (بترا)، والبحث في الصفحات الرسمية الخاصة بالوزارة وبتلك المديريات والوكالة (بترا) على فيسبوك، والحسابات الرسمية لعدد منها على تويتر (إذاعة أمن إف إم، ومديرية الدفاع المدني، وإدارة السير).

اعتمد التحقيق منهجية دقيقة للحصول على معلومات حول الحوادث، كان أبرزها ورود كلمة الطريق الصحراوي في المتن أو العنوان للبيان أو الخبر، أو ورود أسماء تحويلات على الطريق أو الإشارة إلى فرع إدارة الدوريات الخارجية (محطة الزميلة) كمعلم قريب من مكان الحادث.

شمل التحقيق مركبات نقل البضائع التي عُبّر عنها بأيّ من الكلمات التالية: "شاحنة، تريلا، رأس قاطر، مركبة شحن، ونش، بك أب، ديانا، صهريج، صهريج غاز، قاطرة ومقطورة، قاطرة نصف مقطورة، حاوية".

كما تضمن التحقيق الاستعانة بعدد من المواقع الإخبارية لغايات المقارنة أو التحقق من ظروف الحادث ومكانه، أو الحصول على معلومات إضافية حوله، وكذلك البحث عن الحوادث التي وقعت على الطريق الصحراوي ونُشرت أخبارها عبر وسائل الإعلام، ولم تُدرجها المصادر الرسمية في مواقعها أو أرشيفها، وهي حالات محدودة.

وفيما يلي قائمة بتلك المواقع: وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وصحيفة الرأي الأردنية، وصحيفة الغد الأردنية، وموقع رؤيا الإخباري، والموقع الإلكتروني لتلفزيون المملكة، والموقع الإلكتروني "هلا أخبار" التابع لإذاعة القوات المسلحة (راديو هلا).