لا يوجد نسبة محددة للإنتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال في مصر. حقيقة مؤسفة كانت تنكشف لي يوماً بعد يوم أثناء عملي في هذا التحقيق، الجهات الرسمية ليس لديها آلية واضحة فعّالة تجمع بها بيانات الحوادث التي يتعرض لها الأطفال. وزارة الداخلية توقفت عن إعلان عدد البلاغات التي تتلقاها منذ 2012، المجلس القومي للأمومة والطفولة ذات نفسه حينما توجهت اليه لطلب هذا البيان -على اعتبار أن القانون يفترض أن يتم تحويل أي بلاغات تخص الأطفال اليه- لم يكن يملكه، ولم يعطيني سوى نسبة البلاغات التي يتلقاها عبر خطه الساخن. الخط الذي يعترف المجلس نفسه في دراسة مشتركة بينه واليونيسيف أن عدد الأسر التي تعرفه في مصر لا يتجاوز نسبة 10%.

وكانت الصدمة بالنسبة لي في التعامل مع المجتمع المدني المهتم بقضايا الطفل في مصر، حينما اكتشفت أن الكثير من هذه المؤسسات -التي تملأ تصريحاتها وسائل الاعلام المختلفة في كل قضية تخص الطفل-  لا يتخطى أغلبها المعلومات التي تصرح بها للإعلام. كان استمرار ظهورهم في الاعلام يعتمد على يقوموا بتصديره في تصريحاتهم عن القضايا التي يتولونها. تفاجأت مع عدد منهم أنهم كانوا هم أنفسهم يحصلون عن معلومات القضية من الاعلام، وهؤلاء كانت تنتهي غالباً تنتهي مكالماتي معهم برنين هاتف دون إجابة.

أما المؤسسات التي كانت تعمل بالفعل في هذا الملف، فأغلبهم لا يملك الأدوات الكافية التي تستطيع أن تتحدث صراحة عن هذه الظاهرة. لك ان تتخيل أن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية نفسه لا يمتلك أي دراسة تتحدث صراحةً عن الانتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال في مصر. مشكلة كبيرة ظللت أبحث عن حل لها على مدار 5 أشهر منذ تحديد فرضية التحقيق.
كان الأمر في البداية أشبه بمثابة التيه وسط صحراء لا أملك فيها سوى خريطة تقول إن هناك بئر مياه قريب دون أن يُمهد أحدهم طريق يستطيع أن يسلكه من يريد الوصول الى هذا البئر. فالحقيقة الوحيدة التي كنت أملكها هو أن هناك قانون ينص صراحة على أن المجلس القومي للأمومة والطفولة و لجان الحماية بالمحافظات هم المسئولين عن التدخل الوقائي والعلاجي لأي طفل مُعرض للخطر، لكن نفس القانون لا يحدد آليات واضحة لتنفيذ الأمر، أو من يراقب تفعيل هذه الإجراءات، أو عقوبة التقصير في التنفيذ، مع الأخذ في الإعتبار أن هذا هو القانون الوحيد المعني بشئون الطفل في مصر.
ملف الطفل تائه وسط أزمات كثيرة يتخبط فيها المجتمع المصري، لا أحد يستيقظ في الصباح ويتساءل ما هو أداء المجلس القومي للأمومة والطفولة اليوم، أو يتساءل ما هو مصير هذا الطفل الذي تحرش به أحد جيرانه أو هذه الطفلة التي تعرضت للاغتصاب على يد مدرسها. 
أثناء التحقيق أثارت الصحف عدد من القضايا التي تعرض فيها الأطفال لاعتداءات جنسية، كنت أتتبع مع أسر الأطفال من جهة ماذا حدث معهم ومن جهة أخرى اتابع ما يتم نشره في الصحف بخصوصهم. كانت المفارقة صارخة فإعلان المسئولين عن تدخلهم في هذه الحوادث لم يكن يتجاوز الحضور القانوني أو زيارة لا تتكرر تنتهي نتائجها ببيان صحفي لا أحد يتابعه. كنت أتصل بمحامي أو أسرة الطفل كل فترة وأسألهم (هل جاء اليكم أحد من المجلس؟ هل تلقى الطفل العلاج؟) كانت الإجابة بالنفي.
كان الحصول على موافقة أحد الأسر لتسجيل شهادتهم أمر ليس سهلاً على الإطلاق، هناك أسر لم اقابلهم إلا بعد شهرين من اتصالي الأول بهم، كان الجميع يريد أن يطوي صفحة الحادث وينسى، رغم أني كنت أجد في كلمات الأطفال أنهم لم ينسوا أياً من تفاصيل الحادث بل زاد عليه كل الكوابيس والآلام النفسية التي يشعروا بها بعده. أسر ريفية وأخرى فقيرة لا تعلم جدوى العلاج النفسي أو لا تستطيع أن تتحمل أعباؤه المادية. فالطفل إذا ارتفعت درجة حرارته تعلم أسرته أن أي طبيب يستطيع أن يداويه حتى ولو كان عاملاً في الصيدلية، لكن إذا انطوى على نفسه أو تلعثم في الحديث او زاد العنف في سلوكه لا أحد منهم سيأتي الى ذهنه حاجته الى العلاج النفسي.

قاومت السقوط في الاكتئاب طوال فترة التحقيق. كنت محاصرة بين عدم قدرتي على مساعدة أسر استجابت لحصول أطفالها على العلاج (أطفال قنا على سبيل المثال)، وعدم قدرتي على اقناع الأسر التي قررت الهروب من مواجهة الأمر عبر التوقف عن الحديث عنه من الأساس. في الحالة الأولى كان التنسيق مع مؤسسات تقدم خدمات العلاج النفسي للأطفال صعب، وهو أمر طبيعي كلما ابتعدت عن العاصمة (القاهرة) حيث تقف بٌعد المسافة وارتفاع تكاليف الانتقالات عائقاً يزيد عليه عدم وجود بديل لهذه المؤسسات في هذه المحافظات من الأساس. وفي الحالة الثانية لم يكن في استطاعتي سوى زيادة سخطي على الجهات التي لا تتحمل مسئوليتها فتترك مصير هؤلاء الأطفال مجهولاً.

استطعت أن أساعد عدد من الأطفال الذين قابلتهم في التواصل مع مؤسسات للدعم النفسي المجاني لكن هذا لم يمنعني من أن أتخيل كم الأطفال الذين لم اقابلهم وواجهوا الانتهاكات دون أن يساندهم أحد. أعتقد أن الأمر الوحيد الذي خرجت به من هذا التحقيق هو أني لن أستطيع أن أنسى تفاصيل أياً من الانتهاكات التي استمعت اليها وأني نفسي أصبحت في حاجة إلى العلاج النفسي.