ARIJ Logo

مياه مصر:
نصف الكوب الفارغ

لؤي هشام ومعتز سيد

1/12/2020
quote

أعاني كثيراً في رحلة البحث عن مياه.. نتحمل التكاليف بالكامل لأنّنا لو لم نفعل ذلك، لن تصلنا أبداً .. أعصابي لم تعد تحتمل.. إذا دخلت البيوت ستتعجب كيف يعيش أيّ شخص هنا!

أسرتا نجاح وأبو العلا أسرتان مصريتان. تمثلان نحو مليون و155 ألف مصري لا تصلهم مياه الشرب. ومشكلتهم مع كوب المياه مستمرة. الماء أهون موجود وأعز مفقود. في هذا التحقيق سننظر إلى النصف الآخر من الكوب، نصف الكوب الفارغ من مياه مصر.

وثّق مُعِدَّا التحقيق من خلال البيانات مفتوحة المصدر، كيف تسبب سوء إدارة مرافق مياه الشرب في مصر في تراجع حصة الفرد وزيادة نسبة السكان غير المخدومين الذين لا يحصلون على مياه بشكل كامل.

خلال الفترة (2014-2018) كانت نسبة السكان الذين تصلهم مياه الشرب 24 ساعة ثابتة عند 95 في المئة. إلّا أنّ نسبة السكان غير المخدومين ارتفعت ثلاثة أضعاف خلال نفس الفترة، وبعدما كانوا أكثر من 360 ألف شخص في 2014 (0.41 في المئة من السكان) ارتفع عددهم إلى أكثر من مليون و155 ألفاً (1.2 في المئة من السكان)، بزيادة 795 ألف شخص تقريباً، بحسب جهاز تنظيم مياه الشرب في تقريره السنوي.

ومع هدر كميات كبيرة خلال عملية التوزيع نتيجة فاقد الشبكات، وصل معدل الفقد السنوي إلى 3 لترات من كل 10 لترات تنتجها محطات الشركة القابضة. ومع الزيادة السكانية، تراجعت حصة الفرد من مياه الشرب المستهلكة في السنة من 86 متراً مكعباً في 2011 إلى 64 متراً مكعباً في 2018، بمعدل انخفاض وصل إلى الربع تقريباً.

يأخذنا ذلك إلى تتبع مسار مياه الشرب، بدءاً من مواردها وكميتها السنوية، مروراً بعملية نقلها وتحليتها وتوزيعها، حتى إنفاق الدولة على هذا المرفق. مسارات أظهرت أنّ القصور في كل مرحلة كان سبباً في تراجع حصة الفرد من المياه، وتفاوت نصيب الفرد بين سكان المحافظات.

نسبة مياه شرب ثابتة.. والمحرومون في زيادة

تأتي الموارد المائية لمصر من نهر النيل. كل 10 لترات من الموارد المائية تأتي 7 منها من نهر النيل، ويأتي لتران تقريباً من إعادة استخدام مياه الصرف. فيما يتوزع اللتر المتبقي بين المياه الجوفية ومياه الأمطار، بحسب كمية الموارد المائية المعلنة من وزارة الري والموارد المائية عام 2019. ووصل إجمالي تلك الموارد عام 2019 إلى أكثر من 80 مليار متر مكعب، بعدما كانت 74 ملياراً تقريباً في 2011.

لكن وعلى الرغم من هذه الزيادة، ظلت نسبة مياه الشرب من إجمالي الاستخدامات ثابتة تقريباً في الأعوام الأخيرة عند 13 لتراً من كل 100 لتر، في الوقت الذي تعاظم فيه استخدام المياه في الصناعة ثلاث مرات ونصف بدءاً من 2015، لتصبح 7 لترات من كل 100 لتر بعدما كانت لترين فقط.

تقول نجاح أحمد وهي مُدرّسة تعيش في قرية الشاورية بمركز نجع حمادي في قنا: "تغذي قريتنا توصيلات مياه قادمة من قرية مجاورة ولكن المياه إما ضعيفة أو متقطعة. الوصلات قديمة وبعضها مصنوع من الحديد الذي تهالك مع الوقت ما يتسبب في بعض الرواسب بالمياه".

بينما تقول نادية إحسان، التي كرست حياتها من أجل مساعدة من لا يحصلون على المياه بانتظام، عن طريق جمعية خيرية في قنا: "هناك قرى كثيرة لم تصلها مياه، وهناك قرى تشرب مياهاً مالحة، وأخرى نحاول دعمها بمحطات تحلية".

نجحت جمعيتها في توصيل 150 وصلة مياه في مركزي نجع حمادي والمراشدة خلال الآونة الأخيرة، بحسب ما تقول.

تركيب وصلات مياه

فاقد الشبكات.. ثُلث الزجاجة الفارغ

قبل أن تصل المياه إلى المستهلك، فهي تُنتج من محطات المياه بمختلف أنواعها، السطحية والآبار والتحلية، لكنّ الكمية التي تُتاح للمستهلك تكون أقلّ من الكمية التي أنتجتها تلك المحطات، والسبب: فاقد الشبكات.

يعد الفقد أحد الأسباب الرئيسية وراء هدر مياه الشرب، إذ تجاوز معدل الفقد السنوي 2600 مليون متر مكعب عام 2018. بعد أن بلغ أكثر من 2700 مليون متر مكعب في الأعوام الثلاثة السابقة، ما يعني أنّ أمام كل 10 لترات منتجة للمحطات بأنواعها المختلفة، هناك أكثر من 3 لترات مهدورة.

ويشرح أحمد رضا المسؤول الإعلامي للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي أسباب الفقد الذي يعود لأمريْن: "فاقد طبيعي، أو ما نسميه فيزيائياً، نتيجة عمليات غسيل الشبكات، وهو نسبة متعارف عليها، وكذلك فاقد نتيجة كسر في المواسير. وهناك فاقد آخر تسعى الشركة جاهدة لإيجاد طرق لمجابهته، وهو التعديات على الشبكات، مثلما يحدث في المباني المخالفة، وتكون هناك حملات لإزالة التعديات وتحرير محاضر بالمخالفات أولاً بأول".

ومقارنةً بمتوسط مياه الشرب الزائدة سنوياً (137.5 مليون م3/ العام). فإنّنا مع كل لتر مياه يزيد سنوياً نفقد مقابله 3 لترات، أي أنّه لا توجد استفادة محسوسة من كمية الزيادة الضئيلة.

وقد أخذت نسبة فاقد الشبكات ترتفع مع مرور السنين، فبعدما كانت تعادل نحو خُمس إجمالي المياه المنتجة في 2011، أصبحت تشكل الثُلُث تقريباً (29.7 في المئة) في 2018، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

عن ذلك يقول ضياء القوصي الخبير المائي ومستشار وزير الري الأسبق: "في اليابان يصل الفاقد إلى 5 في المئة. إن كانت إمكانيات المصافي التي تدخل إلى محطات التنقية جيدة فلن تسمح بوجود مواد عالقة كثيرة، وبالتالي لن تجعل (المروّقات) تنسد. كذلك لو كانت جميع الشبكات جديدة ويتمّ إصلاحها بمجرد حدوث أيّ عطل بها لقلّل ذلك الفاقد. يجب تجديد الشبكات والصمامات والبوابات بشكل دوري".

وتشير دراسة إلى أنّ المستوى المقبول اقتصادياً لفقدان المياه يتراوح بين 5 إلى 10 في المئة بحسب مصدر المياه. فيما يرى حسن أبو النجا، نائب رئيس منتدى الشرق الأوسط للمياه، أنّ النسبة المقبولة في مصر يجب أن تقل عن 20 في المئة، وذلك في رده عبر البريد الإلكتروني.

يبرر المسؤول الإعلامي للشركة القابضة ذلك بأنّ "الشركة تتخذ طوال الوقت إجراءات لتقليل الفاقد. وهناك برامج للكشف عن التسرب (DMA)، تتمثل في تحديد منطقة معينة واتخاذ إجراءات قياسية لتقليل الفقد. نتأكد أولاً من وجود عدادات مركبة. وإذا كانت هناك أيّ مشكلات إضافية في الشبكات يتمّ تلافيها، وتمّ اتّباع هذا الإجراء في العديد من المناطق وحقق نتائج جيدة جداً أسهمت كثيراً في تقليل الفقد".

مدن القناة الأكثر فقداً للمياه

تصدّرت محافظات السويس والإسماعيلية وبورسعيد قائمة المحافظات الأكثر فقداً في الشبكات في 2018. تفقد كل محافظة نحو 64 لتراً من كل 100 لتر تنتجها. وهو ما يُمثل أضعاف الفقد في 2011، إذ كانت محافظة السويس تفقد 44 لتراً من كل 100 لتر، مقابل 42 لتراً في الإسماعيلية، و11 لتراً فقط في بورسعيد.

أما الفاقد في محافظتي القاهرة والإسكندرية فقد وصل إلى 31 في المئة و28 في المئة، على الترتيب في 2018. وأرجع رضا ذلك إلى الطبيعة الجغرافية للمحافظتيْن التي تجعل الشبكات فيهما الأكثر طولاً مقارنة بباقي المحافظات، ما يعمّق الأزمة في حال وجود كسر أو انفجار.

محطات المياه.. مكمن الأزمة

يشير الرقم الإجمالي لمحطات مياه الشركة القابضة بمختلف أنواعها، السطحية، والآبار والتحلية، إلى أنّ عدد المحطات زاد خلال السنوات السبع المذكورة بمتوسط 60 محطة، لكنّ تقسيمها بحسب نوع المياه يُظهر قراءة مختلفة.

في 2011 كان إجمالي عدد المحطات السطحية (مياه النيل)، التي تنتج النصيب الأكبر من المياه، أكثر من ألفيْ محطة، انخفض هذا العدد إلى أقل من النصف في 2018. وهناك أكثر من 1100 محطة توقفت عن العمل خلال هذه الفترة الزمنية، بمعدل 161 محطة سنوياً، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

ورغم دلالة الأرقام، إلّا أنّ المسؤول الإعلامي للشركة القابضة لمياه الشرب رفض الاعتراف بها، بقوله: "طوال الوقت هناك محطات تدخل الخدمة وليس العكس، لا توجد أيّ محطة تخرج من الخدمة، بل هناك محطات تتمّ إعادة تأهيلها. المحطات السطحية خصوصاً لا يحدث أيّ تناقص في أعدادها. ولكن قد يحدث ذلك في المحطات الارتوازية إذا ما ارتفعت نسبة الملوحة في المياه، ويتمّ ذلك بعد تصريح من وزارة الصحة".

إلّا أنّ رشا الخولي عميدة كلية الهندسة في جامعة "هليوبوليس" وخبيرة هندسة المياه، أوضحت أنّ التراجع ربما حدث لأنّ عدداً من المحطات توقفت عن الخضوع لعملية إحلال وتجديد، مثل تغيير التكنولوجيا المستخدمة فيها وتحديث أدوات الإنتاج القديمة.

اختلف الوضع على صعيد محطات الآبار، إذ زاد عدد المحطات بمقدار العُشر، فمن 1456 محطة في 2012 -لم يتوفر في نشرة 2011 سوى عدد محطات الوادي الجديد- إلى أكثر من 1600 محطة في 2018، بمتوسط زيادة سنوية قدرها 25 محطة.

أما محطات التحلية فقد زادت بمقدار محطة سنوياً تقريباً. في 2018 أصبح العدد الإجمالي 44 محطة بعدما كان 35 في 2011. وفقاً لرضا فقد حدثت طفرة كبيرة في أعداد محطات التحلية من بعد عام 2018 -آخر عام أصدرت فيه النشرة السنوية لمياه الشرب والصرف الصحي- على حد قوله.

هذا عن عدد المحطات بأنواعها لكن ماذا عن قدرتها الإنتاجية على أرض الواقع؟

توجد لكل محطة مياه قدرة تصميمية تمثل الحد الأقصى لطاقتها، وقدرة فعلية تعكس الطاقة المعمول بها فعلياً.

في المحطات السطحية اتسع الفارق بشكل كبير بين القدرتين في أغلب المحافظات عام 2011، ليصل متوسط القدرة الفعلية 61 في المئة. لكنّ هذا الفارق تقلص عام 2018، حين وصل متوسط القدرة الفعلية 75 في المئة. إلّا أنّ 14 محافظة -أي نصف المحافظات تقريباً- عملت محطاتها بأقلّ من هذا المتوسط.

تضع الأرقام السابقة أيدينا على مستوى القدرة الإنتاجية، لكنّ رضا يقول إنّ القدرة التصميمية للمحطات تضع في حسبانها خططاً مستقبلية "هناك مخطط عام حتى عام 2030، يضع احتياجات المناطق السكنية بناءً على التوسعات المتوقعة والزيادة السكانية، وبناءً عليه فإنّ الطاقة التصميمية للمحطة تضع في حسبانها ذلك لأنّنا غير قادرين على بناء محطات يومياً، ولذلك يتمّ تصميم المحطة بطاقة تستوعب عدد سنوات أكبر. أما التشغيل الفعلي فيتمّ وفقاً للاحتياجات السكانية في الوقت الحالي".

أما فيما يتعلق بمحطات الآبار الموجودة في 18 محافظة عام 2018، فقد بلغ متوسط العمل بالقدرة الفعلية 31 في المئة من القدرة التصميمية عام 2013 (16 محافظة) ثم أصبح 50 في المئة بعد خمس سنوات. وعملت 8 محافظات بأقل من هذه النسبة. وفي مقدمتها مطروح وقنا اللتان عملتا بـ 5 و7 في المئة فقط من طاقتهما التصميمية. وقد مثلت محافظات إقليم الصعيد نصف المحافظات العشر الأقلّ من حيث القدرة الفعلية، بخمس محافظات.

فيما كانت الدقهلية الوحيدة التي تخطت نسبة الـ 90% التي حققتها بني سويف من خلفها في الترتيب، تلتهما محافظتا شمال سيناء وجنوب سيناء.

محطة تنقية
صورة لمضخة مياه.

إنتاج متراجع ونصيب متناقص

تشير البيانات إلى أنّ إجمالي المياه النقية المنتجة خلال الفترة بين 2011 و2018 لم يشهد تطوراً كبيراً من حيث الكمية، إذ مر هذا الإجمالي بارتفاع وانخفاض طفيف بين كل عام وآخر. لكن بالمقارنة بين العام الأول والأخير نجد أنّ أمام كل 100 لتر مُنتجة في 2011 أُنتج 98 لتراً في 2018. وهو ما لا يتناسب مع الزيادة السكانية المستمرة، وبالتالي الحاجة لإنتاج كميات أكبر لا أقل.

بناءً على ذلك انخفضت حصة الفرد من 110 متر مكعب في 2011 إلى 91 متراً مكعباً عام 2018، أي بمقدار الخُمس تقريباً. وبلغ إجمالي المياه المنتجة -من الشركة القابضة التي تستحوذ على أكثر من 80 في المئة من إنتاج المياه- في 2018 أكثر من 8750 مليون متر مكعب، وهي كمية سيطرت محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والدقهلية على نحو نصفها (48 في المئة) لتتقاسم باقي المحافظات (24 محافظة) النصف الآخر.

ويتفاوت نصيب الفرد في المحافظات من المياه المنتجة بشكل كبير. في جنوب سيناء كانت حصة الفرد أكثر بـ 29 مرة من نظيره في بور سعيد، وأكثر بـ 15 مرة من السويس، وهما المحافظتان الأقل من حيث حصة الفرد من المياه، مع الأخذ في الاعتبار أنّ 4 محطات تابعة لهيئة قناة السويس تمدها أيضاً رفقة الإسماعيلية، ولكن لم يُذكر نصيب كل محافظة وتمّ الاكتفاء بالرقم الإجمالي البالغ 90 مليون متر مكعب مُنتجة، و67 مليوناً مُستهلكة.

تلي المحافظتان كلٌّ من: القليوبية والمنيا والمنوفية وسوهاج وأسيوط وبني سويف وقنا. وهو ما أثّر بطبيعة الحال في المياه المستهلكة. وبالمقارنة بين العامين نجد أنّ مع كل 100 لتر استُهلك في 2011، هناك 88 لتراً في 2018، أي بانخفاض نسبته 12 في المئة، وبالتالي تراجعت حصة الفرد بمقدار الربع تقريباً، فبعدما كانت 86 متراً في 2011 أصبحت 64 في 2018.

عن هذا التفاوت الكبير بين المحافظات تفسر رشا الخولي، خبيرة هندسة المياه أنّه "ليس بسبب عنصر واحد، وإنّما لعوامل عدة تخضع للمستوى الاجتماعي والمعيشي، ما يترتب عليه اختلاف حجم الاستهلاك".

وتلفت الخولي إلى الاستخدام في غير الأغراض المنزلية "المشروعات والأماكن الخدمية والفنادق والمصانع تستهلك كميات كبيرة وتعد من أسباب هذا التفاوت، والمناطق التي لا تتمتع بخدمات كثيرة أو مستوى معيشي مرتفع يكون استهلاكها أقل".

أما القوصي فيؤمن أنّ التوعية بضرورة ترشيد الاستهلاك أمر جوهري "لو حنفية واحدة فقط تسرب المياه، فهي تهدر في السنة 3 أمتار مكعبة من المياه. وإن افترضنا أنّ لدينا أكثر من 10 ملايين وحدة سكنية بها ما يقارب 50 مليون صنبور يسرّب المياه فهذا يعني أنّه يُهدر في السنة 150 مليون متراً. إذا كان الإسراف في المياه العكرة خطأً فإنّ هدر مياه نظيفة خطيئة".

تُظهر المقارنة بين الكمية المستهلكة في 2011 و2018، أنّ نحو 8 محافظات فقط زادت فيها حصة الفرد وكانت أغلبها بنسب ضئيلة.

صورة لأطفال يملؤون المياه من التناكر (الصهاريج)

تضرب إحسان المسؤولة عن الجمعية الخيرية في قنا مثالاً على معاناة المياه المتواصلة "هناك قرية اسمها هندي لا تصلها المياه، إلّا من خلال خزانات المياه التابعة للحكومة، التي تصل بسيارات كل 10 أو 15 يوماً وحينها يملأ الأهالي الجراكن وينتظرون السيارة حتى تمر مجدداً".

إنفاق الدولة.. الصيانة في مؤخرة الأولويات

يتبع مرفق مياه الشرب لوزارة الإسكان. ويتولى الجهاز التنفيذي والهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي مسؤولية طرح وترسية وتمويل المشروعات الخاصة بمياه الشرب والإشراف عليها. وبينما يُعنى الأول بمحافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية، يختص الثاني بباقي المحافظات. وفي الموازنة العامة للدولة خلال الفترة من 2010 حتى 2020 بلغ إجمالي مصروفات إمدادات المياه أكثر من 94 مليار جنيه -أي ما يزيد على 9 مليارات في العام الواحد- كان نصيب الهيئة القومية منها نحو الثلثيْن.

ويُشكّل هذا المبلغ (9 مليارات)، ثلاثة أرباع الإنفاق العام للدولة على المرفق، وفقاً لأرقام موازنة العام المالي 2017-2018.

تتنوع المصروفات بين أجور للعاملين ومنح ومزايا عينية وشراء سلع وخدمات. وقد أتى نصيب نفقات الصيانة بمتوسط يقارب 72 مليون جنيه في العام الواحد، ما يعني أنّ مقابل كل 100 مليون مخصصة للمصروفات هناك أقل من مليون واحد فقط مخصص للصيانة.

ومع أنّ الهيئة القومية تنفق مصروفات تضاهي ضعف ما ينفقه الجهاز التنفيذي، إلّا أنّ الفارق فيما يتعلق بالصيانة كان ضخماً، فأمام كل 100 مليون ينفقها الجهاز التنفيذي على الصيانة، هناك مليون واحد فقط تنفقه الهيئة القومية، رغم أنّها معنية بـ 23 محافظة، مقابل أربع محافظات فقط للجهاز التنفيذي.

على الجانب الآخر لا تحقق الهيئتان أيَّ فوائض مالية بل تعاني كلٌّ منهما عجزاً كبيراً بين المصروفات والإيرادات.

ماذا عن الشركة القابضة المسؤول الأول عن تشغيل وصيانة المحطات؟

يصل متوسط جملة الاستخدامات -تشمل المصروفات وبنوداً أخرى- في الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي إلى 6.5 مليار جنيه سنوياً. منها متوسط 400 مليون جنيه على المستلزمات الخدمية -تشمل الصيانة ضمن بنود أخرى- بحسب "النشرة السنوية للإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية لشركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام"، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وعليه، فإنّ من بين كل 100 مليون تنفقها الشركة من "جملة الاستخدامات" هناك 6 ملايين فقط للمستلزمات الخدمية، أي أقلّ من العُشر. وبحساب نسبتها من "إجمالي تكاليف الإنتاج" فإنّ من بين كل 100 مليون جنيه تخصص لمستلزمات الإنتاج، هناك 15 مليون جنيه للمستلزمات الخدمية، أي أقلّ من الخُمس، وذلك خلال الفترة من 2008 حتى 2016.

يرد المسؤول الإعلامي للشركة بأنّ "المبالغ المخصصة للصيانة تذهب بالكامل لها، فهناك مستلزمات تشغيل مثل الكهرباء والكلور، كما تحتاج محطات الصرف الصحي مواد كيماوية للمعالجة، جميع هذه المبالغ تتمّ مراقبتها من الجهاز المركزي للمحاسبات بشكل مستمر".

ويشدد "هذه المبالغ لا توضع عشوائياً وإنّما وفقاً للمخطط العام الذي يحدد عدد المحطات والشبكات وتكلفتها في كلّ محافظة ويتمّ تحديثه في خطط خمسية. بالإضافة إلى الخطة السنوية التي يتمّ على أساسها اعتماد الموازنات. هناك آليات لتحديد كل ذلك". لكنّ تقرير عام 2017-2018 لجهاز "تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي وحماية المستهلك" يشير إلى التحديات المالية التي حدّت من القدرة على تطوير الأداء، وكذلك التحديات الفنية من "عدم كفاءة برامج الإحلال والتجديد وضعف برامج الصيانة الدورية ونقص الخبرات الفنية، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الفاقد من المياه، وعدم انتظام الخدمة، وتدني جودتها، وعدم القدرة على مد خدمات مياه الشرب والصرف الصحي للمناطق المحرومة وللفقراء".

وتبقى مشكلة المياه كابوساً في حياة ملايين المصريين، بينما يكمن الحل في خطوات تنفيذية واسترشادية متمثلة في عمليات النقل والتحلية وصيانة المرافق المائية للحدّ من عمليات الفقد للمياه.

ملحوظة: تواصلنا مع وزارة الإسكان، المسؤولة عن إدارة مرفق مياه الشرب، ولم نتلق ردّاً حتى موعد نشر هذا التحقيق. كما تواصلنا مع الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي، والهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي ولم نتلقَّ أيّ ردود أيضاً.

نادية إحسان: اسم مستعار.