ما بدي عيش معه
بدي عيش مع أهلي

















"زواج القاصرات" في لبنان
بين حكم الطوائف وعجز الدولة

تحقيق: سجى مرتضى

















طفولة مسلوبة



















ربيع مريم تحول إلى خريف في سن الرابعة عشر. وهي تسعى اليوم للتحرر من "سجن" الزواج، بعد أن اغتصبت طفولتها منها، فباتت زوجة وأمّاً وربّة منزل. تخاف مريم من أن ترغم على العودة إلى منزل من تزوجت منه رغماً عنها، تقول: "ما بدي عيش معه، بدي اتعلم وعيش مع أهلي".





أما فاطمة التي دخلت عامها الـ18، فتمكنت من الانفصال عن زوجها بعد أربع سنوات من التعرض للعنف والمعاناة، وفقدان جنينها لأن جسمها الطفولي لم يصمد أمام أثقال الولادة وآلامها.





في سن الثامنة والعشرين، قرّرت سلمى شقّ طريقها بمفردها مع طفليها علّها تنجح في تعويضهما عن الطفولة التي حرمت منها حين سيقت إلى منزل الزوجية بعمر الثالثة عشر.




مريم، فاطمة وسلمى لسن مجرد أرقام ضمن إحصاءات صمّاء تصدرها جمعيات لبنانية ومنظمات دولية عن زواج القاصرات في لبنان. بل هنّ حالات متحركة تلخّص معانات 21.2% من اللبنانيات اللواتي ساقهن محيطهن الاجتماعي والديني للاقتران تحت سن الثامنة عشر. فبحسب رصد منظمة اليونيسف، 4.1% من بين اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و19 متزوّجات اليوم، و6% من بين اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 20 و24 متزوّجات قبل الـ 18، و11.1 % من بين اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 20 و49 متزوّجات وهنّ قاصرات.




فتيات دفعن دفعاً إلى مرحلة الأمومة قبل الأوان. هنّ ضحايا مجتمع يتغنّى على السطح بمزايا الإنفتاح، التحرر وحقوق المرأة، لكنّه يقبع تحت سطوة طوائف تهيمن على قوانين الأحوال الشخصية، ومجلس نيابي يعجز عن حماية الفتاة من العنف والإغتصاب، بدون إذن شرعيّ وديني.




طوائف محتكرة


















"زواج القاصرات في لبنان" عنوان يختزل معاناة فتيات حول العالم على مذبح الأعراف والتقاليد، المسنودة بتأويلات دينية. تفاقم هذه الظاهرة ليس غريبًا في بلد تنتشر فيها 18 طائفة، يتعدى نفوذها قوانين الأحوال الشخصية، لتتحكم كذلك بمجلس النواب وأعضائه الـ 128. كل طائفة حدّدت وفق قوانينها الشرعية سنّاً أدنى للزواج يهبط عند بعضها إلى تسع سنوات. وتشجّع الطائفتان السنية والشيعية على الزواج بعمر صغير، ولا ترى فيهما أي ضرر على الفتاة، رغم كل حالات العنف والطلاق المسجلة لفتيات تزوجن بعمر صغير.















فيستند مثلاً عضو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي بحسون، على حديث للإمام جعفر الصادق، يقول فيه أنّه "خير للمرء أن لا تطمث ابنته في بيته"، وهو ما يشرحه بأنّه "خير للفتاة أن تتزوج قبل أن ترى الدم، فتراه عند شخص واحد وهو زوجها، أي الوحيد الذي يتطلع على سرها".















كما وترفض الطوائف أن يسحب منها أحقية التحكم بقوانين الأحوال الشخصية، وبالتالي تناهض أيّ جهد للجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية لسنّ قانون موحد يمنع زواج القاصرات ويحدد السنّ الأدنى للزواج بـ18 عاماً. ورغم أن الطوائف المسيحية تشدّد على منع تزويج القاصرات، فإن هذه الممارسة منتشرة أيضاً بين عائلات مسيحية لبنانية.















مشاريع قوانين متعارضة


















"الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية" قدّمت عام 2014 مشروع قانون يستهدف "تنظيم التزويج المبكر" في لبنان، من خلال النائب غسان مخيبر (عن كتلة الإصلاح والتغيير). لم يتضمن ذلك المشروع حظراً شاملاً، وإنما اشترط موافقة قاضي الأحداث قبل تزويج قاصرات وليس فقط وليّ أمرهن.















على أن جمعيات موازية رفضت المشروع، باعتباره تشريع مبطن يسمح بتزويج القاصرات. أمّا المشروع الثاني فأعده "التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني" عام 2017، وقدّمه إلى مجلس النواب، النائب إيلي كيروز، عن كتلة "القوات اللبنانية". ويحدّد المشروع السن الأدنى للزواج بـ18 عاماً على الأراضي اللبنانية كافة دون أيّ استثناء، مع تشديد العقوبات على المخالفين. وهو القانون الأفضل والأمثل، وفق رأيهم لحماية القاصرات.

اليوم، تتأرجح الجمعيات بين تأييد أحد القانونين أو المطالبة بسحب الأول.










طوائف تعرقل وتجترح حلولها الخاصة




















يضيء هذا التحقيق على استمرار رفض المرجعيات الدينية الأساسية لتشريع أي قانون يحدّد سن الزواج. وتتحكم هذه المرجعيات بأعضاء في المجلس النيابي، الذي تُشكّل كتله النيابية الـ15 في ظلال الطوائف.










ما يصعّب المسألة أيضاً، هو أنّ المادة 9 من الدستور اللبناني تحمي الطوائف من أيّ تعد على قوانين الأحوال الشخصية، ما يعني أنّ المجلس - وبحماية دستورية- عاجز عن سنّ مشروع قانون تحديد السن الأدنى للزواج (2017) الذي لا يزال -بحسب النواب المؤيدين- في درج رئيس المجلس نبيه بري، بانتظار تحويله إلى اللجان والهيئة العامة للبرلمان لمناقشته.

رفض أربع نواب معارضين من "حزب الله" و"الجماعة الإسلامية"، التعليق على الموضوع أو حتى التطرق إليه. وأعطوا الطوائف أحقية الحديث باسمهم متناسين أدوارهم كمشرّعين.











اعتبر عضو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي بحسون، أنّه "لا يوجد أناس عقلاء يسنّون قانون مماثل"، أمّا رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا، الشيخ محمد عساف، فأكد أنّ المحكمة "ضد أيّ قانون يمسّ بالمادة 9 من الدستور اللبناني". وفوق ذلك اجترحت الجهتان حلولاً خاصة بهما في حال تمرير التشريع رغماً عنهما، الشيخ عساف حسم أن "لا تنازلات في مسألة إقرار القانون"، أمّا الشيخ بحسون فشدد على أنّه "إذا فرض على الطائفة الشيعية قانون جائر، مخالف لشريعة السماء، حين إذن نطبقه في القانون وفي المحكمة، لكن في بيوتنا وفي مجتمعاتنا تبقى الزيجات المبكرة قائمة ونؤخر تسجيلها إلى سن الـ18 وهذا لا إشكال فيه".









الحاجة لاستراتيجية لحماية القاصرات





















"التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني"، وجمعيتا "أبعاد" و"كفى"، تعملان بالتعاون مع "المجلس الأعلى للطفولة" التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، على الحد من انتشار ظاهرة زواج الصغيرات، عبر التوعية وتقديم الحماية والدعم النفسي، بالإضافة إلى المشورة القضائية. لكن هذه الهيئات تشكو من ضعف التنسيق البيني وغياب الإحصاءات الدقيقة لكل المناطق اللبنانية. وهذا ما وجده معد التحقيق لدى اتصاله بمركز الإحصاء المركزي، الذي أكد عدم حيازته أيّ أرقام تحدّد نسب زواج القاصرات. أرقام اليونيسف، ودراستين أعدتهما جامعة القديس يوسف والتجمع النسائي، هم البيانات المختصرة الوحيدة المتوافرة اليوم عن زواج القاصرات في لبنان. وفي غياب الأرقام الرسمية، واقتصار الدراسات على عينات محدودة، كيف يمكن للجمعيات تشخيص الأزمة بدقة، أو حتى التدخل على الأرض بشكل سليم للحد من زواج القاصرات أو حتى المعرضّات للزواج تحت سن الـ18؟.











ضعف التنسيق بين الجمعيات المعنية يشتّت الجهد. وشكّلت جمعيات معنية بحقوق الطفل والمرأة مؤخراً، تحالفاً وطنياً بهدف تكثيف التدخلات المدنية ضمن مخطط واحد يرمي إلى حماية الأطفال من التزويج المبكر. وهو ذات الهدف الذي تحمله وزارة الشؤون الإجتماعية على عاتقها، بما في ذلك وضع استراتيجية وطنية بالتعاون مع منظمة اليونيسف. وبانتظار اكتمال التمويل والكادر البشري الذي سيوكل بالمهمة، لا توجد أيّ مؤشرات واضحة بقرب بناء هذه الاستراتيجية.








أحلام الفتيات















يبقى الهدف الأساسي تحديد السن الأدنى للزواج بـ 18 عاماً. ليس فقط حمايةً للفتيات القاصرات اللواتي تتعرضن للعنف والإغتصاب الزوجي وتُسلبن حقهن في اختيار الشريك المناسب بعد بلوغ سن الأهلية القانونية؛ ذات السنّ الذي يسمح لهنّ به بالقيادة والانتخاب والبيع والشراء ورفع دعوى قضائية.









في السياق، على لبنان تطبيق التزامه باتفاقية حقوق الطفل، التي وقّع عليها عام 1990، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي وقع عليها في عام 1997. وكذلك إلغاء تحفظاته على بعض بنود تلك الاتفاقيات ذات الصلة بقوانين الأحوال الشخصية، بحسب توصيات منظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2017.

ويظهر هذا التحقيق صعوبة سنّ قانون يتماشى مع الاتفاقيات الدولية في بلد، ينتظر فيه المشرّع إذناً من المرجعيات الدينية لحماية مواطنيه من أيّ أذى.









بعد مأساتها، تتمنى فاطمة تتمنى على الدولة اللبنانية أن "تحرّم زواج الفتاة تحت سن الـ18 عاماً". ولا يُفقد الأمل في إحراز تقدم في هذا الملف بعد عقود من المراوحة، رغم كل العراقيل الموجودة والمتوقعة، خصوصاً بعد أن سنّ مجلس النواب قانون حماية المرأة من العنف الأسريّ، تحت ضغط الجمعيات النسائية، وكذلك ألغى مؤخراً المادة 522 من قانون العقوبات التي تسقط العقوبة عن المغتصب إذا اقترن بضحيته.







نصف المتزوجات اليمنيات من الأطفال
صراعات سياسية تحرم القاصرات من الحماية

تحقيق: محمد الناصر

















في مشهد قد لا يظهر حتى في أفلام السينما، تحضر طفلة عمرها ١٢ عاما على كرسي متحرك إلى المستشفى رفقة مجموعة من النساء. رجل في الأربعينيات يوقف الكرسي ثم يسأل عن إجراءات التوليد.
منال صالح، ١٣ عاما، تزوجت بعمر الحادية عشرة وأجهضت حملها بعد سنة. وهي تنشد الطلاق في سن الثالثة عشرة، بعد أن حملت مجددا.

تقول منال: "منذ دخلت شهري السادس وأنا على كرسي متحرك لأن جسمي لم يتحمّل الحمل". وتضيف: " تعرضت للضرب والإهانة من زوجي في المستشفى بعد أن فقدت جنيني أثناء الولادة. ولولا تدخل الدكتورة والأمن ربما كان قتلني".

بعيون دامعة، تقول منال: "لن أعود إلى بيته حتى لو دفعت الثمن حياتي وأطالب بسجن كل أب يزوج ابنته وهي صغيرة".

كذلك هو حال سامية إبراهيم (14 عام)، كلما ترى زوجها الأربعيني بجانبها في المستشفى تصرخ ولا تهدأ إلا بعد إعطائها مهدئات تدخلها في نوم عميق، حسبما تقول بعد إصابتها بتمزق في رحمها ليلة زفافها.

"لمصلحتها زوّجتها. أن تتزوج أفضل لها من الجلوس في البيت، وستتعافى وتعود إلى بيت زوجها" يجيب أحمد إبراهيم عن سبب إصراره على زواج أخته سامية.











أما جميلة علي، ١٣ عاما، طالبة في الصف السابع، عقد قرانها وأُرغمت على التخلي عن حلمها في إكمال تعليمها. تنتظر جميلة زفافها بعد ثلاثة أشهر لا لشيء أو رغبة منها، إلا إرضاءا لظلم حسب وصفها يمارس عليها من إخوانها من أبيها الذي يعاني مرض نفسي.

تتحدث جميلة بصعوبة وهي تتأتأ: "لو كان والدي بخير ماكان ليسمح بتزويجي وإخراجي من المدرسة ولا كان ليحدث ذلك".










لم يستطع معد التحقيق التحدث مع سعاد خالد، ١٦ عاما، التي أصيبت بالشلل جراء الحمل والولادة بعد إرغامها على الزواج وهي لم تتعد 15 عاما. وتتجرع الآن مرارة إرضاع طفلتها في ظل عجزها ومرضها و قسوة لاتوصف من قبل والدها الذي زوجها من أجل المال.

تسرد قصتها أختها الصغرى سمر، ١٣ عاما، تقول سمر: "أختي مشلولة وأبي لا يزورها أبدا وأمي تعمل في مستشفى لتغطية احتياجاتنا وابي لا يعمل ويضربنا في حال لم تعود أمي بأكل ومبلغ من المال".

"أخاف أن يزوجني والدي مثلما زوج أختي سعاد، وأخاف أن أصاب بالشلل"، تقول سمر ونظرات الخوف في عينيها.










مناكفات سياسية











منال وسامية من بين آلاف القاصرات اللواتي يجبرن على الزواج في سن الطفولة في اليمن، حيث يستغل رجال دين وعائلات الفتيات ثغرة في قانون الأحوال الشخصية، تسمح بتسجيل عقود القران لمن هن دون الثامنة عشرة.

وفشلت ثلاث محاولات في ثلاثة عقود (1999، 2009، 2013) لتعديل (المادة 15) في القانون بسبب احتدام المناكفات السياسية وسيطرة أحزاب محافظة على مجلس النواب، حسبما يوثق هذا التحقيق بعد أربعة أشهر من التقصي. وجاءت شرارة الحرب (2014) لتزيد معاناة الفتيات وسط غياب الوعي المجتمعي والفقر.

وفي غياب البيانات المحلية، تقدّر هيئات دولية بأن زيجة واحدة من كل اثنتين تسجّل في اليمن، تدفع ثمنها فتاة قاصر، تكون عرضة لأضرار نفسية وجسمية.

المادة ( 15) في القانون الصادر عام 1992 تسمح بتوثيق زواج القاصرات، رغم التزام اليمن باتفاقيات دولية تحظر زواج الأطفال،  من بين التزامات اليمن توقيعه على اتفاقيتي الحد الأدنى لسن الزواج عام ٢٠٠٠، وحـقـوق الـطـفــل والبروتوكولين الملحقين بها، والتي حدّدت سن الطفل بأقل من ١٨ عاما.

على مدى سنوات، طالبت منظمات المجتمع المدني في اليمن بتعديل المادة (15) بما يتواءم مع المعاهدات الدولية. لكن تلك المطالبات أفضت إلى تعديل عدّته أسوأ من المادة الأصلية.

إذ كانت تنص المادة (١٥) لدى سن القانون عام ١٩٩٢: "لا يصح تزويج الصغير ذكرا كان أو أنثى  دون بلوغه خمسة عشر سنة ". وجاء التعديل بقرار جمهوري عام 1999 على النحو التالي: "عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمسة عشر سنة ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحة".

وفي عام 2009، صوت مجلس النواب اليمني لتحديد سن الـ 17 عاما كحد أدنى، لكن مجموعة من المشرعين، استخدموا إجراء برلمانيا لمنع القانون من النفاذ، باعتباره "مخالفا" لأحكام الشريعة الإسلامية التي يستند إليها الدستور اليمني.

يقول أحمد سيف حاشد عضو مجلس النواب اليمني: "رئيس الجمهورية  يصدر قرارات خلال إجازات رمضان مستغلا ثغرة دستورية تُمكّن الرئيس إصدار قوانين عندما يكون مجلس النواب في إجازة رسمية. ولازالت هذه القوانين سارية المفعول إلى اليوم دون أن تناقش أو تمر تحت قبة البرلمان".










بينما يعلق محمد الأسعدي المتحدث باسم اليونيسيف في اليمن: "حتى اللحظة لا يوجد قانون أو تشريع يمني يجرم زواج الصغيرات أو يحدد سن الطفولة ولكن كانت هناك مساعي كبيرة جدا بذلت في عام ٢٠١٣ أثناء  مؤتمر الحوار بتحديد سن الطفولة ب ١٨ سنة وتحريم زواج الصغار".

يقول أحمد سيف حاشد عضو مجلس النواب اليمني: " للأسف الشديد أن التحالفات السياسية السيئة بعد عام 1994 جاءت في جزء مهم من استحقاقاتها على حساب الحقوق والحريات، وكلما اشتدت الخلافات السياسية كانت تتم تسويتها على حساب القضايا الاجتماعية ومنها قضايا المرأة وزواج القاصرات مسنودة بمرجعية الشريعة الإسلامية".





ويرى الدكتور علي حسين العمار الأستاذ المشارك بكلية الإعلام جامعة صنعاء: "التجاذبات الحزبية هي من أدت إلى عرقلة إقرار القانون أثناء مناقشته في مجلس النواب". ويضيف: "الظاهرة في ازدياد، وتعد الآن مشكلة كبيرة نظرا للحصار وانتشار الفقر، ولابد من حلول سريعة لها كونها تنعكس سلبا على حياة الطفلات اللاتي يجبرن على الزواج".









يقول القاضي ياسر أحمد العمدي رئيس الدائرة القانونية بنادي القضاة اليمني أن القانون بهذه الصيغة يعاني قصورا ويعلق: "ما هي الضوابط لصلاحية الوطء هل ضوابط علمية أو تقارير طبية، من سيراقب هذا الضابط؟ لم يحدد ذلك القانون".











يشاركه في الرأي المستشار القانوني يحيي علي السخي: "القانون اليمني بهذه الصيغة نص على صحة زواج الصغيرة وان كان استثني أن لا تزف إليه إلا عندما تصبح صالحة للوطء، لكن القانون لم يحدد ماهو معيار صلاحية الوطء وذلك  قصور واضح".

ويضيف القاضي العمدي الذي كان أحد أعضاء لجنة ضمن قضاة من المحكمة العليا شاركوا في ورشة مع اتحاد نساء اليمن لنقاش موضوع زواج القاصرات: "اللجنة بعد نقاش مستفيض وبعد الاطلاع على العديد من القوانين في عدد من البلدان، خلصت إلى تقديم مشروع لتعديل المادة (١٥) والتوصية بضرورة تحديد سن الزواج ب١٨ عاما".

المحامي السخي يرى ضرورة أن يحتوي النص القانوني على عقوبة رادعة على كل من يخالف ذلك بالسجن لا أن تقر عليه غرامة كون الغرامة حسب وصفه لا تعتبر عقوبة إنما مخالفة.

يقول أحمد سيف حاشد عضو مجلس النواب اليمني: "البرلمان وفي ظل غياب الإرادة السياسية الجريئة والمتحررة غير مؤهل حتى الآن للإقدام على خطوة تحديد سن أدنى للزواج".

 











ثقافة وقوانين بالية


















نور محمد، 15 عاما، استمر زواجها يوما واحدا بعد أن هربت صبيحة اليوم التالي من زفافها من منزل زوجها الذي يكبرها بعشرين عاما. تنتظر نور أن تبت المحكمة في قضيّتها المنظورة منذ 2016، وهي تأمل في حصولها على "الطلاق وفك أسرها".

تقول نور: " لم تكن لدي الرغبة في الزواج ولم أستطع تحمل البقاء أكثر من ليلة واحدة على الرغم من محاولات أهلي الضغط علي لكي أرجع خوفا من طلبه التعويض عما خسره".

وتضيف: "والدي يعارض طلاقي بينما أخي ووالدتي يدعموني للحصول على الطلاق".

دكتورة النسائية والتوليد د. أروى الربيع تشرح الوضع الطبي: "الفتاة التي تتزوج قبل الثامنة عشرة من عمرها - أي قبل اكتمال نمو جهازها التناسلي- تكون معرضة لأمراض نسائية عديدة منها الإجهاض والتهابات حوضية مزمنة". هذه الطبيبة تصادف "يوميا حالات عديدة لفتيات تزوجن مبكرا، تصل أحيانا إلى ٢٠ حالة في اليوم".

يعلق أحمد سيف حاشد عضو مجلس النواب اليمني بالقول: "زواج  القاصرات إرث لثقافة متخلفة وقوانين رجعية بالية لم تعد صالحة بأي وجه من الوجوه لهذا العصر وللمستقبل الذي نروم. ويضيف: "قوانيننا تحتاج مراجعة جريئة غير أن هذا الأمر مرهون بإرادة سياسية لم تتوفر بعد، كما تحتاج لمجلس نيابي يحمل وعيا غير مثقل بالكوابح والعاهات الذكورية المستبدة".

يقول الدكتور شوقي القاضي عضو مجلس النواب عن كتلة الإصلاح: " الفقر سبب رئيس في انتشار ظاهرة زواج القاصرات، لدرجة أن الأب يزوج ابنته بطريقة أشبه إلى البيع". ويضيف :" يجب تزويج الفتاة عند رغبتها هي وأن يكون سنها مقبول فوق ثمانية عشر عاما".

تقول ابتهال محمد، محامية وناشطة حقوقية: "يجب دعم كل فتاة ترغب في كسر إرادة رغبة أسرتها بتزويجها وهي صغيرة". تضيف ابتهال: "أدعم بكل ما أستطيع ولا اتقاضى أتعابا عندما يتعلق الموضوع بقضايا طلاق قاصرات أو قضايا عنف ضد المرأة".

بينما يعارض شيخ الدين محمد اليوسفي أي دعم أو مساندة للفتاة ويعتبره تعديا على الدين. "لسنا أعلم من رب العالمين لنستحدث شيء لم يأت به في كتابه أو سنة رسوله". ويضيف اليوسفي: "من يطالب بتحديد سن الزواج أو يساعد الفتاة على التمرد والطلاق من زوجها بحجة أنها قاصر يتعدا على حدود الله وينتهك حق الأب في أن تعيش ابنته عفيفة مستورة في بيت زوجها".













رنا عبدالله السعيدي ناشطة حقوقية بدورها تعتبر زواج القاصرات انتهاك للإنسانية وللطفولة وليست سوى بيع وشراء للأطفال، كون الأطفال هم الحلقة الأضعف.

وترى ضرورة وجود قوة تمنع هذا الأمر تتمثل في صدور قانون كون اليمن بيئة محفزة حسب وصفها لمثل هذه الظاهرة نتيجة الفقر وانعدام الوعي وتضيف: " أطالب بوجود قانون يمنع هذا الأمر، الموضوع يتفاقم ومن الضروري إقرار قانون يمنع ذلك ".













أرقام مخيفة


















ظاهرة زواج القاصرات تزداد في اليمن بحسب إحصائيات هيومن رايتس ووتش، إذ بلغت نسبة زواج القاصرات تحت سن ١٨ سنة نصف وقائع الزواج المسجلة عام ٢٠١٣. وزاد انتشارها مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والحرب الدائرة التي تعيشها اليمن منذ عامين، بحسب محمد الأسعدي المتحدث الرسمي باسم اليونيسيف في اليمن.

يقول الأسعدي: "هذه أرقام مخيفة. أجرينا دراسة العام الماضي واتضح أن  ٧٢٪ من الحالات التي تم مسحها تم تزويج الفتيات فيها تحت سن ١٨ سنة وهو رقم كبير تضاعف عما كان عليه الوضع قبل الحرب ". ويضيف: "الأطفال الصغار يتزوجون بشكل كبير بين النازحين الذين اضطروا لترك منازلهم وقراهم ومدنهم بسبب الصراع الجاري".

وعن أسباب انتشار الظاهرة يقول النائب حاشد: "الحرب والجوع والفقر وانقطاع المرتبات وتسرب الفتيات من المدارس وانتشار الوعي الوهابي والسلفي واستبداد العادات والتقاليد تزيد من التحديات التي يجب مواجهتها وإزاحتها قدر المستطاع"
بينما يقول الأسعدي: "بسبب الفقر والصراع تضطر الأسر لتزويج صغارها تخفيفا للعبء الاقتصادي عليها، وايضا بسبب الجهل والتخلف التنموي وغياب الوعي وهي أسباب فاقمتها الحرب وحولتها لأزمة معقدة  ومتداخلة".

ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة كان قد صرح  بدوره أن زواج الصغيرات من قبل الأسر في اليمن يتزايد لاستخدام مهر الزواج لدفع ثمن الضروريات ولتوفير طعام شخص بتزويج فرد منها.

بدوره جيرت كابيلير المدير الإقليمي لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط قدر في حديث صحفي زيادة بنسبة 20% في حالات إجبار الفتيات القصر على الزواج في اليمن منذ اندلاع الحرب.

فيما حذرت  منظمة أوكسفام من تزايد ظاهرة وخطر الزواج المبكر في اليمن في دراسة أجرتها مطلع هذا العام ذكرت فيها أن العوز والوضع الاقتصادي الصعب والسعي لتوفير دخل للعائلة وحماية البنات من التحرش من أهم الأسباب جراء ارتفاع حالات الزواج المبكر للفتيات.












سعاد يعقوب اخصائية اجتماعية وموظفة لدى مؤسسة أجيال وهي مؤسسة معنية بالطفولة قالت أن عملها في المؤسسة يقتضي النزول إلى الأسر بعد اكتشاف حالات للزواج المبكر لمعرفة الأسباب ومحاولة تلافيها معتبرة أن عدم وعي الأسرة بخطورة وضرر هذا الأمر على الطفلة يأتي في المقام الأول وأن محاولة توعيتهم أصبحت أمر صعب، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحرب التي تعيشها البلد.

فالآباء حسب قول سعاد باتوا يتخذون زواج بناتهم وسيلة للعيش فيضطر الأب تزويج ابنته بأي مبلغ  كان وبأي شخص كان، ليحصل من الزواج على مبلغ لقوت أسرته والأمر الآخر أنه سيتخلص من فرد يصرف عليه من أفراد الأسرة.

وتضيف: "نعمل على توعية الأسر بخطورة تزويج ابنتهم القاصر وسلبيات ذلك ونحاول من الحد منها، لكن الحرب كانت سببا رئيسيا في تفاقم الوضع وانتشار أكبر للظاهرة".

أما عن دور السلطة التشريعية في اليمن فيما يجري فيقول حاشد: "كان لتحالف صالح وحزب الإصلاح دورا في هذه الردة والتراجع الصادم إلى درجة رفض المساواة بين الرجل والمرأة حتى في الديات والأروش، واستمرار السماح بزواج القاصرات وهو ما تمكن من فرضه التيار المتشدد في حزب الإصلاح ولا زال الحال قائما إلى اليوم".

وتبقى أرقام زواج القاصرات في ازدياد مع تردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في بلد أنهكته الحرب وقسى على صغيراته الزمن.












"زواج السنّة"..واستغلال ثغرات قانونية
من يزوج الأطفال في مصر؟

تحقيق: علياء أبو شهبة

















"البنت الكويسة اللي تتخطب وتتجوز بدري"، عبارة أبهجت ندى (اسم مستعار) عندما سمعتها لأول مرة من والدتها. وزادت سعادتها بارتدائها فستان الخطوبة وتزينها بالذهب قبل أن تكمل الخامسة عشرة من عمرها.

بعد أيام على الخطوبة، لم تفلح محاولات ندى المستميتة مع أهلها للتراجع عن الخطوبة والسماح لها بالخروج للعب في الشارع مع أقرانها. ندى (18 عاما الآن) تعود بذاكرتها للوراء؛ تتأمل كيف كانت مقبلة على الحياة وكيف غدت مريضة بالاكتئاب تتردد على عيادة نفسية للعلاج "من كثر ما شلت الهم ونفسيتي تعبت من الجواز". وتتذكر أيضا محاولاتها للانتحار وإيذاء نفسها للتخلص من هذه الزيجة المبكرة.

تزوجت ندى "زواج سنّة" بعد أشهر على خطبتها؛ زواج لا يوثق إلا بعد أن تبلغ العروس الثامنة عشرة، السن القانونية للزواج. كذلك الحال بالنسبة لإصدار شهادة ميلاد لرضيعتها، إذ انتظرت عاما قبل توثيقها، إلى ما بعد تسجيل عقد قرانها.

بخوف شديد تحتضن ندى رضيعتها: "لا يمكن أبدا أجوز بنتي بدري وأقبل يحصلها اللي حصلي".

ندى وقعت ضحية "زواج السنّة"، حالها حال الآلاف من قريناتها، وهو نمط من الاقتران يستند إلى كلمة شرف من الطرفين بالقبول والإشهار. يتشارك في خرق القوانين مأذونون مرخصون وآخرون ينتحلون صفة "مأذون" دون ترخيص رسمي. لقياس حجم المشكلة، طرقت معدّة التحقيق أبواب مأذونين فوجدت أن منهم وافقوا على عقد قران "سنّة" مقابل رسوم مضخّمة.

يستغل رجال دين ثغرة في قانون الأحوال الشخصية تسمح بعقد قران فتيات دون السن القانونية، ثم توثيقه لدى بلوغها الثامنة عشرة. يتوارى خلف هذا الباب أهالي قصّر وقاصرات مستغلين ضعف رقابة وزارة العدل، في خرق لقانوني الطفل والأحوال الشخصية. واصطدمت محاولات برلمانية لتعديل قانون الأحوال الشخصية بحيث يتضمن عقوبات رادعة، بتيارات محافظة تطالب بتخفيض سن الزواج.











هل زواج السنة حلال؟



















أما السلطة الدينية، فتتخذ موقفا ضبابيا حيال هذا النمط، فيما يعارضه بعض رجال الدين. فبينما ترى دار الإفتاء أنه صحيح إذا كان مكتمل الأركان بغض النظر عن سن العروس، تعود لتؤكد وجوب توثيقه.










"دار الإفتاء بتقول عليه حلال"، إجابة تتردد في أوساط الفئات الشعبية، حيث يضعف الوعي المجتمعي.

معدة التحقيق سلكت طريق البسطاء ووجهت سؤالا لدار الإفتاء المصري. فجاء الرد: "إذا كان الزواج مستوفيا لكل أركانه وشروطه فهو زواج صحيح وتترتب عليه آثاره. ولكن ينبغي تسجيل الزواج لدى الجهات الرسمية وذلك التزاما بقوانين البلاد وعملا لما فيه مصلحة المتعاقدين، وحفظا لحقوقهما".

صدر قانون الطفل عام 1994. وعدّل هذا القانون في 2008 برفع سن الزواج من 16 إلى 18، وإضافة المادة (143): "لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ويعاقب تأديبيا كل من وثّق زواجا بالمخالفة لأحكام هذه المادة".










في المقابل يقول الشيخ سيد زايد، عضو لجنة الفتوى ورئيس مجمع الديري الإسلامي في بني سويف: "يؤسفني بل ويؤلمني أن يسمى بزواج السنّة، فهو بعيد كل البعد عن سنّة الرسول". ويضيف الشيخ زايد: "بعض من يدعّي العلم ينسبه إلى الرسول لأنه عقد قرانه على السيدة عائشة في سن السادسة ثم دخل عليها في سن التاسعة، ويزعمون أنه زواج سنة". ويرد على هذا التفسير بالقول: كانت تلك "خاصّية للرسول، وللرسول خصائص لم تطرح لبقية أمته".










خلل قانوني













يرى عبد الفتاح يحيى المحامي بمركز قضايا المرأة المصرية، أن قانون الأحوال الشخصية "فتح الباب للزواج العرفي أو السنّة أو القبلي، وأحكام الشريعة الإسلامية لم تشترط وجود وثيقة".

ويؤكد يحيى أن زوجة "السنّة ليس لها أي حقوق باستثناء الطلاق؛ ليس لها نفقة، مؤخر أو مسكن زوجية. وهي لا ترث الزوج إذا توفي قبل توثيق العقد، والإبن غير مثبت على الأب". وفي حالات عديدة "تدخل البنت في دوامة وتسجل ابنها باسم والدها، أخوها أو خالها ويحدث اختلاط أنساب". وطالب "بدراسة هذا الملف بآثاره الاجتماعية والنفسية والقانونية من أجل وضع حل له".










أما رضا الدنبوقي، محامي ومدير تنفيذي بمركز المرأة للتوعية والإرشاد القانوني فيقول: "زواج السنّة وجه آخر للزواج العرفي؛ وهو محرم وفق المادة (80) من الدستور المصري، لأنه لا يصح بأي حال من الأحوال عقد الزواج تحت سن 18 سنة كما أنه مخالف للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر".

يضيف الدنبوقي: "يسعى آباء لحفظ حقوق بناتهم بطلب إيصال أمانة من الزوج حتى يوثق عقد ابنته بعد بلوغها سن الثامنة عشرة تحت مسمى "التصادق". إلا أنه في حال رفض الزوج توثيق العقد، لا تعترف المحكمة بهذا الإيصال، فالأمر لا يخرج عن كونه علاقة زواج عرفي، فتحكم ببراءة الزوج من أول جلسة، وبالتالي تضيع حقوق الزوجة".





من يزوج الأطفال؟



















في جولات ميدانية واتصالات هاتفية موثقة بالصوت والصورة، وثقت معدة التحقيق كيف ومن يزوّج الأطفال؟












في حارة ضيقة بمحافظة بني سويف، على بعد أمتار من مجمع المحاكم يقع مكتب تعلوه لافتة: "مأذون شرعي" بدون كتابة اسم المأذون. تواصلت معدة التحقيق مع المأذون (ش. أ) - الذي تبين أنه غير مسجّل رسميا في وزارة العدل - وطلبت منه تزويج أخيها المغترب في إحدى الدول العربية بفتاة عمرها 15 سنة عبر عقد زواج رسمي أو من خلال زواج السنّة. واقترحت أن يكون مؤخر الصداق 50 ألف جنيه (2755 دولار).

بعد أن أقرّ خلال حديثه بأن هذا الإجراء مخالف للقانون، وافق المأذون على كتابة عقد رسمي مختوم، على أن يوثّقه بعد أن تبلغ العروس السن القانونية. وأبدى استعداده لإجراء مراسم القرآن في أي مسجد أو موقع مع ربط العريس بإيصال أمانة لحفظ حق العروس. كما قدّم نصائح كطريقة سفر الزوجة القاصر. لاحظت معدّة التحقيق أن المأذون غير المرخص رفض تحديد رسوم القران وأصر على ذكره عند الحضور لمكتبه.

معدة التحقيق تواصلت مع (ش. ث) من منتحلي صفة مأذون في إحدى مراكز محافظة بني سويف، وطلبت منه تزويج طفل عمره 16 سنة لطفلة في الرابعة عشرة من عمرها. رد في البداية بسخرية "مستعجلين على ايه"، ثم وافق على عقد القران بوثيقة رسمية مختومة بدون توثيق في المحكمة على أن يتم التوثيق بعد بلوغهم السن القانونية، مؤكدا أنه حلال.

كما طلب خمسة آلاف جنيه (280 دولار) مقابل عقد القران سواء كان شاملا كتابة عقد أو بدون عقد.













تحايل وتزوير


















محمد الخولي، سكرتير عام نقابة المأذونين في بني سويف، يتهم منتحلي صفة مأذون ب"تزوير دفاتر عقود الزواج في مطابع خاصّة بذات الشكل والختم المماثل للدفتر الأصلي، الذي يطبع في المطابع الأميرية بأمر من وزارة العدل". الاختلاف يكمن فقط ب"خامة الورق"، حسبما يوضح.

طريقة أخرى للتحايل تتم عبر توثيق عقد الزواج المخالف في محافظة أخرى من خلال دفتر رسمي لمأذون مخالف، بالتعاون مع رئيس قلم المأذونين، حسبما يضيف الخولي، مشيرا إلى "ضعف في الرقابة وتعاون في الخطأ بدون عقوبات رادعة".











الأهالي خارج نطاق القانون


















محمد عبده سلمان، مأذون شرعي في بني سويف، يرى أن المسؤولية القانونية ملقاة بالكامل على المأذون الشرعي، الذي يعاني بسبب منتحلي صفة المأذون. ويؤكد سلمان أن أبلغ وزارة العدل عن مخالفين عدة مرات ولكنها لم تتخذ أي إجراء ضدهم.
الشيخ مصطفى عبده، نقيب المأذونين بمحافظة بني سويف، يؤكد من جانبه أن نقابة المأذونين برئاسة إسلام عامر،عدد منتسبيها 4618 مأذونا، أعدّت قائمة بالمخالفين لتقديمها إلى النيابة العامة. لكنّها لم تتخذ أي إجراء عقابي بحقهم، وفق الشيخ عبده، الذي يؤكد أنهم معروفون في كل منطقة.

يقول محمد الفقي، مأذون شرعي في مركز الواسطى في بني سويف إن المشرّع وضع كامل المسؤولية في يد المأذون ونسي الأب والزوج والأطراف الأخرى المشاركة في الزواج، لماذا لم يجرّم سائر الأطراف؟
"أنا السبب أنا اللي عملت في بنتي كده كنت عايزة أجوزها واحد غني"، هكذا تندب الثلاثينية ثناء مأساة ابنتها التي طلّقت قبل أن تكمل عامها الخامس عشر. والأسوأ من وقع الطلاق هو جرحها النفسي ومعاناتها البدنية التي تؤلم والدتها: "أنا اللي ضيعت بنتي".











سماسرة الزواج


















تتنهد ثناء تنهيدة طويلة وتعود إلى لوم نفسها: "كنت ضحية جارتي المشهورة بالخطّابة لتزويج الفتيات".

ابنتها هبة (١٤ عاما)، طفلة انتزعت منها فرحتها وبراءتها. سمراء شاحبة الوجه، ضعيفة البنيان، جميلة الملامح، جمال حزين لا يغيب عنه ذكرى ما مرّت به من ألم بعد عام على تزويجها. تشرد قليلا لتنظر إلى رفيقاتها في المرحلة الإعدادية وهن يستقبلن عامهنّ الدراسي الجديد دون أن تكون معهنّ.

تقول الأم:" لم تستمر الزيجة سوى شهرين بعد توقيع إيصال أمانة بقيمة 130 ألف جنيها (2340 دولار)، لم نحصل على قرش منها حتى الآن".

الصدمة الشديدة كانت الشعور الذي سيطر على "هبة" بعد اصابتها بنزيف ليلة زفافها نتج عنه إجراء خياطة في منطقة المهبل. بعد تلك الليلة عاشت "هبة لمدة شهرين مع زوجها في منزله اكتشفت خلالهما أنها مجرد خادمة".

تستذكر الأم: "كانت هبة دائمة الشكوى وكنت أشجعها على العودة لمنزلها وتحمل المتاعب والإهانة". كانت الأم تصور المعاناة على أنها أمور طبيعية، حتى قالت لها: "لو خليتيني أروح تاني أنا هموت نفسي، فخشيت إزهاق روحها بيدي ووافقت على تطليقها من زوجها الذي لم يتم حتى الآن".











أزمة برلمانية


















تقدمت مارجريت عازر، عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري باقتراح يحدد السن الأدنى للزواج ب (21) سنة حتى تملك الفتاة الخبرة الكافية لتحمل مسؤوليات الزواج.
وفيما يتعلق بالتحايل على القانون ترى عازر أنه يجب وضع عقوبات رادعة، وتعلق: "نحتاج لتغليظ العقوبات، لأن الزواج المبكر في المجتمعات الريفية يتم عبر الإشهار بدون توثيق، ما يعني ضياع حقوق الفتاة. يمكن تطبيق قانون العقوبات بمعاقبة ولي الأمر لأن البكر لا تستطيع تزويج نفسها".











في المقابل تقدم النائب أحمد سميح، عضو مجلس النواب عن دائرة الطالبية بمحافظة الجيزة، بمقترح أثار الكثير من الجدل؛ لمطالبته خفض سن الزواج إلى (16) سنة ميلادية بدلا من (18) سنة. يقول سميح: "لم آت بجديد لأن القانون حدد سن 16 سنة للفتاة و 18 سنة للولد منذ عام 1923، وكانت المخالفات أقل من ذلك بكثير وعندما رفع عام 2008 إلى 18 سنة، اصطدم التشريع بشريحة وقطاع كبير من الشعب المصري".

سميح يؤكد أن اتخاذ القرارات التنموية يتطلب بيانات دقيقة لكن قواعد البيانات المتوفرة ليست حقيقية بسبب عقود الزواج غير الموثقة، وغالبية الزيجات وثقت في المحاكم بعد بلوغ الفتاة السن القانوني لإثبات الزواج أو إثبات الطلاق أو إثبات النسب.
يضيف سميح:" أنا مقيم في دائرة الجيزة ويتم دعوتي لحضور حفلات زفاف، أجد عمر العروسة 14 سنة وأتفاجأ بشيخ من الجامع أو عامل من الأوقاف أو شاب من الشارع معروف عنه الالتزام بالصلاة يكتب الكتاب".

تحت عنوان "الزواج المبكر بين الواقع القانوني والممارسات الفعلية" أصدرت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ورقة بحثية عن زواج الأطفال، في يوليو/تموز 2016. اقترحت فيها تعديلات تشريعية تمثلت في رفع سقف عقوبة الإدلاء بأقوال غير صحيحة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لتوثيق عقد الزواج .

كما طالبت باستحداث مادة قانونية في قانون الطفل تجرم الزواج العرفي، وأيضا استحداث عقوبات قانونية تطال الأب في حال قيامه بتزويج ابنته دون السن القانونية.











لا حل إلا بتشديد العقوبة


















يعتبر سامح مصطفى، مسؤول وحدة منع الإتجار بالبشر في المجلس القومي للطفولة والأمومة، والمسؤول عن ملف زواج الأطفال، بأن زواج الأطفال ملف شائك يتحكم فيه الجهل والفقر إضافة إلى العادات والتقاليد. يضيف مصطفى:"نحتاج إلى حملات لرفع الوعي بالأضرار الصحية والاجتماعية والقانونية، لغياب عقوبات رادعة وانتشار التحايل بشكل كبير جدا، لذلك تم إرسال مشروع قانون لمواجهة الانتهاكات ضد الأطفال إلى اللجنة التشريعية بالبرلمان، ومن بين الانتهاكات زواج الأطفال، لأن المنع يكون عبر سن القوانين وتشديدها".

وردا على اتهام المجلس القومي للطفولة والأمومة بالتقصير في محاربة زواج الأطفال يقول مصطفى: "إن دور المجلس هو رسم السياسات، وتقديم المقترحات ووضع خطط قومية لمواجهة انتهاكات الأطفال". ويضيف: "ليس دورنا تقديم التوعية ولا العمل على الأرض لكن نعمل بالشراكة مع عدة جهات لأنها قضية مجتمعية".

وعن التعديلات القانونية المطلوبة يقول مصطفى:" نطالب بإصدار بعض المواد الأخرى بتجريم الزواج غير الرسمي، هناك موضوعات تحت الدراسة لتعديل قانون الأحوال المدنية والمعاقبة التأديبية لكل من يوثق زواج طفلة دون السن القانوني".











بينما تؤكد نرمين محمود، مقرر المجلس القومي للمرأة في بني سويف، على قيام المجلس بحملات توعية من خلال حملات "طرق الأبواب" والتي يتم خلالها رصد المشكلة بشكل كبير. وتضيف: "كثيرا ما تقابلنا حالات تم تزويجها بدون أوراق ثبوتية، ويكون من المبكر وصولها إلى السن القانونية، فضلا عن المشكلات القانونية الناتجة عن الطلاق المبكر وإثبات النسب لزيجات مبكرة غير موثقة".











ليلى أبوعقل المحامية بالنقض ووكيل وزارة العدل لنيابات شؤون الأسرة سابقا بنيابات بني سويف والمقرر المناوب للمجلس القومي للمرأة فرع بني سويف، ترى أن الحل يكمن بتطبيق عقوبة قانونية تقضي بحبس ولي الأمر ستة أشهر إضافة إلى دفع غرامة عشرة آلاف جنيه في حال خرق القانون وزوج طفلته.

هبة وندى وسناء، عاينوا "عيشة الزواج" وعادوا إلى بيوت ذويهم وقد خسروا الطفولة، التعليم والمستقبل.









فريق العمل


لبنان
سجى مرتضى

مصر
علياء أبو شهبة

اليمن
محمد الناصر

محرر الفيديو والمؤثرات البصرية
أنس ضمرة
جمال صالح
كريستيان الحلو

مطور مواقع 
زكريا الكينعي

إشراف
رصيف٢٢
زهراء مرتضى
هالة دروبي

أريج
رنا الصباغ
محمد الكوماني

شكر خاص للتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني
حياة مرشاد

 أنجرت التحقيقات بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)